2012/07/04

مونودراما العرض المسرحي «ليلة وداع».. حكايا الحياة الغنية والقاسية
مونودراما العرض المسرحي «ليلة وداع».. حكايا الحياة الغنية والقاسية


رولا حسن - تشرين


في نص من تأليف جوان جان وإخراج و إعداد سهير برهوم قدمت الفنانة فيلدا سمور المونودراما «ليلة وداع» على مسرح القباني لكن قبل أن أتحدث عن العرض المسرحي لا بد من الإشارة إلى عرض مواز لا يقل أهمية عما سبقه وهو «الناس» الذين توافدوا في صقيع كصقيع 2/2/2012م والذين تحملوا انقطاع الكهرباء وتأخر العرض لمدة تزيد على نصف ساعة بل شغلوا الوقت بالغناء حيث انطلق صوت أنثوي عذب من عتمة الصالة وبددها عبر أغانٍ سيمر وقت قبل أن نستطيع نسيانها ليست لأنها من الكلاسيكيات بل لأنها ارتبطت بتلك اللحظة وبذاك الظرف، لم يكن ذلك سوى عرض (حياة )السوريين الذين أرادوا أن يؤكدوا أنهم قادرون في كل لحظة في خلق حياة جديدة والاندفاع فيها حتى النهاية وأن لا أحد قادراً مهما كانت الضغوط على سحب حياتنا من دواخلنا الغنية حد الحياة ذاتها.

«حياة» أخرى ‏

عبر تداعيات امرأة ستينية تعيش وحيدة بعد أن هجرها الجميع سواء أكان سبب الهجر هو الموت أم القسوة التي عرفت طريقها إلى القلوب، وقفت الفنانة فيلدا سمور على خشبة مسرح القباني لتروي الحكاية: ‏

عبر مونولوج داخلي (خارجي) تحكي «أم نديم حكاياتها» الموجعة لتكون لحظة الوحدة والشعور بالبرد هي لحظة انطلاق شرارة الذكريات فتحكي قصتها عبر مقتطفات موزعة بين الماضي والحاضر وليس على المشاهد سوى أن يلملم هذه النتف ليشكل لوحة الحياة الخاصة التي عاشتها والتي لا تختلف عن قصص نساء كثر في مجتمعنا الشرقي المشبع بذكوريته وأنانيته فقد تربت(حياة) «وحيدة المسرحية» في بيت محافظ تحكمه القيم والتقاليد المتعفنة والتي ترى أن مكان المرأة في بيت زوجها وليس من حقها أن تتعلم أو أن تعبر عن رأيها في اختيار شريك حياتها. ‏

تُزوج حياة لرجلٍ لا تحبه ويرفض والدها زواجها ممن أحبت فقط لأنه يعمل (مشخصاتي) وهو عمل مرفوض على المستوى الديني والاجتماعي في مجتمعات محافظة وتعيش حياة بائسة مع رجل جعلها تنسى أنوثتها وإنسانيتها لا بل عاملها كخادمة عليها طاعته من دون تذمر حتى بعد أن أصيب بالشلل إثر هروب ابنتهما سلمى مع الرجل الذي أحبته. ‏

أما الأبناء فقصتهم أكثر إيلاماً من قسوة الزوج وإهماله فبعد موت الأب باع «نديم» -الابن- البيت الكبير الذي أورثه إياه الأب وانتقلت إثر ذلك «حياة» لتعيش مع ابنها ثم لا تلبث أن تترك البيت إلى شقة صغيرة بسبب رفض زوجة نديم وجودها في البيت. ‏

وفي هذا البيت الصغير تعيش وحدتها كاملة بلا نقصان بكثير من الحزن والوحشة فالأبناء لا يسألون وتأخذهم مشاغل الحياة أو ربما يتهربون من مسؤولياتهم، تعيش موزعة بين الماضي والحاضر، الماضي الذي منحته كل ما تملك بحب فكانت وفية لزوج لم يكن وفياً لها في أي لحظة ومحبة لأولاد ربتّهم بكل قدرتها على العطاء لكنها لم تقابل منهم إلا بالجفاء والنكران. ‏

داخل البيت ‏

هنا وفي هذا البيت تستجدي «حياة» كل ما يتعلق بالحياة خارجه من أصوات السيارات المارة بالشارع إلى قطة تموء,... إلى تلفون قد يرن خطأ في البيت، فالوحدة قاتلة، هذه الوحدة التي دفعتها الآن لتقف هذه الوقفة مع ذاتها وإن كانت متأخرة لتقرر، إثر مواجهة حادة مع كل ما مر ويمر وفرض ويفرض ظلاله القاسية على حياتها أن تفتح هذا الباب المغلق منذ زمن وتخرج باتجاه حياة أخرى ربما تكون أفضل.. الباب الذي كان عليها أن تخرج منه منذ زمن طويل يوم رفضوا تزويجها ممن تحب، لتترك ذلك السؤال المهم إلى أي درجة تستطيع المرأة في مجتمعنا أن تقول لا لخيارات مفروضة عليها... خيارات قد تخرب حياتها وتحرق أحلامها ؟؟؟؟. ‏

تفوقت الفنانة فيلدا سمور في عملية الانتقال بين الأزمنة وهي تحكي حكاياتها، فكانت تعطي لكل زمن ولكل شخصية روحها عبر نبرة صوتها وحركات يأخذها جسدها وملامح وجهها و انفعالاتها، كانت تستعيد ذاكرتها وتستعيد حياتها عبر نغمة الصوت التي ترتفع وتنخفض فتشحن بالعاطفة تارة أو تفرغ منها حسب مشاعرها تجاه الشخصية التي تتحدث عنها منتقلة بين المخاطب والغائب، فتارة تتحدث وكأن الشخص قبالتها وهي تواجهه كما فعلت حينما وضعت صورة «أبي نديم» على كرسيه المتحرك وأخذت تواجهه وتعنفه كما كانت تتمنى دائماً وتارة أخرى تتحدث عن الأشخاص في أزمانهم الماضية وكأنهم أمسوا كأزمانهم نسياناً يلبس النسيان. ‏

استثمرت المخرجة المسرح بدءاً من الأثاث الذي أدى وظيفته الفنية والروحية كإطارات الصور التي مثلت الأولاد والأب فكانت الممثلة تتجه إلى صورة من الصور بصفتها الشخصية التي تتحدث عنها وكذلك المرآة والألبسة الموزعة على «المانيكان» والتي دلت من خلال العرض أنها كانت تعمل في الخياطة.. إضافة إلى دلالاتها الأخرى التي أدتها فلم يكن في المسرح أثاث إضافي لمجرد الزخرف المكاني المجاني. ‏

كانت (حياة) صورة لامرأة عرفناها أو التقيناها وربما صورة لامرأة مقهورة تعيش داخلنا فجاءت الفنانة فيلدا سمور وفتحت لها باب سجنها الكبير لتخرج....! ‏