2012/07/04

مونودراما وارتجال وإمتاع في «حكايات تفرضها الغربة»
مونودراما وارتجال وإمتاع في «حكايات تفرضها الغربة»


سونيا سفر - بلدنا

يدخل نمر سلمون خشبة المسرح حاملاً بين يديه طفلة بعمر الأشهر، يخاطبها ويحدثها عن حياته، يبوح لها عن آلام الغربة، ثم يتوجه بحديثه إلى الجمهور ليشركه من بداية مسرحيته «حكايات تفرضها الغربة» التي قدمت في دار الأسد للثقافة والفنون، ويسأل عدداً من الجمهور عن ما تعنيه الغربة لهم. ثم يقوم بتوزيع أوراق صفراء كتب عليها الدكتور سلمون حكايات كثيرة تبوح بما في داخل الإنسان من ألم وحب ..

ومن ثم يطلب منهم قراءتها من أماكنهم بطريقة طريفة فيتجاوب الجمهور ويتفاعل مع ماطلبه سلمون منهم، ليعود ويتحدث بعدها عن حكايات دمج فيها السيرة الشخصية مع تجارب الآخرين التي سمع عنها، تاركاً نصه المسرحي المونودرامي مفتوحاً، قابلاً للارتجال بشكل حيوي وتفاعلي مع الجمهور. فكانت أفكار سلمون لافتة كلعبته المسرحية التي لم تخرج عن طابع المونودراما، لكنها خرجت من طابعها الممل والسلبي الذي قد يسيطر عليها أحياناً.

يبدو أن الإمتاع شرط أساسي في عروض نمر سلمون الباحث عن طريقة يجذب فيها الجمهور، محولاً إياه إلى جزء من العرض يشاركه هموم الحكواتي وهموم كل من عاشوا تجربة الغربة، حيث كسر سلمون خلال عرضه نمطية المتلقي الجالس على الكرسي في الصالة مكتفياً بمراقبة العرض مورطاً إياه في الحكاية وجاعلاً من الخشبة والصالة خشبة واحدة، أي واحد فيها قد يأخذ دور الممثل وكأن سلمون يفترض أن كل إنسان يعيش غربة خاصة به، حتى وإن لم يبح بها أو لم يعرف أنه يعيشها.

«حكايات تفرضها الغربة» هي الحكاية الثانية ضمن ثلاثية داريو الأندلسي. فبعد حكايته الأولى من سلسلة داريو «لا تخشى شيئا فالموت إلى جانبك» التي تحدثت عن مخادعة الموت للاختباء منه، تحدث سلمون في «حكايات تفرضها الغربة» عن مرارة أخرى؛ وهي الغربة، حيث تتلخص الحكاية بمقارنة داريو العربي الأصل، الإسباني الجنسيّة، بين نشأته العربية وثقافته الغربية المكتسبة، مبتعداً في مقارنته عن التطور العمراني في بلاد الغربة، مكتفياً بالبحث عن الاختلاف الإنساني بين الغريب والمغترب.

يجوب داريو في حكاية المسرحية العالمين العربي والغربي وكلما شدت الغربة خناقها عليه، عاد إلى وطنه ليشعر أيضاً بغربة الغريب عن أهله وذاته، مبرزاً من خلال التجارب التي عاشها المفارقات التي يخلقها تباين الثقافات بشقيه السلبي والإيجابي. فقد يكون الإنسان غريباً في أي مكان يكون فيه؛ في وطنه، في بلاد الغربة أو حتى غريباً عن نفسه وعن أهله أحياناً، لكنه قادر في الوقت ذاته على التأقلم مع كل جديد بطبيعته مهما صعب عليه الأمر في البداية، كما أنه قادر على تجاوز السيئ في تجاربه.

في الدقائق الأخيرة من العرض، طلب سلمون من شاب وفتاة من الحضور أن يصعدا الخشبة ليحولهما إلى ممثلين يتدربان على أحد المشاهد الذي بدا طريفاً للغاية، إلا أنه في الحقيقة، ومع الوصول إلى نهاية المشهد، اتضح كل الألم والحزن المتضمن فيه، معبراً (سلمون) من خلال المشهد الذي كتبه وقام بأدائه اثنان من الحضور عن ألم الغريب وغربته والمفاجآت المرة التي قد تصادفه، ولم ينس سلمون أن يحول ارتجالاته خلال العرض إلى مواقف غاية في السخرية والطرافة، وكأن نص الغربة التراجيدي هو في الأساس نص كوميديا سوداء بامتياز يجمع الأسى والأمل في الوقت ذاته.

وكأنه يحاول من خلال عروضه أيضاً أن يغير شكل التلقي الحيادي في عروض المونودراما، محولاً الجمهور إلى شريك فاعل في العمل المسرحي بعيداً عن التلقين والإملاء.

استطاع الدكتور نمر سلمون أن يقدم نفسه في نوع مسرحي جديد من خلال مسرح الشارع، وقد أسس نمر سلمون فرقة «مسرح الجمهور الخلاّق» بعد تخرّجه في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق عام 1989، الّتي قدّم من خلالها عدداً كبيراً من الأعمال المسرحية داخل سوريّة وخارجها، وترجع التّسمية إلى إشراكه الجمهور بشكل فعّال في عروضه بحثاً عن تفاعل أمثل بين الخشبة والصّالة. ونال جائزة أفضل إخراج عن عرض «لا تدعوني أشيخ وحيداً» في مهرجان ربيع المسرح في حمّام سوسة- تونس 2006 ، والجائزة الذّهبيّة للإبداع لأفضل برنامج للأطفال في مهرجان القاهرة للإعلام 2007 عن برنامج «قال الرّاوي». من عروضه: «حكايات درويش ودرويشة» (إسبانيا 2001، القاهرة 2003)، و«قصص سوريّة» (إسبانيا 2002)، و«حكايات حرب وقائيّة» (إسبانيا 2003)، و«حكايات داريّو الأندلسيّ: حكايات المفكّر الحمصيّ». (2005 حمص- سوريّة)، وغيرها الكثير. كما قدّم عروضاً للأطفال منها: أفتح عينيّ الصّغيرتين وأمضي، بين الكابوس والحلم، العيد، الحطّاب، الطّريق إلى...، عندما غضبت الأزهار البنفسجيّة».