2012/07/04

ميشيل ويليامز: المنفى هاجس يلاحقني
ميشيل ويليامز: المنفى هاجس يلاحقني


محمد هاني عطوي – دار الخليج

ميشيل ويليامز هي من الممثلات الأمريكيات اللواتي تركن بصمة مهمة في عالم السينما اليوم، علماً أن عمرها لم يتجاوز ال30 عاماً، فقد رشحت لنيل جوائز الأوسكار مرتين: الأولى في عام 2006 كأفضل ممثلة عن فيلم (brokeback mountain)، “بروكباك ماونتين” والثانية في العام الجاري 2011 كأفضل ممثلة عن فيلمها الشهير “بلو فلانتاين” الذين أظهرت فيه براعة فائقة استحقت عليها الترشح للأوسكار . ومن الأفلام الجديدة لويليامز التي تميزت فيها بالأداء الفائق أيضاً فيلم “الطريق الأخير” للمخرجة كيلي ريشارديت . ويقول الناقدون السينمائيون إن هذين الفيلمين اللذين يصنفان ضمن قائمة الأفلام السوداوية، يؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك أن أيقونة مسلسل “داوسون” الشهير قد تغيرت بالفعل، إلى درجة أنها في سن الثلاثين تعطيك الانطباع بأنها عاشت منذ زمن بعيد، وذلك لأنها تعاملت مع كبار السينمائيين أمثال أنج لي في فيلم “بروكباك ماونتين” وكذلك الممثل الراحل هيث ليدجرو مارتان سكروسي في فيلم “شاتر إيلاند”.

قبل أن نكتشفها لاحقاً تجسد مارلين مونرو في فيلم “أسبوعي مع مارلين” للمخرج سيمون كورتيس، يمكننا أن نشاهدها خلال هذا الشهر في فيلمين منفصلين أو مستقلين الأول المذكور آنفاً “بلو فلانتاين” الذي تلعب فيه ويليامز دور ممرضة تنفصل عن زوجها وتعمل على تربية ابنها بمفردها وقد شاركها فيه الممثل ريان غوسلينج بقصة حب عنيفة، والثاني “الطريق الأخير” وهو من النوع (الوسترن الشبحي) على الطريقة الأنثوية للمخرجة كيلي ريشارديت التي أخرجت لها أيضاً فيلماً سوداوياً خفيفاً بعنوان “ويندي آند لويس” .

عن هذا كله كان لمجلة “بروميير” الفرنسية لقاء مطول مع ويليامز هذه مقتطفات منه .

الملاحظ أن الفيلمين “بلو فلانتاين” و”الطريق الأخير” يخرجان في الوقت نفسه تقريباً في صالات العرض لاسيما الفرنسية منها، فهل تفسرين لنا هذا التزامن؟

يتشابه هذان الفيلمان في رقتهما لكنهما يتعارضان في إخراجهما، فالمخرج ديريك سيانفرانس يقوم بمقاربة خانقة في طرح فكرة الفيلم “بلو فلانتاين” في حين أن المخرجة كيلي تستخدم إطاراً للمقاربة أوسع بكثير، بمعنى أنه نجد من ناحية، مجالاً للارتجال، ومن ناحية أخرى، لا نجد هذا الأمر، فتصوير “بلو فلانتاين” كان أقل إنهاكاً من الناحية الجسدية، لكنه منهك من الناحية النفسية، وهذا ما حدث مع فيلم “الطريق الأخير” إلى درجة أنني والممثل ريان غوسلينج، حاولنا التدرب عليه منذ 6 سنوات وكان علينا أن نلعب لحظات سعيدة وأخرى تعيسة للغاية وسوداوية جداً، وهذا منهك من الناحية الفكرية والنفسية . والحقيقة أنه كان لابد لنا من إيجاد التوازن المطلوب للتعبير بمصداقية عن هذه اللحظات المتضاربة، فعشت أنا وريان على مدى شهر كامل في المنزل الذي صورنا فيه الفيلم، وكنا نتعامل مع بعضنا كزوجين حقيقيين، فعلى سبيل المثال كنا نحضر الطعام ونغسل الأواني ونخرج سلة المهملات . . . ولذا فقد استوعبت دوري جيداً وكان الأمر يختلط علي في بعض الأحيان إلى درجة أنني خرجت من شخصيتي الحقيقية وكذلك الحال بالنسبة إليه .

وبالنسبة إليكما هل كان الزوجان في فيلم “بلو فلانتاين” محكوماً عليهما بالانفصال منذ البداية؟

ربما يفاجئك ردي، وأنا أعتقد أنها كانت علاقة غير متكافئة ومحكوماً عليها بالانتهاء، لأننا عندما نشكل زواجاً يحاول كل من الزوجين الهروب من أخطاء الوالدين وكسر مبدأ الحتمية، وأنا أعتقد أن السم القاتل لهذه العلاقة كان انعزالية كل من الزوجين، وهذا ما أحسسناه منذ المشاهد الأولى للفيلم .

يبدو من الظاهر أن فيلم “الطريق الأخير” يشبه فيلم ويسترن والبحث عن الغرب، كما يبدو أن المخرجة كيلي ريشارديت قد اخترعت أسطورة حول رقة وهشاشة العلاقات الإنسانية من خلال هذا الفيلم، فما رأيك؟

هذا صحيح، فهذا الفيلم هو من النوع (الويسترن المزيف) حيث الصحراء هي بمنزلة البوتقة التي تروي المسار الحزين والمؤسف للخيالات المفتقدة، وكما نلاحظ لا توجد بداية ولا نهاية . والحقيقة أن الويسترن لا يعجبني كثيراً ولو كان علي أن أعطيك مثالاً لكان “جوني غيتار” لنيكولاس راي عام 1955 .

وعلى أي حال ليس هذا النوع من الأفلام الذي يحفزني ولكن الشخص الذي يقف وراء الكاميرا هو الذي ينال اهتمامي، ولذا سأسير وراء كيلي ريشارديت أينما ذهبت سواء أكان فيلماً كوميدياً أو حتى فيلم رعب .

هل المخرجة ريشارديت هي الوحيدة التي صورت معها فيلمين؟

لقد اكتشفت عالمها من خلال فيلم (old Joy) أو “جوي القديمة” في عام 2007 حيث لفت نظري بشدة طريقة سرد الموضوع والإدارة المتقنة للممثلين، كما أن الطريقة التي أدارت بها فيلم (will oldham) أثارت حولها الكثير من الإعجاب والنقد الإيجابي، والمعروف عن كيلي أنها تقول: “لا يمكننا وضع كلمات في أماكن لا يمكن تفسيرها” . وأعتقد أن طريقة عملها في الإخراج السينمائي تستند إلى الاقتراح والكلام الضمني أي الذي لا يحتاج إلى أن يقال، بل يفهم من النظرة الأولى . والواقع أن كيلي تستطيع فهم لغز العلاقات الإنسانية بشكل دقيق لم أره من قبل، وكنت دائماً شغوفة لمقابلتها كي أعرف كيف استطاعت أن تقدم هذا النوع من السينما في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنذ فيلم “ويندي ولويس” الذي صورناه منذ 4 سنوات ونصف السنة، أصبحنا صديقين، وأنا أعلم أنها أرادت أن تطيل زمن التعاون سوياً عندما جاءت إلى بروكلين لتقدم لي النسخة الأولى من سيناريو فيلم “الطريق الأخير”، وأقول بصدق لم أكن أتوقع منها ذلك .

ولكن كيف تعملان سوياً على أرض الواقع؟

كيلي بحاجة إلى توصيل مفهومها ومرجعياتها بالعمل وكذلك معرفتها وحساسيتها وهذا ما يناسبني فعلاً، كما أنها لا تضيع وجهتها في العمل فالهدف بالنسبة إليها أمر ضروري كي يكتمل العمل على أحسن وجه، ولا تحاول الارتجال وتحافظ على مبدئها وراديكاليتها في العمل حتى النهاية . ويمكن للبعض أن يتصور أنها تكبل المممثلين وتحبسهم داخل سجن من صنعها، ولكن على العكس تماماً، فهي تمنحنا الحرية المطلقة من خلال تحديد سقف معين للعمل وأداء الدور، وذلك يتطلب من الممثل التركيز والشجاعة لأن ظروف التصوير ليست دائماً متماشية مع هذا الممثل أو ذاك . وبالنسبة إلى فيلم “الطريق الأخير”، لقد كنا في وسط الصحراء وكانت الحرارة قاتلة، حيث كنت أرتدي ثوباً قطنياً سميكاً والجزء الوحيد من جسدي الذي لم يكن مغطى هي يداي فقط، وبالفعل شعرت للحظة بأنني سأترك نصف جسدي في الصحراء، ولكن مع الوقت بدأت الأمور تسير على ما يرام لأنني تعودت على الجو وطبيعة المكان وكأنني أعيش فيه منذ فترة طويلة .

هل تشعرين بأنك معنية بالموضوعين الرئيسين في فيلم “الطريق الأخير” اللذين يطرحان مسألة تحرر المرأة وضرورة الهروب من أجل العيش؟

المنفى، موضوع يخصني تماماً هاجس يلاحقني، فعندما كنت في الخامسة عشرة من العمر، تركت منزلي لأنني كنت أرغب في التحكم بحياتي بنفسي، ولقد عشت وحيدة في لوس أنجلوس سنة بعيداً عن عائلتي التي كانت تقطن في سان ديجبو، ولقد سكنت في شقق بائسة مقيتة وعرفت مقت الانتظار والفوضى والنسيان، وعندما قررت العمل في السينما أيام مسلسل “داوسن جريك” كان يتوجب علي الانتظار عامين كي أحصل على دوري الأول في السينما .

هل يمكن القول إنه يوجد ما قبل وما بعد كيلي ريشارديت في تاريخك السينمائي الحديث؟

نعم وبكل تأكيد، فلقد حدث انفصال حقيقي، فقبل “ويندي ولويس” كنت أحس بالضياع والإهمال وفقدت لذة اللعبة في السينما، لكن كيلي جلبت لي النفس الجديد الذي كنت بحاجة إليه بالفعل، ولذا أنا ممتنة لها جداً . أما بعد هذا التعاون، فيمكنني أن أفهم تماماً السبب الذي يجعل الكثيرين لا يوافقون على راديكالية كيلي في العمل السينمائي، والحق أنني غير قادرة على تفسير الكيفية التي يتوجب علينا استقبال أفلامها لأنها تجربة شخصية حميمة، ومن ناحيتي أحترم وأقدر المخرجين الذين يطرحون أسئلة من دون إجابات .

يلاحظ أنك بدأت تتوجهين إلى السينما المستقلة فهل هذا خيار؟

أنا لست ممن لديهم مهنة في هذا المجال منذ مدة طويلة، فعندما أستلم سيناريو معيناً أعمل بحدسي، وعندما أقبل دوراً لا أضع سوى شرطين: أن أبقى قريبة من ابنتي ولا أفارقها لفترة طويلة، وأن أكون متأكدة من أنني لن أندم في ما بعد مما أقوم به، والواقع أنني كنت أحب دائماً السينما المستقلة، فعند نهاية مرحلة المراهقة، كنت أستقل سيارتي خلال تصوير مشهدين من مسلسل “داوسن جريك” لأذهب إلى فيلم “فوريوم” في نيويورك لأشاهد الأفلام المستقلة أو الأوروبية ثم أعود في اليوم التالي لأكمل تصوير المسلسل، وكنت فخورة جداً عندما علمت أن فيلم “ويندي ولويس” و”الطريق الأخير” يعرضان هناك، اليوم لم يعد لدي الوقت كي أكون متطفلة وأعرف هذا وذاك، لذا أكثر من النوم أثناء التصوير وهذا أمر لا أحبه كثيراً وألوم نفسي عليه .

خضت تجربة التصوير والإخراج مع سارة بولي في فيلم (take this walz) مع الممثل سيث روجين فهل تجذبك فكرة الوقوف وراء الكاميرا كمخرجة؟

الحق أنني لا أمتلك شجاعة سارة ولا قوة طبعها وشخصيتها فعندما أمثل لا يمكنني التركيز على شيء آخر، ففي فيلم “أسبوعي مع مارلين” الذي أجسد فيه مارلين مونرو، حاولت أن أعمل شيئاً مختلفاً وسترى ذلك، وهذا يكفيني لأنني استخدمت فكري ودماغي بالكامل .

هل أنت فخورة بالتطور الذي حققته منذ مسلسل “أوشي جريك”؟

لم أتوقف عن العمل بالمسلسل منذ مدة طويلة فلقد كان عمري 22 سنة عندما بدأت التمثيل فيه، وقلبت الصفحة علماً أنني لن أنسى فضله في تحقيق شهرتي وتعليمي شيئين أساسيين: الثقة بالنفس وعدم الخوف من الكاميرا أبداً.