2012/07/04

	نحو إعلام سوري عصري يرتفع فيه سقفان سقف الحرية وسقف الأجور فهل يتم الرفع ؟!
نحو إعلام سوري عصري يرتفع فيه سقفان سقف الحرية وسقف الأجور فهل يتم الرفع ؟!

محمد أمين - الوطن

الإعلام السوري حديث الساعة، وهو بلاشك حديث ذو شجون، شجون ليست وليدة الساعة بل هي نتيجة تراكمات عقود كانت تحتاج إلى أزمة حقيقية كالتي نمر بها حتى تظهر كلها على السطح.

«إنه إعلام طارد للمواهب» قال أحد الإعلاميين المعروفين على شاشة الفضائية السورية منذ أيام: «إعلام لم يرتق إلى مقام سورية الكبير»، كما رأى أستاذ جامعي قضى شطراً من عمره في التلفزيون السوري معداً ومقدم برامج ومديراً «كوادره غير مؤهلة وغير مدربة» كما ترى أستاذة جامعية في قسم للإعلام بجامعة دمشق تحول مؤخراً إلى كلية.

وآخر يطالب بقانون عصري للإعلام ويرفع صوته داعياً إلى مزيد من الحرية للإعلام والإعلاميين فالنظم والعقليات والأجهزة الرقابية تكبله.

إذاً مسألة إصلاح الإعلام السوري باتت مسألة ملحة ولا تحتمل الانتظار وربما تأخرنا في ذلك كما رأى الإعلامي المعروف الذي أكد أن صوته قد بُحّ على مدى سنوات وهو يطالب بذلك.

لا ريب في أن عدداً غير قليل من الصحفيين السوريين قد اشتعلت رؤوسهم شيباً أو هي في طريقها إلى ذلك وهي تنتظر هذه اللحظة؛ لحظة البدء بالإصلاح وكأني بهم يريدون من ذلك تعزية أنفسهم فقد شعروا متأخرين أن الأمر لم يكن يتطلب حرق سنوات في الدراسة والتحصيل والتأهيل والاجتهاد، وأن رأسماله القليل من المعلومات والكثير الكثير من الخبث والفهلوة ومعرفة أسهل الطرق للوصول إلى كتف الإعلام.

ولغاية الإصلاح شُكِّلت مؤخراً لجنة مهمتها وضع قانون عصري للإعلام السوري يضع الأمور في نصابها الصحيح بحيث يغدو الصحفي مسؤولاً أمام القضاء ولا شيء سواه، ولكن أغلب الصحفيين السوريين قد توقفوا مطولاً عند بعض الأسماء التي ضمتها هذه اللجنة وخاصة أولئك الذين سبق أن أسندت إليهم مهام تنفيذية في الحقل الإعلامي السوري وقد خرجوا كما دخلوا صفر اليدين فلم يقدموا ولم يؤخروا، حيث قاموا بترحيل المشاكل التي كانت تعترضهم واكتفوا بمراقبة الجمود وإبقاء الحال كما هو عليه ومن ثم فإن فاقد الشيء لا يعطيه فالمجرَّب لا يجرب لأن في ذلك مغامرة كبرى قد لا تساعد في زحزحة الإعلام السوري عن مواقعه الحالية.

إن من لم يستطع أن يفعل شيئاً أو لم تكن لديه النية والكفاءة لذلك عندما كان القلم بيده وكان القرار قراره فإنه غير قادر على الجلوس على طاولة الأفكار التي تسعى إلى إصلاح ما أفسده هو.

إن الحقل الإعلامي السوري يمتلك الكثير من المواهب المعطلة لأسباب كانت وراء حشر هذا الإعلام في زوايا ضيقة لا تسر أحداً. مواهب لديها الكثير لكي تقدمه في مجال الإصلاح الذي يجب أن يطول بنية وجوهر هذا الإعلام الذي عانى فترة تكلس وترهل طويلة وتراجع مهني وإداري جعل القاعدة استثناءً والاستثناء قاعدة.

لم نفعل طوال سنوات إلا إعادة انتشار للمديرين بين فينة وأخرى، غير آبهين بما يحصل من تطور مذهل فاق كل تصور في الإعلام العالمي «نأكل الرز مع الملائكة» نراكم أخطاءنا وتقصيرنا خطأ فوق خطأ وتقصيراً فوق تقصير تاركين عشرات الخريجين الشباب دون اهتمام ودون تأهيل حقيقي ودون العمل على توفير فرص عمل لهم حتى وصلوا إلى حدود الكفر بالمهنة والساعة التي اختاروا فيها هذا الطريق، وقد ابتلينا باتحاد للصحفيين لا هم له إلا الحصول على الاشتراكات وتقسيم منتسبيه إلى ثلاث شرائح ولا يعترف إلا بالعاملين في الإعلام الرسمي مساوياً في ذلك بين الإداري والمحرر وبين الموظف والإعلامي! لم يفكر مطلقاً في التحرك باتجاهات أخرى تصب لمصلحة خدمة المهنة وخدمة أولادها. لم يحاول أن ينتفض على حالة ألفها وشب عليها من اللامبالاة تجاه الإعلام والإعلاميين وكل إنجازاته راتب تقاعدي متواضع وخدمات أخرى لا تقل تواضعاً ومن ثم انعدمت الثقة بينه وبين الصحفيين السوريين وربما آن الأوان للبدء في إصلاح هذا الاتحاد بحيث يأتي مجلس منتخب يكون مسؤولاً أمام هؤلاء الصحفيين، ويكون رؤوماً بهم خادماً وحاضناً لحقوقهم.

ظل الإعلام السوري فترة طويلة يسير على قدم واحدة وهذا أوان القرارات التي بقدر ما تؤلم بقدر ما تسرِّع في الشفاء والإصلاح. لم يعد مقبولاً أن تبقى مساحة التلفزيون السوري على سبيل المثال لا أكثر، خالية من معدين ومحاورين حقيقيين متخصصين يستطيعون مجاراة المحاورين في القنوات العربية الأخرى والتي ما زالت تحبو إذا ما قورنت تجربتها مع تجربة هذا التلفزيون الذي يعتبر ثالث تلفزيون عربي من حيث التأسيس. آن الأوان لكي يرتاح البعض وخاصة تلك الوجوه التي ما زالت تعمل بمنطق إعلام مرحلة الحرب الباردة وكأن العالم لم يتغير من حولهم. وآن الأوان لإفساح المجال أمام المواهب الشابة صاحبة الكفاءة العالية القادرة على دفع مركب الإعلام السوري للاتجاه الصحيح.

إن الإعلام السوري يحتاج كما يجمع كل العاملين فيه إلى رفع سقفين: سقف الحرية لكي يتحول من مرآة للحكومة إلى مرآة للوطن كل الوطن، وسقف الأجور لكي لا يضطر الصحفي السوري إلى تشتيت جهوده واستنزاف أدواته في أكثر من مكان وفي اختصاصات إعلامية مختلفة لكي يستطيع مواجهة تكاليف الحياة الصعبة حيث من النادر أن تجد صحفياً سورياً يكرس جهوده وموهبته لوسيلة إعلامية واحدة يشعر بالانتماء لها والأمان الحقيقي فيها ليعطيها بقدر ما تعطيه وأكثر.

نخلص إلى القول إن الإعلام السوري سواء الرسمي منه أم الخاص يحتاج إلى قوانين عصرية وآليات جديدة جوهرها أن لا فضل لصحفي على آخر إلا بالموهبة والإبداع وإلا فإنما قاله الجميع عن إصلاح هذا المفصل المهم وما طرحوه من أفكار ورؤى وخطط يبقى في إطار الأماني ليس أكثر.