2012/07/04

نهلة السوسو:المستمع اليوم.. نجم الإذاعة الأول
نهلة السوسو:المستمع اليوم.. نجم الإذاعة الأول

لبنى شاكر- تشرين دراما

من الصحافة إلى الإذاعة إعداداً وتقديماً، هكذا رافقنا صوتها طيلة 35 عاما حتى باتت تلك البحة والرصانة في الأداء

والتعبير سمة تميزها

تستعرض الإعلامية نهلة السوسو بداياتها في الإذاعة السورية بفرح رغم الصعوبات التي رافقتها عبر الكثير من البرامج

والأعمال، ولا مبرر لذلك سوى حبها وامتنانها لإذاعة دمشق التي أعطت لها ولغيرها من زملاء المهنة كما تقول وجها

معنويا مقبولا، ولا نبالغ إذا قلنا محبوبا عند الناس. ‏

وهي لا تتمنى شيئا اليوم بقدر ما تتمنى أن يمتلك الزملاء الجدد الشغف والرغبة في العمل التي امتلكها الرعيل

الأول، لاسيما أن الإعلام مهنة جذابة جدا وفيها ككل مهن الدنيا المتمكن والطفيلي. ‏

عن حياتها ومسيرتها في الكتابة والإذاعة كان هذا اللقاء. ‏

بدأت كاتبة، فكيف كان الانتقال ثم الاستمرارية في الإذاعة؟

•• حلمي الأول كان الصحافة المكتوبة لكن لم يكن لدينا كلية للصحافة، في السبعينيات افتُتح فرع في الجامعة بعنوان

إجازة عامة في الآداب، وقيل لنا سنحضّر من هذا الفرع صحفيين وخريجي مكتبات وآثار، لكن لم تسعفهم الإمكانات

فلم يستطيعوا توفير أساتذة لهذا الفرع بالتالي تخرجنا وبإمكاننا مزاولة أي عمل عدا التدريس، وأذكر من أبناء دفعتنا

الزميل مروان صواف، والزميلة عفراء ميهوب، وبمحض المصادفة أعلن عن مسابقة مذيعين سنة 1974 فتقدمت وفي

ذهني أن أحول حلمي الأول إلى شكل إذاعي من صحافة مكتوبة إلى منطوقة. على الهامش كنت أكتب، والكتابة

ليس لها تبرير، أو بحث عن السبب، كنت أكتب في الصحافة فنشرت في الصفحات الثقافية في جريدة الثورة، تشرين

والبعث. ‏

لاحقا في 1987 أصدرت أول مجموعة قصصية للأطفال من وزارة الثقافة بعنوان (ست زهرات بيضاء)، ثم أصدرت من

اتحاد الكتاب العرب مجموعة بعنوان (سوار داليا) و(طقوس موت وهمي)، وأصدرت كذلك من مركز الحضارة العربية في

القاهرة مجموعة قصصية بعنوان (قمر أخضر)، ومن دار الأولى للنشر( غوايات الريح والحجر)، وبقيت أكتب للصحف

العربية إضافة إلى عملي في الإذاعة، ويمكن القول: إن مجمل الأعمال التي قدمتها في مسيرتي المهنية كانت

تعنى بالثقافة. ‏

•• استفدت من كليهما، وأذكر أن أول برنامج متواصل قدمته كان (مع القصة العربية القصيرة)، وكنت أقدمه مع الأستاذ

نصر الدين البحرة، ضمن ما كان يسمى المجلة الثقافية وكانت تحوي صفحات متنوعة كالأدب الأجنبي والشعر

والصحافة العربية. ‏

فيما بعد قدمت برنامجا بعنوان (قراءة في أدب الأطفال) حيث كنت أتناول كل إصدارات الأطفال العربية والأجنبية

المترجمة المتداولة بين أيدي القراء، وأعمل لها دراسة سريعة في عشر دقائق، ومنذ 1986 قدمت برنامجا أسبوعيا

لم ينقطع وهو (شخصيات روائية)، حيث أقرأ الرواية وأقدم تعريفاً سريعاً للكاتب، ثم أصنع منها سيناريو تمثيلياً، يقدم

في الإذاعة لمدة 45 دقيقة، توالى عليه مخرجون عمالقة وعاديون لكنه ما زال مستمرا حتى اليوم، وقد تجاوز عدد

حلقاته 1200 حلقة. مما قدمته أيضا (كتاب الأسبوع) حيث أقدم مطالعة لكتاب مع ضيف مثقف. ‏

لاحقا كتبت مسلسلات درامية طويلة للإذاعة، منها سيرة حياة الكاتب مراد السباعي حيث حولنا مذكراته التي كتبها

إلى مسلسل، وكذلك رواية يوسف المحمود (مفترق المطر) وفيها من سيرته الذاتية الكثير، وقد نال هذا المسلسل

جائزة الإبداع الذهبية في الإعداد في القاهرة. ‏

قدمت أيضا روايات عالمية منها (أهواك يا أمي) لوليام سارويان، و(رفاق ثلاثة) لهيريك ماريا ريمارك وهو كاتب ألماني.

وكنا ننقد الشيء الإنساني في هذه الروايات. وقدمت أيضا (أساطير كازاخية). ‏

في هذه الأثناء وبلا توقف كان لديك برامج حوارية.... ‏

•• نعم، وأعتقد أن هذا يتمركز تماما في برنامج (لقاء على الهواء) الذي بدأ في 1986 وما زال مستمرا حتى اليوم، كان

يشارك فيه الدكتور صفوح الأخرس، وهو أستاذ كبير في علم الاجتماع، حيث كنا نتلقى الهواتف أسبوعيا دون تصفية أو

رقابة بحيث نتحاور مع المستمع ونسلط الضوء على مشاكله. والجدير ذكره والتركيز عليه انه كان لإذاعة دمشق ريادة

أولى في الإعلام العربي في ابتكار الإعلام النفسي حيث ساهمت في نشر الوعي بما يتعلق بالطب النفسي

بالتالي تقبل زيارة الطبيب النفسي. وبعد غياب الدكتور الأخرس يشاركنا الدكتور مطاع بركات، وهو أستاذ كبير أيضا

استطاع أن يترك أثرا كبيرا لدى المستمعين، وقد يسأل البعض لم تستضيف الزاوية المرورية أكثر من ضابط مختص،

وكذلك الصحية أكثر من طبيب في حين تكتفي الزاوية الثقافية بضيف واحد، والسبب هو ضرورة أن تكون لديه علوم

نظرية ووسيلة لإيصال تلك العلوم والمعارف إلى الناس البسطاء غير المتخصصين بعلم النفس. ‏

هل استطاعت الإذاعة أن تواكب المتغيرات في حياة الناس، واختلاف اهتماماتهم وهمومهم منذ نشأتها حتى اليوم؟ ‏

•• لطالما قلت إن الإذاعة ضرورة، لا سيما أن هناك كتلة هائلة من الجمهور خارج التغطية التلفزيونية (في السيارة،

وأماكن العمل أحيانا وغيرها)، لو لم تكن الإذاعة مهمة برغم سطوة الفضائيات، لما تم تحميلها على أجهزة الموبايل،

ولما كانت محطة كالجزيرة التي تقدم إعلاما محترفا ومتمكنا لتحمل محطتها على موجة متوسطة. إضافة إلى أن

الإذاعة لم تفقد دورها فهي خففت الخطاب الأكاديمي الثقيل، وبدأت تتبنى مشاكل الشارع بحيث لم تعد متمركزة

في برج عاجي، وبات النجم الإذاعي هو المستمع عبر فتح مساحات هائلة من الهواتف للتواصل وطرح المشاكل

والقضايا الخدمية فلا يمكن استقطاب مستمع معاصر يشاهد الأخبار في المحطات العالمية إلا من خلال طرح قضايا

تهمه ربما تتعلق بحفرة في الشارع أو ازدحام في مكان ما، والإذاعة حققت كل ذلك. ‏

كيف ترين فكرة التخصص في العمل الإذاعي؟ ‏

•• فكرة التخصص مطلوبة، ولذلك أسباب فحين يتوفر مذيع متألق جدا في الإعلام العالمي, حسب رأي الإدارة، ونسب

الاستماع والمشاهدة، يؤخذ بكل نجاحه ويوضع في محطة فضائية مشاهدة لكن الوضع مختلف لدينا. هذا التوزع

والتمزق بين مختلف الأعمال سببه الأجور القليلة، وعدم وجود وعي لأهمية الفكرة الأولى، فالإعلام مهنة جذابة جدا

وفيها ككل مهن الدنيا المتمكن والطفيلي. وما يحدث أن الغالبية العظمى تتدرب كيفيا بطاقاتها الذاتية وإن كانوا اليوم

يحاولون تطوير أنفسهم وتحسين أدائهم عبر الدورات التدريبية, لكن التخصص مطلوب وهو يضمن عدم ضياع الطاقات

هكذا. ‏

هل هذا ما دفعك للاستمرارية في العمل الإذاعي دونا عن غيره من مجالات الإعلام الأخرى؟ ‏

•• هو ميل، وقد ساعدتني الإدارة للاستمرارية بهذا الاتجاه. ‏

ألم تفكري بالانتقال إلى إذاعة أخرى، خاصة ربما؟ ‏

•• أبدا، في البداية لم يكن لدينا إذاعات متعددة، كانت هناك الإذاعة الرسمية البرنامج العام، لاحقا ظهرت صوت ا

لشعب لتغطي الشأن الداخلي، ثم ظهرت صوت الشباب بعد أن كثرت إذاعات الـFM ,

ومع أن الدولة تبنتها لكنها أهم إذاعة FM لدينا. ‏

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فمع أنني موظفة ضمن قطاع إعلامي عام، لكنني لم أشعر يوما بالحاجة لترك هذه

الإذاعة حتى إنني وقعت سابقا عقداً مع إذاعة قطر لكنني لم أذهب إلى تلك الإذاعة. ‏

لكن ألم تظهر إغراءات أخرى بمرور الزمن؟ ‏

•• نعم، لكن أنت هنا تحصلين على شيء لا يمكن أن يوفره لك مكان آخر، وهو الشيء المعنوي، وكنت أقول دائما (أنا

موظفة عند المستمع، وليس عند أي أحد آخر). وما يهمني هو كيفية تواصلي مع المستمعين، ويجب أن نعترف بأن

الإذاعة صنعت لنا وجهاً معنوياً مقبولاً عند الناس بشكل كبير في مختلف الأماكن، بالتالي هذا منعكس قدمته لنا

الإذاعة. ‏

برأيك ما هي المصاعب التي تواجه إذاعة دمشق اليوم بعد 64 عاما؟ ‏

•• سأقول بكل صدق خاصة أنني تقاعدت وليس عندي غايات مما سأقوله لكن هناك إدارات كلما تجددت تحاول إنعاش

الإذاعة وتلبية متطلباتها والعناية بكوادرها، فهي ليست منسية ولا يمكن القول إن التلفزيون يلقى اهتماما أكبر حتى

إن الاجتماعات والمتابعات للأداء والمضامين لا تتوقف. والجدير قوله: إن الإذاعة أمر مفروغ منه لذلك قد يهملها بعض

الصفحات الثقافية مع انه يجب الاهتمام بها ومناقشة ما تقدمه. ‏

ماذا عن الإذاعات الخاصة، هل أثرت على حجم المتابعة لإذاعة دمشق؟ ‏

•• لا أتصور ذلك، ففي كل وقت هناك اتصالات، وهي لا تتوقف حتى الثالثة ليلا في برنامج (صوت السهارى)، وكذلك

في فترة الظهيرة والصباح، والتقنيات الحديثة تساعد الإذاعة ولا تعوقها. في حين أن تلك الإذاعات تجارية تهتم بالإعلانات والأغاني والبرامج الخفيفة، وأذكر أن أحد الزملاء من إذاعات الـ FM

استضافني على الهواء مباشرة، وبقينا لمدة ساعتين ولم يتلق أي اتصال. ‏

كيف تقيمين المذيع الناجح، والآخر الأقل درجة؟ ‏

•• المذيع الناجح يستطيع أن يثبت نفسه مباشرة، وهذا يأخذ فرصا أكثر ويُعتمد عليه، في حين يمضي آخرون سنوات

طويلة في العمل الإذاعي ثم يذهبون، والنتيجة واحدة كأنهم لم يكونوا أصلا. وهؤلاء تُعطى لهم البرامج كفرض واجب،

وتكون بسيطة تناسباً مع وضعهم. ‏

قدمت كل البرامج التي قمت بإعدادها لكن ماذا لو طلب منك تقديم برنامج لمعد آخر؟ ‏

•• لا مشكلة عندي فنحن كالسمك نسبح في مياه واحدة. وما يهمني هو المادة والمستمع. ‏

خلال سنوات من العمل، هل كانت العائلة عبئا عليك في يوم ما؟ ‏

•• العبء الأكبر كان عدم وجود الدعم من المنزل، وكان عندي 4 أولاد صغار لكنني كنت أشعر أنني إذا انتظرتهم

ليكبروا ويريحوني فسيكون قد فات الأوان. وبالطبع العمل والاهتمام بالأطفال بحاجة لطاقة عصبية وجسدية ونفسية

والكثير من قلة النوم، وقد اختفى النشاط الاجتماعي من حياتي لعقود من الزمن، وفقدت الكثير من الأشياء لكنني لم

أخسر أي شيء مهم بالنسبة لي. ‏

إذاً, تستطيع الإعلامية أن توفق بين الأسرة والعمل؟ ‏

•• نعم تستطيع، في إحدى المرات استضافني أحد الزملاء في محطة أجنبية، وسألني: هل لديك خادمة، وحين

أجبته بالنفي استغرب. لكن بالتأكيد الأولوية للعمل. ‏

برأيك هل لعبت دورا في اتجاه أحد أبنائك (السيناريست غسان زكريا) للكتابة فيما بعد؟ ‏

•• نعم، فالأطفال كانوا يلعبون بالألعاب التقليدية التي نعرفها جميعا لكننا كنا نلعب لعبة اسمها السلة، حيث يملأ كل

واحد منا سلته بأوراق عليها أسماء مدن وشخصيات وروايات ومعلومات، ونتبع أسلوب القراءة المتبادلة أو التعليم غير

المفروض بحيث نقرأ ونتناقش. واليوم يتنازع أولادي بعد أن أصبح لديهم أولاد على مكتبتهم القديمة، ولم يخطر في

بالي ذلك الوقت أن أحضر أربع نسخ من كل قصة أو كتاب. ‏

وأذكر أن غسان كان يقرأ ويحاول، ويتابع أفلاماً سينمائية، وقد اكتشف شقيقه مروان موهبة الكتابة لديه متأخراً بعد أن

درس هندسة معمارية ولم يتابع ثم درس إدارة أعمال و لم يستمر أيضا. لكن سمة القراءة المستديمة برزت عند

الأخوين الكبيرين أكثر، نحن في المناسبات نتبادل الكتب كهدايا، ونتسابق على معارض الكتب حتى إن الهواتف

المشتركة بيننا قد تتناول أسئلة ونقاشات عن كتّاب وروايات أستفيد منها في عملي. ‏

ما زال العطاء مستمرا فما الذي تتمناه الإعلامية نهلة السوسو اليوم؟

•• ما أتمناه أن يمتلك زملاؤنا الجدد الشغف الذي كان لدينا للعمل، وأرى أنهم يبذلون جهدهم. ورغم أنني تقاعدت إلا

أن الإدارة لم تشعرني بذلك بل زاد عملي، وأستطيع اليوم أن أفيد الزملاء ليس فقط على صعيد الإعداد بل فيما يتعلق

بالتدريب والإشراف أيضا