2012/07/04

هدى سلطان وأمل عرفة... وما بينهما؟
هدى سلطان وأمل عرفة... وما بينهما؟


عمر محمد جمعة – البعث


لعلّ المطربة وردة الجزائرية التي رحلت قبل أيام معدودة تعدّ من النماذج المثالية التي جمعت بين الغناء الأصيل والدراما وخاصة في مسلسلها “أوراق الورد” الذي قاسمها بطولته الفنان عمر الحريري، وكانت قبله قد قدّمت سينمائياًً العديد من الأفلام منها: "ألمظ وعبدو الحامولي" مع عادل مأمون، ومع رشدي أباظة "أميرة العرب" و"حكايتي مع الزمان"، وكذلك "صوت الحب" مع حسن يوسف، غير أن وردة التي بدأت مطربة ظلّت منحازة انحيازاً مطلقاً إلى الغناء فضائها الرحب الذي تجسّد فيه كل إبداعها، ما يفسّر تقديمها مسلسلاً وحيداً طوال مسيرتها الفنية وتجربتها التي امتدت على حوالى نصف قرن من الزمان.

لقد شكّل توظيف الأغنية في الدراما، وتحديداً في المسلسل التلفزيوني، هاجساً لكثير من الكتّاب والمخرجين السوريين والعرب، ففي سورية قدّم المخرجان خلدون المالح وفيصل الياسري ومن خلال أعمال الثنائي الخالد "دريد لحام ونهاد قلعي" أسماء غنائية كثيرة، نذكر منها: فهد بلان، وطروب، ودياب مشهور، وموفق بهجت، ودريد عواضة، وسمير حلمي.. وسواهم.. وكذا الأمر في الدراما المصرية.

على أن هذا الاتجاه انحسر في السنوات الأخيرة ليخضع لمدّ وجزر، مردّه أولاً وأخيراً قدرة المطربة أو المطرب على تقمّص روح الشخصية التي يؤديها، واعتماد المخرجين على وجوه لا هي نجحت في الغناء ولا هي نجحت في التمثيل، فيما بقي جواز مرورها إلى شاشاتنا فقط جمال وتعرٍ مجاني وابتذال مقيت، والأسماء اليوم أكثر من أن تحصى!!.. إذ إن ما تصفعنا به الفضائيات العربية كافٍ، حتى ماعاد يختلف عليه اثنان لشدة رداءته ومجونيته، بل وقباحته!!.

وعلى الرغم من هذه الصورة الملتبسة، ظل هناك ما يذكّرك بأغنية ودراما الزمن الجميل، والتي استمرت جاهدة -وعبر تجارب متميّزة- لتثبيت هذا الركن الإبداعي الأساسي في نجاح أي عمل درامي.

ففي الدراما السورية، نستطيع أن نقف باحترام عند تجربة الفنانة المتألّقة أمل عرفة التي استطاعت أن تجمع بين هذين الفنين وفي غير عمل، نذكر منها فضة في مسلسل "خان الحرير" ومثلت فيه دور راقصة ومطربة بدوية. وعشتار/ نيرمين في مسلسل "عشتار"، حيث بعثت عرفة في الشخصيات التي أدّتها روح التحدي، فكان للممثلة ما للممثلة، وللمطربة مالها. مدركين أن الغناء مختلف تماماً عن التمثيل والعكس صحيح. فيما المفاجئ أن أمل عرفة المطربة والممثلة هي التي كتبت مسلسل "عشتار" الذي عرض لحياة فتاة في سن المراهقة، يصبح اسمها لعنة عليها وبسببه يتمّ طلاق والديها، فتأخذها عمتها إلى بيروت، حيث تُدخلها عالم الفن من خلال صوتها، وهنا تقدّم أمل عرفة تلك الشخصية الصعبة والمركبة في آن، إضافة إلى مجموعة من أجمل أغانيها.

لقد ساهم وعي أمل عرفة بتجربتها وحالة التوازن التي خلقتها بين الفنين، في تكريسها كإحدى أهم النجمات السوريات التي جمعت بين التمثيل والغناء والاستعراض، وهي المعروفة بأنها ابنة أسرة فنية عمادها الأول الموسيقار المبدع سهيل عرفة، وقد اعترفت في أحد حواراتها أن مسيرتها الغنائية تأثرت على حساب التمثيل لأن الغناء مشروع قائم بحدّ ذاته، مؤكدة أنه سيبقى وجعاً داخلياً وأنها تتوق لمشروع استعراضي ضخم ينفذ على المسرح.

ولعلنا لا نبالغ إذا شبّهنا تجربتها غناءً وتمثيلاً بالفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان التي خاضت مشواراً فنياً حافلاً بالتمثيل والغناء، وكان المعارض ومن ثم المشجّع الأول لها شقيقها الأكبر الموسيقار الشهير محمد فوزي. فقد بدأت الغناء -كحال أمل عرفة- منذ صغرها حيث كانت تمتلك صوتاً جميلاً ناعماً ودافئاً قادراً على أداء ألوان مختلفة من الغناء. وأصرّت على احتراف الغناء وتقدّمت لاختبار لجنة اختيار المطربين بالإذاعة عام 1949 ونجحت فيه فاعتمدتها الإذاعة المصرية كمطربة ولفتت إليها الأنظار، فلحن لها عمالقة الموسيقى أمثال رياض السنباطي وزكريا أحمد وغنّت أغنيات منها: "إن كنت ناسي، عمري ما دقت الحب، ويا ضاربين الودع، والله أكبر". إضافة إلى أغنيتها الشهيرة "توت توت" في مسلسل "لا يا ابنتي العزيزة" التي شاركها في أدائها الفنان عبد المنعم مدبولي.

اعتمدت هدى سلطان في الغناء على صوت قويّ وقوة ممزوجة بإحساسها الطبيعي، ساعدها في ذلك امتلاكها لمميزات بنت البلد ذات الجمال والصوت النابض، كما استطاعت في التمثيل أيضاً تجسيد شخصيات مختلفة أثبتت أن بإمكانها توظيف قواها الداخلية للعب أدوار معقّدة وصعبة في آن واحد. إذ قدمت في السينما: "امرأة على الطريق" مع رشدي أباظة، إلى جانب أفلام "السكرية" عن رواية نجيب محفوظ، و"جعلوني مجرماً" للمخرج عاطف سالم، وفي التلفزيون: زينب والعرش، وأرابيسك، وزيزينيا، والليل وآخره، والوتد، وليالي الحلمية، ورد قلبي، وزي القمر.. وغيرها.

إن هذه المقاربة بين تجربتي النجمة أمل عرفة والفنانة الراحلة هدى سلطان في مجالي الغناء والتمثيل، تنزع إلى التأكيد على أن توظيف الغناء في الدراما ممكن جداً، ويقدّم للعمل الفني قيمة جمالية مضافة، فيما لو راعى شروط الصوت الجميل والمقدرة على إتقان الشخصية.. بعيداً عن غواية استثمار اسم غنائي لإنجاح عمل درامي، أو زج وجه جميل في أتون الدراما الملتهب الذي سيحرق حتماً من لاموهبة حقيقية لديه.