2012/07/04

هل يدرك صناع الدراما أهميتها (الكوميديا ضرورة اجتماعية)
هل يدرك صناع الدراما أهميتها (الكوميديا ضرورة اجتماعية)

هيثم حسين- تشرين دراما

في ظلّ تعقّد ظروف الحياة، وانشغال الناس عن بعضهم بعضاً، وعن أنفسهم أيضاً في كثير من الأحيان، ينشأ نوع من

الاغتراب عن الذات والمحيط الاجتماعيّ. لذلك فإنّ الدراما، باعتبارها الفنّ الذي يدخل البيوت دون استئذان، يغيّر فيها

بسلاسة وهدوء، يحفر مساربه وشعابه الخاصّة برويّة ودون إحداث أي شروخ أو ضجيج، فإنّها تكون مطالَبة

بالمساهمة في تبديد هذه المصاعب الحياتيّة التي يفترضها تغيّر أنماط العيش والعمل

ثمّ يكون الجانب الهامّ، والذي يكمن في إمكانيّة لعب الدراما دوراً رئيساً في تبديد الوحشة التي تغرق الإنسان في

العالم المعاصر، وكيف يمكن للدراما، وهي التي تنطلق من الحياة وتعيد إنتاجها لتستعرضها من زوايا مختلفة، تعرض

التداخلات والتشعّبات والمآسي وتعالجها بطرقها الفنّيّة، بحيث تكون مرآة دقيقة أمينة للوقائع والأحداث والمحاور التي

تستهدف التطرّق إليها، أن تساهم في إنعاش المشاهد، لا عبر إنسائه واقعه، بل عبر إمكانيّة تحويل تلك الصعوبات

والعوائق والأحزان والوقائع المؤلمة إلى ابتسامات ومواضيع كوميديّة، يفيد منها المشاهد ويستمتع بها، ويجد فيها

بعض العزاء ربّما.. إذ لا يعود يشعر بوحدته وعزلته القاهرة، وسكونه المظنون، في بحر دينامكيّة الواقع المودية

بالساكنين والمنعزلين والمقهورين. يشعر مع الضحكات التي تنتَزع منه في البداية أنّه يساير، كأنّ ضحكاته اعترافات

خطيرة ما كان ينبغي له أن يبوح بها كي لا تنكشف سريرته، ثمّ لا يلبث أن يعيش البسمة من داخله، ويعثر في

نفسه على الكثير من مكامن البهجة، وإمكانيّة الضحك والابتسام، تعيده تلك المواقف البريئة - المصوّرة ببراعة وبراءة -

إلى ذاته، تعيد ترتيب علاقته الداخليّة التي تنعكس على علاقاته الخارجيّة، فلا يكتفي بالابتسامات المطّاطيّة التي

تُوجِبها آليّات العمل وظروف الواقع، بل يسعد سعادة حقيقيّة حين يعود إلى تصالحه الداخليّ ومقدرته على الضحك

من القلب إلى حدّ الكركرة أحياناً

يلاحظ المشاهد انحساراً في الأعمال الكوميديّة، حيث الصعوبات التي تحيط النصّ الكوميديّ تكاد تضاعف الصعوبات

التي تكتنف أيّ نصّ آخر، لأنّ الكوميديا تعدّ من أخطر المحاور التي يمكن خوضها، بحسب إجماع العاملين في حقول

الدراما، لما تنطوي عليه العملية من بساطة معقّدة في الوقت نفسه. لذلك فإنّ الكوميديا قد تغدو مقتلاً لمَن لا يقنع

فيها، والإقناع هنا يختلف عن أيّ إقناع آخر، هنا لا يجدي أيّ قناع، بل لابدّ من تفانٍ غير محدود، لأنّ الخيط الفاصل

الواصل بين التهريج والكوميديا يكاد يكون غير مرئيّ إلاّ للمبدعين الذين يتقنون السير بين حقول الألغام، لابتعاث

البهجة من سباتها، وتحرير القلوب من الضغوط الكثيرة. ‏

لا يخفى الدور الهامّ الذي قامت به الدراما لخلق البسمة، فقد تمّ إنتاج العديد من الأعمال الكوميديّة التي قاربت

المجتمع، وسعت إلى أن تكون مرآة بهجة للمشاهد، ووسيلة مساعدة «للتحايل» على صعوبة الوقائع المعيشة. وقد

التقت معظم الأعمال على المعالجة الباسمة الدامعة، على الرغم من التقسيمات الكثيرة للأعمال الكوميديّة، سواء

تلك التي كانت تنهل من بؤس الواقع كبعض أعمال الفنّان أيمن زيدان «يوميات مدير عام، بطل من هذا الزمان»، أو بعض

الحلقات الممتعة من «مرايا» لياسر العظمة، أو حلقات لافتة تخلّلت «بقعة ضوء»، أو العمل الأكثر شهرة، والذي أعاد

إلى الكوميديا بهجتها وسحرها «ضيعة ضايعة»، برغم ما يمكن أن يقال عن العمل، لكنّه يظلّ العمل الأكثر تأثيراً وبعثاً

على الابتسام، دون أن نغفل المرامي والمقاصد الفكرية التي نهض عليها وعالجها في تطرّقه الكوميديّ المقارب لها.

وقد حاول «أبو جانتي» مقاربة عالم الكوميديا، لكنّه، وإن حظي بمتابعة جماهيريّة، فإنّه ظلّ بعيداً عن المنافسة

الكوميديّة. ‏

الموسم الدراميّ المقبل مبشّر يدعو للتفاؤل، فهناك تحضير واستعداد لعدد من الأعمال الكوميديّة، ولفنّانين يثق

المشاهد بتجربتهم وطريقة انتقائهم لأعمالهم ونوعيّتها، منها الجزء الثاني من «يوميات مدير عام» لأيمن زيدان مع

نخبة من الفنّانين، وكذلك «الخربة» للمخرج الليث حجّو والكاتب ممدوح حمادة، بمشاركة نخبة من المبدعين منهم

دريد لحام، نضال سيجري، ورشيد عساف.. وغيرهم. ‏

وحيث أنّ بعض الأعمال المرتقبة قائم على أساس جزء سابق ناجح، وبعضها الآخر على أساس أعمال ناجحة لفريق

العمل، لكن يبقى الرابط فيما بينها، نجاحها في التحليق بالجمهور في عوالم البهجة والابتسامة، بعيداً عن المداورة

والتحايل والتدليس. لأنّ الواقع مفعَم بالبؤر الكوميديّة المضحكة التي يمكن استقاء العبر إلى جانب الابتسامات منها،

كما يمكن أن تشكّل تلك الحكايات والمواقف محطّات للاستراحة الإجباريّة والابتسامة الحقيقيّة دون حاجة إلى مداهنة

أو مسايرة. ‏

تزداد الحاجة إلى الكوميديا إلحاحاً يوماً بيوم، لما يمكن أن تنهض به من وظائف تكاد تفوق قدرات مؤسّسات برمّتها،

لأنّها تنسلّ إلى القلب وتغافل المرء بإسعاده وإمتاعه، فضلاً عن إفادته. وليس من الإنصاف القول إنّ في الضحك أو

الابتسام ما قد يسيء إلى صاحبه، أو إنّ في النكتة إيحاءات وإشارات ينبغي كبتها وتشذيبها، لأنّ الأمور تقاس بمنظار

مختلف، بحيث يمكن أن يستقَى منها ما يجدي. ‏

ولا غرابة أن تفنّنت بعض الفضائيّات العربيّة بعرض برامج لرواية النكات، وبرغم تخطّيها لبعض الخطوط الحمر، إلاّ أنّها

تحاول إرضاء بعض النزعات، بحيث تجاهد لخلق البسمة وبعث البهجة في القلب. كما لا يمكن التغافل عن الدور

الرئيس الذي لعبته النكتة في ميدان التحرير في القاهرة لتثبيت الثوّار وتقوية عزائمهم، بحيث غدت النكتة سلاحاً

فعّالاً، تكفّلت بالالتفاف على القمع والظلم والفقر، حوّلت الدموع والمظالم إلى ابتسامات منتزعة رغماً عن المشاهد

الذي أغرقته الشاشات بالأخبار البائسة المتداخلة الواردة من عدّة أمكنة. ‏

الثابت أنه كلّما ازداد الواقع قتامة، ازدادت الحاجة إلى الابتسامة. والأكثر ثباتاً أنّ البسمة كانت إحدى أبرز وسائل

المقاومة والصمود. وستبقى ‏ كذلك