2013/05/29

هــل ينــأى بعض فنـــانينــا بــأنفسـهم عـن أي مـوقف وطنـي سياسي؟
هــل ينــأى بعض فنـــانينــا بــأنفسـهم عـن أي مـوقف وطنـي سياسي؟


عــدنـــان حـــبال – البعث


يخشى بعض فنانينا الدراميين كُتّاباً ومخرجين وممثلين التعبير سواء في إبداعاتهم أو في إطلالاتهم الفنية عن مواقفهم الوطنية أو الفكرية السياسية أو تجسيد آرائهم المجتمعية والتنويرية. وذلك للأسف نزولاً عند رغبة الرقابة العربية وأصحاب فضائياتها. وهي رقابة تخلط بين الموقف الوطني والقومي الذي يتخذه الفنان ورأيه السياسي. والدليل على ذلك هو رفض أو إهمال معظم المحطات الفضائية الناطقة بالعربية عرض مسلسلات سورية وطنية أو تنويرية مثل "إخوة التراب" و"زقاق المايلة" و"الخوالي" و"البركان" و"أيام شامية" و"أنا القدس" و"التغريبة الفلسطينية" ومسرحيات دريد لحام ونهاد قلعي وكذلك معظم لوحات "مرايا" ياسر العظمة...

> إن هذه المحطات تروّج للأعمال السورية الفارغة من أي مضمون سياسي أو وطني مثل "باب الحارة" و"بقعة ضوء" و"أشواك ناعمة" و"صبايا" و"أيام الولدنة" فتكرر عرض هذه المسلسلات مع أخرى مسيئة إلى سورية وشعبها وتاريخها الحضاري، بحجة أنها تنأى بنفسها عن الخوض في السياسة. وأن العمل الدرامي فن ليس له هدف جاد في المحصلة غير التسلية والضحك والترفيه عن النفس وأنه بعيد عن أهداف الإصلاح الاجتماعي أو التحرر السياسي والتنوير، كما يقول بعض كتابنا ومخرجينا الكبار الذين ينأون بأنفسهم عما يسمونه التدخل في السياسة بل ويمنعون أمثالي من تناولها في أعمالهم.

إن المقولات السياسية في الفن والأدب موجودة منذ القدم في المسرح والسينما والموسيقى وفنون الرسم والنحت. وقيمتها تنبع من كونها محصلة كفاح يومي يخوضه الفنان الكاتب ويدافع فيه عن موقف وطني–إنساني يؤمن به ويتبناه ويعبر عنه بكل ما يملكه من موهبة وعمل جاد شاق، كي يقدم فيه نفسه للناس في مجتمعه إنساناً بعمق إنسانيته ويشدّ عقولهم وقلوبهم معاً إلى المشاركة الفعالة في بناء حياتهم وتطويرها وإسعادها. أما السياسة باللغة العربية فهي رعاية شؤون الناس بالحسنى من غير إكراه أو نفاق أو تزوير. ولعل الفنون بأنواعها تمثل أفضل أنواع هذه الرعاية، والتي قال فيها نبينا محمد (ص): "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". ومن هنا تتولد المسؤولية السياسية التي يحملها كل مواطن تجاه وطنه، ولاسيما إذا كان أديباً أو فناناً أو كان يعمل في الإدارة الاجتماعية أو في الصحافة والاقتصاد بأشكاله كافة.

يقول شاعر ألمانيا الكبير فريدريك شيللر: "يستحيل عن طريق التأمل المجرد في الفن والأدب، أن يتوصل الفنان إلى أي عمل ذي قيمة في وطنه. إن الفن ليس غلافاً يلوّن السياسة. وإن القيمة الفنية الجمالية ليست زخرفة للفكر السياسي الإصلاحي، بل يتداخل كلاهما في نسيج تكويني متماسك من البداية حتى النهاية".

وهذا يعني أن الرابطة الوثيقة بين الفن والسياسة رابطة عضوية وجذرية يمكننا أن نكتشفها في فلسفة الإغريق والعرب وفي شعرهم ومن أساطير الفرس والصين والهند، وما أكثر الذين عملوا في السياسة وكانوا شعراء وفنانين وأدباء كبار، نذكر منهم في سورية فارس الخوري وعمر أبو ريشة وخليل مردم بك ونزار قباني ومحمد الماغوط وسعد الله ونوس وسليمان العيسى وأدونيس. ومن العرب أبو القاسم الشابي ومحمود درويش. كما نذكر من أجدادنا ابن خلدون وأبا العلاء المعري والمتنبي والشريف الرضي والإمام الشافعي وكذلك عمر الخيام...

ومن فنانينا المعاصرين دريد لحام وصباح فخري. وعادل إمام ورغدة وفاتح المدرس ووليد إخلاصي وحنا مينة ومحمود جبر وهاني الروماني وصباح عبيد.

نحن نؤكد أن الفن بجميع أجناسه لا يحتل مكانه الـمهم الفعال في حياة البشر ما لم يتصف العمل الفني باتخاذه موقفاً سياسياً واضحاً وجريئاً، وما لم يكن صوتاً حراً تنويرياً ناطقاً باسم أغلبية المواطنين وجميع طبقاتهم. وإن فنانينا ومثقفينا مطالبون وخاصة في هذه المرحلة العصيبة التي يعيشها وطننا بألا يختبئوا خلف أصابعهم وألا يبتعدوا أو يترددوا في التعبير عن مواقفهم الوطنية أو كما يسمونها السياسية.

لأن السؤال ماذا؟ لا ينفصل عن السؤال كيف؟ أي أن مسائل الشكل والأسلوب الفني الخلاّق تبقى نفسها مسائل الموقف الحياتي والفكري. وليس لأنه عمل جميل فقط يتجاوز العمل الفني الدرامي أو الشعري أو التشكيلي أو الموسيقي مبدعه ويصل إلى الناس ليساعدهم في محنتهم، بل لأنه قد استطاع أن يصنع لنفسه تأثيراً نفسياً واجتماعياً سياسياً فعالاً في نفوسهم وداعماً لصمودهم ومقاومتهم ضد أي عدوان خارجي يهدد مستقبل وطنهم وأبنائهم بأخطار الاستعمار الجديد في الغرب وزبانيته في الشرق.

إن محاولة فصل الفن والأدب عن السياسة محاولة ساذجة وكاذبة لأن قراءنا ومشاهدينا سوف لن يتلقوا أعمالنا الفنية إلا بالاستخفاف والازدراء والملل، فيا أيها الكتّاب والفنانون كفوا عن تكرار أنفسكم في أعمال عاطفية مهترئة من حيث مضامينها وأشكالها، لأن جمهوركم يبحث اليوم عن الفائدة والمساعدة في حل مشكلاته التي أسهم بعضكم خلال العقود الماضية في تأليفها وإخراجها وتمثيلها حتى تراكمت وسببت لمجتمعاتنا الكثير من البلادة والسلبية والفساد.

حتى أصابت نفوس البعض منكم أيضاً بوعكات يمكن أن تشفى بسرعة مثل الهروب أو النأي بالنفس عن المقاومة والمواجهة وتفضيل المكاسب الآنية الذليلة على الوفاء للوطن والانتماء للشعب وحريته وكرامته، ونرجو لهؤلاء المصابين الشفاء العاجل والعودة للوطن الأم سورية للمساهمة في إعادة بنائها وحماية تراثها الوطني الثقافي والفني من التدمير الذي خطط له الأعداء و المستعمرون الجدد وأزلامهم المرتزقة المخدوعون.