2012/07/04

هي فوضى
هي فوضى


مارلين سلوم – دار الخليج


في زمن الفوضى تتساقط أوراق وأسماء ويختلط الحابل بالنابل وينتهز البعض الفرصة ليقفزوا إلى الواجهة وليحصدوا الغلة . وفي زمن الثورات تعم الفوضى كل مناحي الحياة وتتبدل الأماكن ويكثر “الفصحاء النجباء” الذين يطلقون العنان لأفكارهم ومقترحاتهم، فتشعر أن الكل يفهم في كل شيء إلا أنت الجالس خلف الشاشة تتفرج من دون أن تفهم، وتشعر للحظة بأنك أمام سيرك إعلامي وسياسي وفني، لكن المشهد مؤسف وحزين .

الإعلاميون يتنقلون بين القنوات وفق ميولهم السياسية أو يتصيدون العروض المغرية في هذا الوقت الذي يشهد فيه الإعلام “تكاثراً” غريباً، وهذه الحركة غير جديدة أو مستغربة . لكن الغرباء واسمحوا لنا أن نطلق عليهم اسم “الدخلاء” على البرامج والتقديم، فهم الفنانون الذين لم يعد الغناء أو التمثيل مناهم وأقصى طموحاتهم، بل ها هم يتدفقون على القنوات وخصوصاً المصرية لتقديم البرامج، ومثلهم يفعل السياسيون والمحامون الذين فتحت الثورة أمامهم أبواب الإعلام ليتخذوها منصة يطلقون من فوقها العنان “لمرافعاتهم” وأفكارهم .

ميرفت أمين ودلال عبد العزيز تقدمان برنامجاً، أليس الأمر غريباً وحتى بعيداً عن الخيال والمنطق ولا نفهم مبرراته؟ أمثالهما كثر في قائمة طويلة مليئة بشخصيات تطل لأول مرة على عالم البرامج .

ماذا يقول هؤلاء وما الجديد الذي يقدمونه؟ كلام في كلام، ولو استغنيت عن أحدهم واستبدلته بآخر لن تلاحظ الفرق، وإذا شئت أيضاً أن تلغي البرنامج من أساسه ستكتشف أنه يتبخر بين يوم وليلة من دون أن يترك أي صدى أو يهز الإعلام والجمهور . والمصيبة أن منهم من يحسب نفسه نجماً في أي مجال عمل فيه وبأي صورة أطل بها على الناس، وأن نجوميته الفنية جواز سفر يسمح له اختراق كل المجالات والوقوف أمام كل الكاميرات بأريحية وثقة كاملة . هل هو “بيزنس” الإعلام الحديث أم هي فوضى؟

* * *

لماذا انعكست هذه الفوضى بعد الثورة سلباً على السينما فأفرزت أفلاماً هابطة وتافهة ويستحيل أن يذكرها التاريخ في سجل أهم الأفلام المصرية مهما سجلت من إيرادات وحققت من أرباح، بينما ارتقت بالدراما التلفزيونية إلى مستوى الحدث وقدمت أعمالاً مشرفة وتعتبر محطة مهمة في تاريخ الدراما ونقلة نحو مفهوم جديد في الكتابة والإخراج والنجومية؟

السينما هذا الصيف لم تجن ثمار الثورة، بل جنت عليها من خلال الأفكار الساذجة و”الافيهات” السخيفة التي حاول من خلالها البعض استغلال الحدث لجذب الناس وكسب رضاهم، كما فعل محمد سعد في “تك تك بوم” . أما الآخرون فلم يقدموا ما هو أفضل، حيث فشل “الفاجومي” في التقرب من الثورة وأحداثها بشكل فني عال، علماً أنه كان الأوفر حظاً في هذا الموسم لأنه يتناول سيرة أبرز الشعراء الثوار في مصر أحمد فؤاد نجم، ويأتي في عز ثورة الشارع والشباب، ولو أنه حيك بشكل جيد وأكثر عمقاً لاعتُبر أفضل فيلم يؤرخ هذه المرحلة من عمر الوطن والتي امتدت منذ سنوات وتواصلت إلى يومنا هذا لتشهد ولادة الدولة الجديدة التي كان ينشدها الفاجومي .

يقولون إن مشكلة السينما هذا الصيف كانت في غياب أشهر النجوم ليحتل مكانهم نجوم الصف الثاني، لكن المتأمل لما حدث في رمضان يفهم أنها ليست مسألة أسماء ونجوم، إنما مسألة كتابة وإنتاج وإخراج، أو بالمعنى الأصح مسألة فكر وثقافة التي تحولت في السينما إلى تجارة “انتهازية” . فالدراما هذا العام أثبتت أن نجوم الصف الثاني والشباب الجدد يملكون من الإبداع ما يليق بالفن وبالجمهور وبالزمن المتقدم الذي نعيش فيه، حيث لم يعد للغباء أو “الاستغباء” مكان . لكن يبدو أن أهل الفن السابع ما زالوا منفصلين عن الشارع ويأخذون السينما إلى اتجاهات أخرى لا تمت للواقع بصلة، فبدت وحيدة تغرد خارج السرب، لا تهمها قضية ولا واقع ولا أحوال اجتماعية ومعيشية . صناعها سائرون في خط الاستهلاك المربح وهيهات لو فكر أحدهم في تغميس حبر قلمه في “شوية وطنية” ليكتب حكاية من نبض شارعه وبيته، حكاية أهله وجيرانه الساكنين في أي مكان إلا “شارع الهرم” .

لم يخطر على بال أحد أن تواصل السينما المصرية رحلتها نحو الهبوط السريع والعاجل لتختار في هذا الوقت بالتحديد أن تقدم فيلماً عن “شارع الهرم”، والمصيبة أن القصة لا تتناول أي حدث جديد ولا رواية حقيقية أو مأساة وأفراح نماذج من الناس يعيشون في هذه المنطقة في الزمن المعاصر، بل تجتر حكاية الطبال الذي يحب راقصة أجبرتها ظروفها على امتهان الرقص في شارع الهرم .

أحمد السبكي راهن على الغناء الشعبي لسعد الصغير والرقص “الإيحائي” لدينا، وعلى خلو الساحة من أي عمل ذات قيمة ليسرق اللقمة من فم السبع، وكسب الرهان ليس بسبب حب الناس لهذه النوعية من الأفلام، بل بسبب تراجع الآخرين الذين فضلوا الابتعاد والتريث قبل تقديم أي فيلم ذي قيمة . فتنافس “شارع الهرم” مع “تك تك بوم” و”أنا بضيع يا وديع” و”يا أنا يا هو” . ولن نذكر “بيبو وبشير” لأنه من نوعية أفضل لكنه لم يمتلك مواصفات النجاح الكافية لجذب الجمهور . هل هناك من مزيد كي نضمه إلى قائمة الانحطاط التي حلت دفعة واحدة على السينما في زمن الفوضى؟

* * *

لن نكون سلبيين في حديثنا عن أهل الفن السابع، لأننا نعرف أن البعض يتمهل وهو محق قبل أن يقدم أعمالاً تليق بالثورة وأهلها، لكن المطلوب أفلاماً تحاكي الفكر المعاصر وليست بالضرورة تؤرخ للمرحلة الراهنة، كما تفعل مثلاً نادين لبكي التي تبحث عن مواضيع اجتماعية مهمة وساخنة تطرحها في أفلام متواضعة الإنتاج لكنها عالية الجودة والقيمة، وها هي تقتحم السينما العالمية مجدداً مع فيلم “وهلأ لوين؟” . ولنكن واقعيين، نقول إن حال السينما الهوليوودية ليست دائماً جيدة، والدليل أن من ذهب إلى صالات الإمارات ما بين الأسبوعين الماضي والحالي، لاحظ أن من أصل أفيش 11 فيلماً، هناك 7 أفلام أبطالها يحملون السلاح ويقتلون أو يقاتلون، وفيلم رعب وآخر موسيقي شبابي، وحصة الأطفال من المجموعة فيلمان واحد أمريكي والثاني عربي “يتيم” وهو “عائلة ميكي” . فإذا كان الغرب يغسل أدمغتنا بالعنف والحروب الوهمية والتحريض، هل نواجههم بالتسخيف والتطبيل والتك تك بوم؟

هي فوضى ونتمنى أن تزول سريعاً .