2012/07/04

وثائقي بريطاني «ينبش» خبايا وثائق «ويكيليكس»
وثائقي بريطاني «ينبش» خبايا وثائق «ويكيليكس»


محمد موسى – دار الحياة

الآن، وبعد ان خفتت تقريباً الضجة التي أحاطت نشر وثائق الخارجية الاميركية على موقع «ويكيليكس» في الثامن والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2010، بدأت تظهر تباشير أولى البرامج التلفزيونية التي تتضمن مقاربة اسلوبية مختلفة لمحتويات تلك الوثائق، عن تلك التي هيمنت على الصحف ومواقع الانترنيت الإخبارية، والتغطيات التلفزيونية العابرة في الاسابيع والاشهر التي تلت نشر الوثائق الاول. فهناك، بعد، الكثير الذي يمكن الحديث عنه في ربع المليون وثيقة التي تبادلها ديبلوماسيون اميركيون حول العالم مع إداراتهم في الولايات المتحدة الاميركية.

وهذا بالضبط ما يفعله برنامج ««ويكيليكس»: الحياة السرية لقوى عظمى» والذي يعرض الآن على القناة الثانية لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي). فهو يقوم بانتقاء وثائق من التي نشرت، ثم يعود الى ردود الافعال الأميركية الرسمية على الحوادث التي ترد في تلك الوثائق، ويقارنها بما تم تبادله سراً بين اميركيين وحكومتهم، والذي عبّر عن وجهات النظر الاميركية الحقيقية تجاه تلك القضايا.

كما يقوم البرنامج بالتنقل شرقاً وغرباً، ليقابل من يوافق على الحديث للبرنامج، من مسؤولين سابقين، وأفراد عاديين، دخل بعضهم ولأسباب مختلفة مجاهل سجلات الحكومة الاميركية الرسمية.

من الشكّ الى التخوين

تكشف الحلقة الثانية من البرنامج الشكوك وسوء النية الذي يصل الى التخوين، الذي يهمين على علاقات الولايات المتحدة بمنافسيها الدوليين، وبخاصة روسيا والصين. فبينما كانت تلك العلاقات في السنوات الخمس الاخيرة (وبخاصة مع روسيا) تبدو للعالم الخارجي وكأنها في أفضل حالتها، تصف عشرات الوثائق السرية الآتية من ديبلوماسيين اميركيين في روسيا، بأن روسيا تهمين عليها المؤسسة المخابراتية الامنية، وأنها توشك على احتلال دول من التي كانت تمثل جزءاً من الاتحاد السوفياتي السباق، ما «قد يمهد لحرب عالمية ثالثة».

هذا فيما يبين الجزء الخاص بعلاقة اميركا بالصين، ضعف القوى العظمى امام الدولة الآسيوية الكبيرة. فالوثائق تنقل محاولات لإرضاء الحكومة الصينية، حتى بتقديم تنازلات على حساب قضايا تشتهر الولايات المتحدة الاميركية بالدفاع عنها. وهكذا نجد البرنامج التسجيلي يجري مقابلة عبر الانترنيت مع ناشطة صينية، قابلت مسؤولي السفارة الاميركية قبل سنوات من اجل إقناعهم بالتوسّط لدى الحكومة الصينية لاطلاق زوجها المحتجز. هذه السيدة التي قالت انها لمست تعاطفاً من السفارة الاميركية وقتها، تم التحذير من التدخل في أمرها لدى حكومتها، في احدى الوثائق التي ارسلت الى وزارة الخارجية الاميركية.

لا يكتفي البرنامج التسجيلي البريطاني بالعودة الى الوثائق، بل انه يحلل الظروف التاريخية التي احاطت بالأحداث الكامنة خلف الوثائق. ما يوصلنا احياناً الى خلاصات تقول ان المسؤولين الاميركيين الذين قاموا بكتابتها، لم يكونوا على دراية كاملة بالقضايا التي تواجههم. فمثلاً يقوم البرنامج بمقابلة مسؤول روسي سابق، قام بمقابلة عميلة اميركية سرية قبل اعوام من اجل إطلاعها على شأن روسي حكومي، لكنها ووفق زعمه، لم تفهم ربع ما قاله، ثم عادت لتكتب قصة مختلفة في تقريرها الى مسؤوليها (كما تبيّن من الوثيقة التي نشرت في «ويكيليكس»).

تقارير «شغل برّة»

ولأنها لا تملك سفارة في ايران ومنذ الثورة الايرانية عام 1979، تتوزع التقارير الرسمية الاميركية التي تخصّ ايران على كل قارات العالم، ويكشف بعضها عن تردد اميركا الكبير في الدخول في حرب جديدة في المنطقة، بعد ما مرت به في حرب العراق، على رغم الضغوط التي تتعرض لها الادارة الاميركية من دول عدة وبخاصة من اسرائيل لخوض تلك الحرب.

وعلى رغم الضائقة التي يمر بها موقع «ويكيليكس» (بسبب الحصار المالي الاميركي على موارد دخله، وأزمات مؤسسه أسانج المستمرة مع القضاء في دول عدة)، والشكوك في قدرته على إحداث آثار كبيرة، كالزلازل التي هز بها الاعلام العالمي في الاعوام الاخيرة، الا إن الأثر الذي تركه سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة مقبلة، سواء بكشفه خفايا سياسات دول عظمى كالولايات المتحدة الاميركية، وعلاقته بالإعلام ذاته، بتحوله مصدراً لهذا الاعلام بتوفيره عشرات الآلالف من الوثائق، والتي لا يزال الكثير منها يضم تفاصيل تنتظر الاكتشاف وتسليط الانتباه.