2012/07/04

وديع الصافي أصالة المواقف ونقاء المبادئ
وديع الصافي أصالة المواقف ونقاء المبادئ


جوان جان - البعث

عادةً ما يوصف أبناء الجيل القديم من الفنانين العرب بالأصالة، ارتباطاً بما قدّموه من أعمال فنية خالدة، كانت على الدوام ملازمة للتفاصيل اليومية من حياة المواطن العربي في بيته ومكان عمله وجامعته.. وأصالة الجيل القديم من الفنانين تجلّت في كمّ الأعمال المتميزة التي قدموها، والتي بقيت على مدى السنوات رمزاً للفن النظيف البعيد عن الابتذال والقادر باستمرار على نيل إعجاب الناس وتقديرهم، لذلك كان من النادر في العقود الماضية حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي، أن يخرج فنانونا العرب بعمل فني متواضع وغير مدروس بدقة وعناية، لذلك ارتبطت أسماء أبناء ذاك الجيل بباقة منتخبة من الأعمال الفنية الراقية التي سلبت في فترة من الفترات من الناس عقولهم، وسيطرت على أفئدتهم كلمةً ولحناً وأداء.

وبطبيعة الحال لم يكن مفهوم الأصالة مرتبطاً فقط بالحالة الفنية الإبداعية، بل ارتبط أيضاً وبشكل موازٍ بأصالة الموقف والسلوك، وهذا الأمر تجلّى مؤخراً بالمواقف التي اتخذها الفنان اللبناني العريق وديع الصافي، في مؤتمر صحفي عقده في نقابة الصحافة اللبنانية تجاه سورية التي لم تكن يوماً إلا الموئل الذي احتضن الفنانين اللبنانيين في أكثر الفترات قسوة في حياة الشعب اللبناني، فترة الحرب الأهلية الممتدة من عام 1975 والمنتهية في عام 1990، هذه التصريحات لقيت صدى إيجابياً لدى الشارع السوري الذي وجد فيها ترجمة حقيقية للعلاقة الحميمة التي تربط وديع الصافي بالسوريين، مثلما وجد فيها انعكاساً لمدى صدقية مفهوم الأصالة الذي ميّز مسيرة الفنان الصافي الطويلة في عالم الفن والإبداع العربي.

لا يمكن للجمهور السوري أن ينسى الروائع التي غناها وديع الصافي لسورية، والتي تأتي في المقدمة منها رائعة "يا ابني بلادك قلبك عطيها" التي ارتبطت بحرب تشرين الأول 1973، كما لا يمكن له أن ينسى دويتو "بلدي الشام" الذي أداه مع المطربة المعتزلة فاتن حناوي (ولا نعلم بالضبط لماذا تتناساه وسائل إعلامنا، علماً بأننا بحاجة إليه اليوم أكثر من أي يوم مضى)، وأغنية "حبيبة قلبي سلاماً" التي أهداها لمدينة دمشق تعبيراً منه عن مدى الحب الذي يكنّه لهذه المدينة التي احتضنته فناناً متألقاً على مسارحها وفي استوديوهات تلفزيونها وخلف مايكروفونات إذاعتها، مثلما احتضنته في أحد مشافيها قبل حوالي ثلاث سنوات.

وديع الصافي ليس بحاجة اليوم لأن يبرر عدم معرفته بالمواقف التي أطلقها سين أو عين من الفنانين، لأنه أكبر من أن يلتفت إلى العظيم من الأشياء فكيف الصغير منها؟!.

وديع الصافي بمواقفه الأخيرة تجاه سورية، أثبت أن الفن مهما عظم شأنه لا يمكن أن ينفصل عن المبادئ، فإن انفصل عنها كانت نهايته المحتومة، وانصرف الناس عنه، لا تقليلاً من شأنه، بل تعبيراً عن موقف وجداني عميق.