2012/07/04

يحجبون التكنولوجيا بحصارهم.. فنحصد الجوائز بأفلامنا
يحجبون التكنولوجيا بحصارهم.. فنحصد الجوائز بأفلامنا


فؤاد مسعد – الثورة

محاولة الآخر فرملة طموحك الإبداعي والجمالي والفني والثقافي .. يعكس ما يحمله هذا الآخر في داخله من خوف تجاه ما تذخر به ثقافتك من مقومات حضارية ضاربة في عمق التاريخ حتى الجذور ،

وربما من هذا المنطلق وبحجج مختلفة فرضت من ضمن ما فرض على سورية من عقوبات وحصار، عقوبات طالت مجال التعبير عن الرأي ، هذا الرأي الذي يحاول الآخر الدفاع عنه في مطالبته بحرية إبدائه ولكنه بالوقت ذاته يحاول خنق هذا الرأي في مهده عبر قوانين عقوباته التي فرضها على التكنولوجيا التي يمكن من خلالها التعبير وإيصال الرأي . ومن تلك التكنولوجيا ما يرتبط بالصناعة السينمائية ، هذه الصناعة التي صدرت القوانين والمراسيم المختلفة سعياً إلى بلورتها وتطويرها فشُجِّع القطاع الخاص لتحديث الصالات ولإنتاج الأفلام ، ودُعِمت مؤسسة السينما لإنتاج عدد أكبر من الأفلام ، كما تم استيراد أجهزة متطورة بغية النهوض بها صناعة وطنية ثقافة حضارية استطاعت أن تنال الاحترام من خلال ما قدمت وحصدت الجوائز الهامة ،‏

ولكن أتت قوانين الحظر التي فُرِضت على سورية لتحاول عرقلة هذه المسيرة، فهل عرقلتها حقاً ؟ ما مصير الأجهزة المتطورة التي سبق وأستوردناها؟ كيف نصنع أفلامنا بمعزل عنها ؟ وهل تؤثر العقوبات على السوية الفنية لما يُقدم من أفلام ؟ وما الحلول والبدائل التي وجدناها لتبقى عجلة الإنتاج السينمائي دائرة دون توقف والتي وصلت في المؤسسة العامة للسينما إلى خمسة أفلام هذا العام ؟.. تساؤلات لا بدّ من طرحها بعد أن كشفت الديمقراطية الغربية عن حقيقتها وبأنها لا ترى إلا من منظور مصالحها ، فاليوم باتت حتى الثقافة واحدة من الأسلحة التي تُستخدم في المعارك ، لا بل تشكّل عنصراً من عناصر الضغط الذي يُمارس على المبدعين .. عبر السطور التالية نتلمس بعضاً من إجابة :‏


أخلاقيات وبدائل‏

الأفلام التي يتم تصويرها بات أمامها رحلة شاقة لإجراء العمليات الفنية لها من نفخ ومكساج وصوت .. والمفارقة أننا نضطر لإنجاز هذه العمليات على الفيلم في الخارج بينما الآلات موجودة عندنا !.. هذا ما أكده الناقد محمد الأحمد مدير عام المؤسسة العامة للسينما الذي رأى أن لدينا اليوم أهم وأعظم أجهزة للصوت في العالم ، ولكن لا بد في كل فيلم يُنجز أن تتم مخاطبة الشركة لتقدم (الكود) الذي من خلاله نهيئ مسألة الصوت ، ولكن نتيجة المقاطعة لانزود بهذا (الكود) .. يقول (الأجهزة تم شراؤها قبل المقاطعة وبعد أن رُكِّبت في معاملنا وأصبحت جاهزة حدثت المقاطعة ، فحُجب عنا تشغيلها) ويتابع (الصوت الدولبي مرتبط بشركة معينة وأي فيلم في العالم على صناعه مخاطبة الشركة لتنجز الدولبي للصوت وهي شيفرة وإن أنجزته دون هذه الشيفرة تظهر مشكلات في الصوت ، وهذه الشيفرة محجوبة عنا ، وبالتالي نضطر أن ننجز هذه العملية للفيلم في بلدان أخرى على أجهزة موجودة عندنا فعلاً) .‏


جدلية «التركتور والتور»

المخرج جود سعيد الذي عانى شأنه شأن المخرجين الآخرين من مسألة الحظر من خلال فيلمه الأخير (مرة أخرى) وسيعاني منه في فيلمه القادم (صديقي الأخير) يقول : قانون العقوبات الأميركي موجود منذ فترة ومفاده أننا محرومون من كل المعدات السينمائية التي تتجاوز نسبة التكنولوجيا الأميركية فيها نسبة 10% ، وأحد الأمثلة هو قسم الصوت فالمؤسسة المجهزة بمعدات ممتازة وكان هناك فكرة لبناء (أوديتوريوم مكساج) ولكن توقفت لأن الآلة الرئيسية (بروتولز) التي تقوم بالمكساج لا نستطيع استخدامها بسبب قانون الحظر ، وهنا قد يخرج من يقول أنه يمكننا استخدامها بطريقة مُقرصنة ، ولكن مكساج الفيلم يختلف عن أي شيء آخر بأننا نحتاج إلى (كود) يمكن لأجهزة العرض أن تقرأه في الصالة وهذا (الكود) يأتي به شخص هو من يقوم بالتسجيل النهائي للصوت الممكسج للفيلم ، وكل فيلم يأخذ شهادة من هذا الشخص وهناك شخصان للشرق الأوسط موجودان في روما, هذا من جهة أما جهة أخرى فالمعمل كان يمكنه أن يسيّر أموره بشكل أو بآخر مع قانون العقوبات القديم ، ولكن مع قانون العقوبات الجديد بتنا شبه محرومين من استيراد أغلب المواد الكيماوية خاصة به ، أضف إلى ذلك أن جهاز تصحيح اللون بحاجة إلى خبراء يعملون عليه ولكن أي شركة سترسل لك الخبراء اليوم وأنت واقع تحت العقوبات ؟..‏

وبالتالي يمكننا القول إن السينما السورية (تُنجز بالفلاحة حقيقة ، فالكل يعمل على التراكتور .. وأنت ما زلت تفلح بالتور) فنسعى يميناً وشمالاً وبعدة طرق لنؤمن ظهور الفيلم بشروط الحد الأدنى المقبول تقنياً ، ومن خلال إرسال الأعمال للخارج والتعامل مع شركات صديقة نستطيع الحصول على شروط تقنية للعمل ، حتى إننا ننجز الصوت بمكان والصورة بمكان وننفخ الفيلم بمكان ثالث . كما أننا نحصل حتى على الخام بطرق مختلفة ، ويشير المخرج جود سعيد في النهاية إلى أن الأجهزة المتعلقة بهذه التكنولوجيا لها عمر افتراضي لا يتجاوز الأربع سنوات .‏


حجب التكنولوجيا المتقدمة‏

المونتير سومر جباوي في المؤسسة العامة للسينما، يقول حول آليات المنع والطرق المتبعة لإنجاز الأفلام : فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات حاولت عبرها تجريد الصناعة السينمائية السورية من أبرز مقوماتها لتكون بعيدة عن التطور التكنولوجي ، فحجبت التكنولوجيا المتقدمة ومنعت التصدير التقني لسورية ما أدى لمنع كبرى الشركات الأميركية العاملة في مجال التقنية السينمائية من تصدير منتجاتها إلينا . بحيث تلتزم شركة KODAK و Eastman وهي شركات أميركية مصنعة لمواد الخام (السيلوليد السينمائي الذي يتم التصوير والطباعة عليه) بقوانين الحصار الأميركي . ما يضطر المؤسسة من تكبد نفقات إضافية على سعر الشراء حتى تتمكن من شراء حاجتها من المواد الخام عن طريق وسيط ما يرفع من تكلفة الإنتاج السينمائي ، كما يشمل الحظر المواد الكيماوية المستخدمة في عمليات التحميض والتظهير والطبع م ا يزيد صعوبة الأمر كون هذه المواد غير قابلة للتخزين لفترات طويلة . كما تلتزم شركة Avid والشركة المملوكة لها Digidesign بمنع تصدير أجهزة المونتاج الأولى في العالم وتكاد تكون الوحيدة والمتخصصة في المجال السينمائي، كما تمنع مراكزها التدريبية من تقديم التدريب على أي جهاز يصل إلى سورية ، ولكن استطاعت المؤسسة بصعوبة من تدريب عدد من فنييها على الأجهزة الموجودة لديها والتي هي من إنتاج الشركة ، كما تلتزم شركة Apple المنافس الوحيد لشركة Avid عبر منع بيع منتجها Final Cut Pro إلى سوريا فارضة مزيداً من الضغط على الصناعة السينمائية السورية . وعلى الرغم من استقدام المؤسسة لأضخم جهاز مونتاج صوتي في الشرق الأوسط إلا أن شركة Dolby الأميركية ما زالت تفرض حظراً على إرسال مهندسيها لتركيب جهاز المشفر Dolby Encoder والذي يسمح للصناعة السينمائية السورية من إنتاج جميع أفلامها بتقنية الدولبي وبخبرات وطنية ، لا بل امتد هذا الحصار لمنع أفلام سورية تمت عملياتها الفنية في الخارج من الحصول على رخصة الدولبي ما دفع في كثير من الأحيان باتجاه سلوك عدة طرق عبر وسطاء آخرين لانتزاع هذه الرخصة .‏