2012/07/04

 يسرى الجندى: حكومة «شرف» خيبت آمال الثوار!
يسرى الجندى: حكومة «شرف» خيبت آمال الثوار!


حسام عبد الهادي – روز اليوسف


المظاهرة المضادة التى جرت يوم الثلاثاء الماضى والتى أدت إلى اشتباكات دامية بين البلطجية - وليس الثوار لأن ماحدث لايمت بأى صلة لأخلاقيات الثوار- وبين الشرطة - فى رأيى- أن سببها حالة التساهل الشديد التى يتم التعامل بها مع هذه النوعية من البشر غير الواعية والتى تحتاج إلى عقوبات رادعة ومواجهات حاسمة، لأن (الطبطبة) عليهم تزيدهم فجورا.

قبل الثورة كان هناك نوعان، نوع مؤدب ونوع جبان، وبعد الثورة المؤدب ظل مؤدبا، والجبان تبجح، وما أقصدهم بكلامى هم من أصحاب الفئة الثانية، وهو ماخلق نوعاً من الفوضى المجتمعية.البلطجية هم الذين غرسوا بذرتها الأولى، وزاد من انتشارها غياب العدالة، فليس من المعقول أن يمر على الثورة خمسة أشهر ولم يلق قتلة المتظاهرين عقابهم حتى الآن؟

رغم وضوح القرائن،والتى كان يجب أن تصدر فيها أحكام سريعة.بطء وتأجيل محاكمات المتهمين فى قضية قتل المتظاهرين - رغم صدور أحكام سريعة فى قضايا أخرى أبسط بكثير من القتل - هو الذى أثار القلق والخلل وعدم الاستقرار بالمجتمع، لأنه فى رأيى لو صدرت أحكام رادعة عادلة سريعة، «لبردت نار المكلومين» من أهالى الشهداء، ولشعروا بارتياح من تحقيق القصاص فيمن قتل أبناءهم، ولهدأ المجتمع وتحقق الاستقرار. بهذه الكلمات بدأ جحا الدراما المصرية كلامه معنا بنبره حزينه على ما أصاب المجتمع المصرى وأضاف: أعلم أن قضايا قتل المتظاهرين تحتاج إلى تدقيق أكثر لحساسيتها وخطورتها.

وطالما أن هناك حساسية وخطورة لهذه القضايا كان يمكن - لو هناك جدية فى التنفيذ - أن يخصص لها دائرة قضائية منفصلة، على أن يتولى الفصل فيها قاضِ ليست عليه علامات استفهام فى الشارع المصرى، أما القاضى (جمعة) فهو مثار جدل من أيام قضية (هشام طلعت مصطفى)، والدليل على صدق كلامى مايحدث داخل قاعة المحكمة، بداية من تخبئة المتهمين عن أنظار الناس وفرض سياج بشرى من جنود الشرطة عليهم، رغم أن الأصل فى المحاكمة هو العلنية وليس السرية، كذلك منع أهالى الشهداء من دخول القاعة، كلها دلالات تؤكد أن هناك تعمدا فى التباطؤ-ولا أقول تواطؤ.

بعيدا عن المحاكمات العادلة والرادعة والسريعة لقتلى المتظاهرين كيف نعيد للشارع المصرى الأمن والأمان من جديد؟

- التطهير هو السبيل الوحيد لاستعادة الانضباط للشارع المصرى، مهما كانت العواقب التى يجب أن نواجهها بحسم، فمثلما طهرنا الادارة المحلية بحل مجالسها الفاسدة - والتى لا أستبعد أن يكون أصحابها هم الذين أشعلوا مظاهرة الثلاثاء الماضى، والتى تذكرنى بموقعة الجمل، خاصة أن المظاهرة خرجت فى نفس اليوم الذى تم فيه حل المجالس - يجب تطهير البلد أيضا من فلول النظام البائد وفلول الحزب الوطنى الذين من مصلحتهم أن يستمر البلد فى حالة فوضى وعدم استقرار.فأنا أشبه المجتمع المصرى بالجلد الذى تراكمت عليه 4 طبقات (جلخ) على مدار 30 سنة فلابد من إزالة هذه الأجلاخ أولا لينكشف الجلد وتتنفس مسامه، هذه الأجلاخ هم فلول وأتباع ومريدو النظام البائد والحزب الوطنى الذين أفسدوا كل شىء فى المجتمع.

أنت الذى قرأت وتبحرت وكتبت الدراما التاريخية بعمق شديد، سواء التاريخ الشعبى أو التاريخ الاسلامى أو التاريخ الثورى، كيف ترى الثورة المصرية؟

- أنا أشبه ماحدث فى (ثورة يناير) بـ(سقوط الخلافة) وهو أحد مسلسلاتى الذى عومل باستهانة كبيرة ومنع عرضه على الشاشات المصرية الحيوية وتم عرضه على قناة هامشية حتى لا يراه أحد رغم أهمية أحداثه التى تحكى عن انهيار فترة مهمة من تاريخ العرب وهى فترة حكم الدولة العثمانية التى استمرت أكثر من 450 عاما. مايجعلنى أشبه ثورة يناير بسقوط الخلافة - رغم عدم التشابه الشكلى والحدثى - هو قوة السلطة والسيطرة على الحكم طيلة 30 سنة، وكان سيعقبها 30 سنة أخرى أو يزيد - إذا ما تحقق التوريث ،والذى كان سيصبح بالفعل خلافة - فكان من الصعب بل من المستحيل أن يتم خلع حكم بكل هذه السطوة والقوة والجبروت، وهو ماكانت عليه الدولة العثمانية التى لم يتخيل أحد انهيارها.

وفى رأيك ماسبب انهيار نظام (مبارك) القوى بكل هذه السهولة؟

- بالعكس نظام (مبارك) لم يكن قوياً فعليا،بل كان قوياً شكليا، وكان نظاما مخوخا من الداخل، لكننا لم نكن نعى ذلك، وهو ما يشبه موقف سيدنا (سليمان) الذى ظل واقفا متكئا على عصاه وهو ميت دون أن يدرى أى من الطير أوالحيوان بموته واعتقدوا أنه مازال على قيد الحياة فكانوا يهبونه ويخشون منه حتى نخر السوس العصا فوقع وانكشف موته،هذا بالضبط ماحدث فى حكم (مبارك) كان نظاما ميتا ولكن لم يشعر أحد بذلك إلا بعد أن نخر فيه السوس - وهو الفساد - وقضى عليه.

هل أنت متفائل باستعادة مصر لمكانتها؟

- نحن نواجه تحديا كبيراً،سواء من الجبهة الداخلية المتمثلة فى الثورة المضادة من فلول النظام البائد، أو من الجبهة الخارجية المتمثلة فى اسرائيل والتى لاتريد أن تستعيد مصر مكانتها ولا قوتها، فمصر هى رمانة الميزان لمنطقة الشرق الأوسط ، فعندما تستيقظ تستيقظ المنطقة، مما يهدد المصالح العليا للعدو وتشكل خطرا عليهم،وعندما تنام تنام كل المنطقة، وهو ما يتمناه العدو أن نظل عليه دائما، والجاسوس (ايلان حاييم) الذى تم القبض عليه ماهو إلا ذراع من الأذرع الكثيرة الممتدة لتهديد أمن الوطن وسلامته، ومن هنا فإن حماية الثورة واجب مقدس لا يجب التفريط فيه،لا حكام ولا محكومين.

وما رأيك فى الأداء الحكومى لحكومة د.(عصام شرف)؟

- أرى أن هناك تهاونا كبيراً جدا فى مستوى الأداء الحكومى الذى أصفه بالضعف الشديد، فالحكومة (عمالة تلف وتدور) حول نفسها وحول المشاكل وعاجزة عن الإمساك بخيوطها الحقيقية وحلها، رغم مرور مايقرب من أربعة شهور على توليها المسئولية، فالأداء الحكومى - مع احترامى لشخص د.(شرف) - لا يرقى للظرف الذى نعيشه، ويحتاج إلى مزيد من الحسم والحزم.

(سقوط الخلافة)، (جمهورية زفتى)، (عبد الله النديم)، (الطارق)، (جحا المصرى)، (القضية 2007)، (هدى شعراوى)، (اليهودى التائه)، (على الزيبق) و(ناصر).. هل نعتبرها جميعا ثورات درامية؟

- ماكنت أكتبه هو عملية استشراف للمستقبل، وإضاءة حول مانعيش فيه، فالفن يحمل بشارة بالخلاص، مهما كان كلامه عن واقع مظلم، ففى (سقوط الخلافة)، كانت الإشارة مع نهاية الأحداث إلى تقوية الأمة العربية بإعادة (القدس) إلى حضننا، ففلسطين مازالت هى القضية المحورية للعرب، وأتصور أن الحل فى هذا الشأن قد اقترب. (جمهورية زفتى) كانت تعبر عن قوة إرادة الشخصية المصرية فى تحديد مصيرها، ورفضها للذل والهوان والاستعباد. (على الزيبق) الذى تنبأت فيه بتجاوز محنة النكسة، والذى تحقق فى نصر أكتوبر ,73 والمصادفة الغريبة أنه أثناء عرض المسرحية عام 73 قبل أن تتحول إلى مسلسل تم استدعائى للجيش على ذمة الاحتياط وقضيت فترة الحرب على الجبهة، وقد أكدت المسرحية مدى صلابة الإنسان المصرى الذى من المستحيل أن ينكسر مهما مر عليه من أزمات.

وما الضريبة التى دفعتها نظير ثوراتك الدرامية هذه؟

- قبل أن أكتب مسلسل (ناصر) كانت أعمالى تعرض فى أوقات (ميتة) بأمر (صفوت الشريف) حتى لا تلفت نظر الناس، ورغم ذلك كانت الناس تتابعها، وتذهب إليها، لأنهم يجدون فيها ضالتهم،أما بعد (ناصر) فكانوا (يتلككون) لمنعها،فقد منع مسلسل (هدى شعراوى) لأنه لايصح عرض مسلسل يناصر امرأة أخرى سوى (سوزان مبارك)، فكيف نجرؤ ونعرض مسلسلا عن واحدة بحجم (هدى شعراوى) هى رائدة تحرير المرأة الحقيقية؟! وعرض المسلسل فيما بعد على استحياء نفس الشىء حدث لمسلسل (جحا المصرى)، وكانت مسلسلاتى لا تعرض سوى مرة واحدة حتى لا تقلب الناس، فى حين أن المسلسلات الهايفة كانت تعرض عرضا مستمرا، فأى عمل كان فيه حالة استنفار للثقافة الوطنية، هو عمل غير مرغوب فيه، فى الوقت الذى كان الترحيب فيه على أشده للأعمال السطحية التى تغيب عقول المجتمع. الأكثر من ذلك أن مسرحية (القضية 2007) والتى حققت نجاحا كبيرا، جاءت تعليمات أمنية بوقف عرضها لأنها ضد اليهود، المثير للغثيان أن المسرحية ليست وحدها التى تعرضت للعقاب، ولكن مسرح الهناجر الذى كان بؤرة تنوير حقيقية فى المجتمع تم إغلاقه بحجة الصيانة والتى لم تنته إلى يومنا هذا منذ مايقرب من 5 سنوات.

ولماذا لم تثر معارك للدفاع عن حقوقك مثلما كان يفعل الراحل (أسامة أنور عكاشة)؟

- أنا رجل مسالم ولا أحب الصدامات ولا المعارك، وقد يكون هذا عيبا وليس ميزة، ولكننى كنت أقول دائما إن معاركى يجب أن تكون ساحتها أوراقى الإبداعية خاصة أنى مؤمن بأن أى عمل جيد وحقيقى (هايعيش مش هايموت)، فلم يكن عندى صبر ولا إصرار، ولا حدة لسان (أسامة أنور عكاشة) فى مواجهة خصومه بالمعارك التى كانت تصل فى كثير من الأحيان إلى درجة الاحتدام، والشراسة.

معنى ذلك أنه لم يكن هناك احترام حقيقى للكاتب الحقيقى؟

- كان هناك تهميش للكتاب الحقيقيين، وهو اضطهاد بشكل مستتر، فشرهم كان يجعلك ككاتب بدلا من أن تكون شهيدا، ويدخلون فى صدام معك، كانوا يتجاهلونك، ويغلقون فى وجهك جميع المنافذ المهنية والمادية والإعلامية (وورينا بقى هاتعدى ازاى) كمن حبس شخصا فى حجرة وهو الوحيد الذى معه المفتاح ،وهى أساليب قذرة رخيصة غير آدمية.

وهل فى رأيك ستتغير هذه النظرة فى المرحلة القادمة، أم سيظل صاحب الكلمة الحقيقية الصادقة يمثل خطرا على الحاكم؟

- القادم سيشهد منظومة جديدة بشرط أن نواجه الأقزام - فى الفن والثقافة والإعلام - الذين مازالوا يتصورون أنفسهم هم حماة الوطن ويزيدون من طنينهم معتقدين أن الناس تصدقهم، وهم أشبه بالنعام الذى تصور أن الرمال التى أخبأ فيها رأسه قد أخفته عن عيون الناس،خاصة (الاكذوبة اللى اسمها) (هالة سرحان) التى مازالت تجهل أن جمهور التفاهة الذى كان أشبه بما تصدره لهم قد انتهى وذهب بغير رجعة وعليها أن تعيد حساباتها من جديد، لقد كان رحيل (هالة سرحان) عن الشاشة من المحاسن الوحيدة التى تحسب للنظام البائد،لكننا نحتاج إلى مسافة زمنية حتى تتضح الرؤية، ويختفى الأقزام من على الساحة وإن كانوا قريبا سيتساقطون من أنفسهم، فالإبداع ليس مجرد تصفيق وانما الأهم هو التأثير.

ماتحليلك للشخصية المصرية - كمشرح لشخوصك الدرامية - بعد 25 يناير؟

-الشخصية المصرية لا يستهان بها، صحيح أن معدنها الحقيقى لم يظهر كله بعد عند بعض الفئات، لكن حتما سيزال الركام ويكشف عن المعدن النفيس للمصريين،فمنذ فجر الضمير والإنسان المصرى يعلن عن نفسه بأنه سيد العالم بحضارته وشخصيته ، فعلى مدار التاريخ كم عانى الإنسان المصرى من غزوات وأزمات لكنه كان ينهض أقوى وأفضل، ويستمر فى رحلة البناء الحضارى مرة أخرى؟ لقد أكد (جمال حمدان) فى كتابه (شخصية مصر) أن الشخصية المصرية تركيبتها صعبة جدا ويصعب القضاء عليها، (فلو دولة تانية وشعب تانى كان اتنهب النهب اللى نهبوا منا (مبارك) كانت انتهت من زمان وأصبحت أطلالا،لكن مصر بقالها 7000 سنة بتتنهب ولسة لاقيين ناكل)؟!

وكيف نعيد صياغة الشخصية المصرية من جديد؟

- نحتاج إلى وقت لإصلاح ما أفسده النظام السابق من ثقافة الشعب المصرى وسلوكياته وأخلاقياته، كما نحتاج إلى بناء خريطة اجتماعية جديدة، تضيق الفوارق الطبقية بين الناس وبعضها لنزيل الأحقاد التى سكنت قلوبهم ونفوسهم سنين طويلة، ولا ننسى الوعى الدينى الذى يجب أن ننميه بالعودة إلى جوهر الإسلام ووسطيته السمحة، وعلى الإخوان أن يعرفوا أننا كشفنا مخططهم لمحاولة اختطاف الثورة وهو ما لن يقدروا عليه، هم أو غيرهم.

فماذهب لن يعود مرة أخرى،ورغم تشابه الثورات التى مرت بها مصر، سواء فى الظروف التى فجرتها من (فساد وظلم وفقر وقهر) أوفى الأهداف التى تفجرت من أجلها من (حرية وعدالة اجتماعية)، فإن ثورة يناير، كان فيها الشعب هو صاحب قراره، بخلاف ثورتى 19 و52 وغيرهما التى كانت فيها رؤوس محركة تنهض ثم تصطحب الجسد - «اللى هو الشعب» - معها فيما بعد، ولم يكن الشعب طرفا فى صنع قراره، لكن ثورة يناير خرج الشعب دون أن يكون له رأس مفكر أو مدبر، فكانت ثورة إلهية، تمثل معجزة بكل المقاييس.