2012/07/04

يم مشهدي صانعة تخت شرقي في حديث خاص مع بوسطة
يم مشهدي صانعة تخت شرقي في حديث خاص مع بوسطة

كلٌ منا يرى نفسه بطلاً في فيلمه الخاص والآخرين هم الكومبارس.

حياتنا الواقعية مليئة بالدراما ولهذا تستحق أن تكون عملاً درامياً على الشاشة.

لم أكن سعيدة عندما أخبرتني رشا بأنها وزّعت الأدوار على الممثلين  وأنا ما زلت أكتب.

من يصنع القدر هم الشخصيات وليس العكس.

نعيش بحالة من الفوضى والعبث، ونحتاج لنقل تلك الفوضى إلى الشاشة حتى نكون صادقين.

لو أردنا أن نكشف الغطاء بشكل كامل عن الواقع لكان هناك ما هو مفاجئ أكثر بكثير من "تخت شرقي"

خاص بوسطة- رامي باره

عندما قام الآخرون بمجاملة ما هو سائد على الشاشات العربية، اختارت هي أن تقدم الواقع بكل ما فيه من جمالٍ وقسوة.

شغفها بالكتابة حوّلها مبكراً إلى صحفية، فعملت في الصحافه اللبنانيه والمحلية ، وهي مازالت طالبة في السنة الثانية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبعد أن أتمت دراستها في النقد المسرحي، وأنجزت نصها المسرحي الأول والوحيد، انتابتها رغبة ملحة في دفع عملها الصحفي باتجاه المواضيع التي تعالج حياة الشباب الجامعي والإحباطات التي تتعرض لها، فتحوّلت نحو البداية التلفزيونية في "وشاء الهوى".

ومنذ "وشاء الهوى" ومروراً بـ "يوم ممطر آخر" وانتهاءً بـ "تخت شرقي" الذي نشاهده اليوم، أصبحنا نعلم أن الاختلاف والواقعية والجرأة والخروج عن المألوف، هي جميعها صفات النص الذي توقعه يم مشهدي.

السيدة يم مشهدي، لماذا كان الانتقال إلى التلفزيون؟

بعد أن عملت كصحفية لحوالي تسع سنوات، فكّرت أن أكتب مجموعة من المقالات أتناول فيها أحلام الشباب الجامعي التي تتعرض للانكسارات المفاجئة فور الانتقال من الحياة الجامعية إلى الحياة العملية، فقد أردت التعبير عن ذلك الإحباط الذي يصيب الشباب في فترة فورانه، والتي لا يترك لهم متنفساً ليعيشوا من خلاله فترة الأحلام (أو المنامات) الجميلة.. لكنني شعرت في لحظة معينة أن الصحافة المكتوبة قد لا تعبر بشكلٍ كافٍ عن كل ما أريد قوله، كما أنني رأيت في الأسلوب السردي الذي اخترته لهذه المواضيع تناغماً مع اللغة البصرية في التلفزيون أكثر من أسلوب المقالة الصحفية، وهكذا كان "وشاء الهوى".

على مستوى الحوار قدّمتِ حواراً غير مطروق من "وشاء الهوى" وحتى "تخت شرقي"، ألم يكن هناك نوعٌ من المغامرة في إدخال حوار غير مألوف على الدراما السورية؟

ربما في مسلسل وشاء الهوى البذور الأولى للتطرق  إلى هكذا نوع من الحوار ولو كان بصيغه أخف من الأعمال التي تلته وربما اعتبر البعض أنه تهور من المخرج زهير قنوع أن يبدأ حياته الإخراجية بنوع غير معتاد من النصوص ,لكن الفكرة بدأت بشكل جدي  من "يوم ممطر آخر"، حاولت حينها أن أقدم جرعة من الحوار اليومي الحياتي بعيدا عن التنظير وبحثت في القصص اليومية التي قد تبدو للبعض عاديه وحينها أتذكر تماما خوف البعض من المغامرة بعمل كهذا وقد أشار لي الأستاذ عبد الهادي الصباغ المنتج المنفذ للعمل والمشرف الفني بإدخال بعض الحرارة للخوف من تقديم هكذا نوع من القصص ,عدت وقتها إلى الحلقات الأولى ووجدت أنني لا أرغب على الإطلاق في حشر أحداث مفتعله ودافعت عن أسلوب قد يعتبره البعض غريبا كمقترح للدراما تلفزيونيه المعاصرة حينها قال لي عبد الهادي اكتبي ما أنت مقتنعة به  ولنغامر ،وعند عرض النص على المخرجة رشا شربتجي وجدت تفاعلا إيجابيا وهكذا كان مسلسل يوم ممطر آخر الذي تخوف البعض من إنتاجه ، حتى الجمهور نفسه انجذب لهذا النوع من الأعمال، فقررت أن يكون "تخت شرقي" محاولة أبعد في الغوص بهذا اليومي والحياتي بحوار لا يتجمل وغير منمق ، فالحوار الذي نسمعه في الدراما ليس هو الحوار الذي نحكيه في حياتنا اليومية، حوارنا اليومي أبسط ولا يحمل التنظير والوعظ الذي نسمعه في الأعمال التلفزيونية، فلا يمكنني أن أفهم مثلاً حواراً يدور حول البروليتاريا بين شخصين في غاية البساطة ولا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد.

لقد أردت أن يكون تخت شرقي نقلاً صادقاً لتفاصيل الحياة، وهذا يشمل موضوع الحوار.ولا أدري إن نجحت في ذلك

ولكن.. ألم يكن "تخت شرقي" عملاً موغلاً بالذاتية ومشاعر الشخصيات الخاصة؟

أنا أشعر بأن كل إنسان يعيش فيلمه الخاص في الحياة، فكلٌ منا يرى نفسه كبطل في فيلمه، ويرى الآخرين من حوله مجرد كومبارس يمرون خلال هذا الفيلم، و"تخت شرقي" هو أشبه بشريط الفيديو المُسجّل من الواقع، فحياتنا الواقعية مليئة بالدراما، وبرأيي لهذا السبب تستحق أن تكون عملاً درامياً على الشاشة، لقد أردت أن أقدم  الحقيقة لأنني أحسست أن الجمهور سيُحب الحقيقة.. دّعنا نجرب!.

ألم تخافي من أن تلقى تلك الذاتية والمشاعر الفردية تأويلاً في فهم المخرجة والممثلين، خاصةً وأنك اعتمدتِ على الشخصيات

لا، لأنني تعاملت سابقاً مع المخرجة رشا شربتجي في "يوم ممطر آخر"، وأعرف تماماً كيف تفكر، وأنا راضية عن أداء الممثلين، مع أنني لم أكن سعيدة عندما أخبرتني رشا كيف وزّعت الأدوار على الممثلين وأنا ما زلت أكتب.

ولكن أغلبهم من النجوم المحترفين في الدراما السورية؟!

طبعاً، ولكنني عندما أكتب لا أتصور في عقلي ملامح الشخصية التي أكتب عنها، ولكن عندما أخبرتني رشا بالممثلين الذين سيجسدون شخصيات "تخت شرقي"، شعرت بأنني أصبحت محدودة نوعاً ما أو مقيدة بصفات الممثلين الذين أُسندت لهم الأدوار.

ظهرت الشخصيات في حوارات "تخت شرقي" قوية في مستوى فهمها وتحليلها لأحداث العمل، ألم يجعل ذلك الشخصيات تطغى على الحدث الدرامي وتسيطر عليه؟

هذا الأمر مقصود، فأنا أؤمن بأن الشخصيات بالغالب هي من تصنع قدرها ، فالأحداث الدرامية برأيي تنبع من صميم الشخصية، ولا تولد فجأةً من القدر.

ولكننا في "تخت شرقي" لم نشاهد حكاية درامية تقليدية تتصاعد نحو ذروة صراع معينة؟

"تخت شرقي" هو نقل لتفاصيل الحياة، وأنا لا أرى في الحياة بالعموم (أكشن)، فالحياة لا تتصاعد نحو ذروة بحاجة إلى حل وتحل وتنتهي ، بل هي مجمل ذروات ومجمل حلول تخلق من الظرف ولا يوجد حل نهائي مادامنا أحياء . فالحياة على مستوى الحدث لا تتصاعد كموجة نحو الذروة ثم تنحدر نحو الحل، إنما تسير وفق خط مستقيم تتوازى فيه الأحداث والحلول وغالبا دون وقوع التعرجات المفاجئة .

الملل والوحدة والسأم دائماً موجودون في حوارات "تخت شرقي"، هل تعتقدين أن جمهورنا الشرقي سيتقبل هذه المواضيع الوجودية في الوقت الراهن؟

الوجودية ظهرت في أوربا نتيجة الحالات النفسية التي اختبرها المجتمع الغربي خلال الحرب العالمية وبعدها، أما في مجتمعنا الشرقي الذي وربما لم يعش كوارث بماديه بمعني الموت بالملايين كالذي عاشته أوروبا إلا أنه عاش ويعيش  مجموعة كبيرة من الانكسارات النفسية والضغوط القاسيه, جعلت الفرد منا يحمل حُطاماً داخلياً هائلاً، واعتقد أن هذا الحطام يوازي ما مرت به أوربا خلال الحرب، إن لم نقل بأنه يفوقه بكثير.

ثم من جاء بمقولة (الجمهور عاوز كده)؟!، بالنسبة لجمهورنا السوري فإنه جمهور ناقد وذكي، وقبل أن نحكم عليه بالتسطيح وبأنه لايتقبل أفكار جديده ربما دعونا نجرب  ثم نرى ماذا ستكون ردة الفعل.

أنتِ أيضاً تناولتِ المواضيع المطروقة من زوايا أخرى، فشعرنا أن الحب دائماً مشروط في "تخت شرقي"، كذلك الأمومة لم تطرحيها بالمثالية التي نعرفها؟

كفانا مثالية، لماذا نقدم الشخصيات الدرامية على أنها شخصيات ملائكية وهي ليست كذلك في الواقع؟!، هناك حقائق يجب أن نناقشها، كآبة ما بعد الولادة مثلاً حقيقة علمية لا يمكن تجاهلها، لماذا نقدم الأم دائماً على أنها المعطاءة التي تفني حياتها من أجل الآخرين بعيدا عن كونها بشر تحب وتكره تنجرف وتغامر دعونا نظر صراعاتها بين الانا وبين أمومتها ، هذا الأمر ليس فقط في الدراما، حتى في الواقع.. لاحظ الهدايا التي تُقدم للأم في عيدها، جميعها تستخدمها الأم في عملها تجاه الآخرين، علينا أن نكشف عن الصراعات والتناقضات النفسية التي تعيشها الأم إن أردنا أن نتحدث عن الواقع، فالشخصيات دائماً تحمل المتناقضات...

مسلسل "تخت شرقي" ركّز أيضاً على التمييز في المجتمع، سواءً بشخصية النازح أو بشخصية الفلسطيني؟

لأن مجتمعنا الشرقي ما زال يعيش هذا التمييز، وهو يؤول ويفهم ما يقوله الآخرين بناءً على هذا التمييز، لذلك نحن بحاجة لحل هذه المشكلة، فنحن مجتمع بُني في القدم على الأساس القبلي والعشائري، ومسألة الهجرات والانتقالات هي أمر طبيعي في المجتمع القبلي، ولا يمكن أن تكون بأي شكلٍ من الأشكال سبباً في التمييز بين أفراد مجتمعنا.

هل توّقعتِ أن يطال مقص الرقيب مشاهد من "تخت شرقي"؟

لا، مع أنه تم حذف شيء لا يذكر مقارنةً بحجم النص ولو كان بالنسبه لي مهم ..

هل رغبتِ بطرح جوانب أكثر جرأة في تخت شرقي ولم تستطيعي تقديمها مباشرةً؟

طبعاً، فـ "تخت شرقي" جزء صغير من الواقع، ولو أردنا أن نكشف الغطاء بشكل كامل عن هذا الواقع، لكان هناك ما هو مفاجئ أكثر بكثير من "تخت شرقي" ولمنع بشكل كامل ، المسلسل هو مجرد محاولة لتقديم جانب أو بعض الجوانب من الواقع ,ولست واهمه بأنا حدود الرقابه لدينا قد إختلفت كثيرا عما مضى

في إحدى الحلقات الفائتة شاهدنا مواجهة في الاعتقاد الديني بين يعرب (الذي جسد شخصيته الفنان قصي خولي) ومديرة المدرسة، كيف تنظر يم مشهدي إلى مسألة الاعتقاد الديني؟

نظرتي هي نظرة يعرب تماماً، فالموضوع الإيماني هو أمر شخصي بالمطلق، لا يحق للآخرين التدخل به

المشكلة في مجتمعنا هي عندما يستخدم بعض الأفراد الموضوع الديني لتحقيق غايات ومصالح خاصة وطبعا ليس الكل

هل أنتِ مع مشاهدة جميع الشرائح الاجتماعية لـ "تخت شرقي"؟

المشكلة لا تتعلق بـ "تخت شرقي" فقط، المشكلة بأن أطفالنا أصبحوا يتابعون كل ما يُعرض على الشاشة، فقبل الحديث عن المضمون الذي تقدمه الشاشة، هناك خطأ فادح في متابعة أطفالنا للتلفزيون لأكثر من عشر ساعات يومياً،  يجب أن ننتبه إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود البدائل الاجتماعية والترفيهية التي تنمي الطفل، وتحل محل ساعات متابعته المتواصلة للتلفزيون.

"تخت شرقي" عمل غير مخصص للأطفال والمراهقين، ولحُسن الحظ أنه يُعرض على جميع المحطات بعد الساعة التاسعة مساءً، ومع هذا فمسؤولية العرض لا يتحملها الكاتب أو المخرج، وإنما الأهل الذين لا يراقبون ما يشاهد أطفالهم، والمحطات التي لا تراعي هذه المسائل.

ولكن هذا لا يعني أن نحرم الكبار من دراما هم بحاجة إليها، تناقش مشكلاتهم، وتتحدث عن تفاصيل حياتهم بحجه أن الأطفال يتابعون

هل تتوقعين أن يُقدم "تخت شرقي" حلولاً للمشاكل التي يطرحها؟

الدراما لا تقدم الحلول، هي فقط تكشف عن جوانب الخطأ، وتخلق نقاشاً وحواراً جديداً حول هذه الأخطاء، وإن استطعنا أن نقدم فعلاً هذا الحوار، فستكون الدراما في ذروة عطائها، أما الحلول فقد تأتي من التراكم.

شكراً لكِ

ولك أيضاً.

بورتريه ليم مشهدي:

كتابك المفضل؟

"الغريب" لألبير كامو، و"مائة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز، أحب ما كتبه عبد الرحمن منيف، وأقرأ كل ما تكتبه إيزابيل الليندي.

فيلمك المفضل؟

"العراب"

أفضل مشهد في "العراب"؟

المشهد الافتتاحي من الفيلم، والمشاهد المتعلقة بسقوط عائلة كورليوني، بصراحة كل "العراب" يسحرني.

مطربك المفضل؟

ملحم بركات، أحب أغنيته "تعا ننسى" فعندما أسمعها أشعر براحة لا توصف..

(أضافت ضاحكة).. أحب سارية السواس.

لونك المفضل؟

الأسود.

لما هذه السوداوية؟!

لست سوداوية، ولكن الأسود دائماً متميز ومتفرد عما حوله.

أقرب الأشخاص إلى قلبك؟

عائلتي.

وأبعدهم عن قلبك؟

لا أكره أحداً..، ليس لأنني مثالية ، ولكنني عندما أكره أفقد كل طاقاتي.