2013/07/31

قصي الخولي في مشهد من العمل
قصي الخولي في مشهد من العمل

 

صهيب عنجريني – السفير

 

لا يُمكن النظر إلى دخول «منبر الموتى» سعير الأزمة السورية، إلاّ بوصفه خياراً ذكياً، انتهجه صنّاع العمل. كأنّ الهجمات وحملات التخوين التي تطال المسلسل من مُختلف الأطراف، نتيجة بديهية لما ذهب إليه القائمون عليه، بوعي وإرادة كاملين. في هذا السياق، تغدو عبارة «هذا المسلسل ليس توثيقياً، إنّما محاكاة درامية عما (والأصحّ لما) حدث ويحدث في بلدنا» التي تُستهلّ بها الحلقات، أقرب إلى تصريح صحافي لن يلتفت إليه المشاهد. هذا الأخير وجد نفسه أمام مرآة تقدّم مقاربة محايدة للحدث السوري الساخن. مقاربة تسعى للإحاطة بكلّ المتناقضات، وتتقاطع بدقة في كثير من تفاصيلها مع «ما حدث ويحدث».

يواصل الجزء الثالث من سلسلة «ولادة من الخاصرة» الاشتغال على خطوطه الدرامية ذاتها، واضعاً الشخصيات في سياق التصاعد الدراماتيكي المحموم للأزمة السورية. ذلك ما يخلّف تشظيات داخل كل بنية اجتماعية يتناولها السيناريو. فلم يعد بؤس الحال سبباً كافياً لتلاحم أبناء «المساكن» المسحوقين الذين ينتمي إليهم جابر (قصي خولي). الأمر نفسه ينسحب على المحور الدرامي الآخر المتمثّل بشخصية رؤوف (عابد فهد)، والمؤسسة الأمنية التي ينتمي إليها، في تكثيف للراهن السوري يُحسب لمصداقية العمل.

ولأنّ لكلّ مغامرة ثمنها، وجدنا أنفسنا أمام تشويش طال البنية الدرامية، ويمكن ردّه، ربما، إلى انتقال السلسلة من خانة «الواقع الفني» إلى خانة «الفن الواقعي». انتقال لم يكن سلساً، إذ ليس من الممكن التعامل مع منبر الموتى إلا بوصفه جزءاً ثالثاً، من دون أن يغير وسمُه بعنوان جديد، أو إسناده إلى مخرجٍ آخر، شيئاً من حقيقة الأمر.

على سبيل المثال، يمكننا تبرير التحولات العجيبة في شخصية جابر خلال الجزأين الأوّل والثاني، بالاستناد إلى أنّ الواقع الدرامي ليس ملزماً بنقل دقيق للحياة المعيشة. لكنَّ الانخراط في تفاصيل شديدة الواقعية ما زالت حاضرة في ذهن المشاهد، جعل من تحوّلات الشخصية في الجزء الثالث ثمناً فادحاً، خصوصاً مع ذهاب سامر رضوان بعيداً في رهاناته التشويقية، حين رأى في تمثيلية مقتل جابر، وسيلةً لأخذ الشخصية نحوَ منعطفٍ درامي جديد.

انطلاقاً من المفارقة ذاتها، وجد المشاهد نفسه أمام مواقفَ غير ممكنة الحدوث في الحياة الواقعية. مثلاً حين يُقتل شقيق عزام (سامر إسماعيل)، نجد أنفسنا أمام عائلة كاملة، تُقدّم ردود فعلٍ متشابهة على حادثة استشهاد أصغر أبنائها، حين يعبّر الجميع عن حالة عدم التصديق، بطريقة شاعرية ذاهلة.

على المقلب الآخر تبدو شخصية رؤوف شديدة الإخلاص لمسارها المرسوم بعناية فائقة، يساعد في ذلك كون التكوين النفسي للشخصية يعتمد في الأساس، على متناقضات نفسية مرَضيَّة يعيشها رجل الأمن الذي يؤدّي دوره عابد فهد بحرفيةٍ لافتة. الأمر ذاته ينطبق على شخصية أبو حسام، والمكتوبة بطريقة تضعها في قائمة أهم الشخصيات الدرامية التي قُدمت على الشاشة هذا الموسم، تساهم في ذلك براعة أداء الممثل عبد الهادي الصباغ.

حاول سيف الدين سبيعي إضفاء صبغة إخراجية جديدة على المسلسل، لكنّ التوفيقَ خانَه هذه المرة. بدا منشغلاً بالبحث عن هوية بصرية ساخنة، من دون القبض على مفاتيح الحدث المتمثّلة بالخطوط النفسية للشخصيات، ليصبح الضجيج سيد الموقف، ونفقدَ لحظاتِ كانَ من شأنها أن تحفرَ عميقاً في وجداننا، من قبيل مشهد معرفة أبو الزين بنبأ مقتل جابر. مشهد لم يُشبع مخرجه لحظته الدرامية، مفوّتاً على المشاهد فرصة الاستسلام لأداء المبدع محمد حداقي.

في المحصّلة، ثمة شعور بأن هناك شيئاً مفقوداً سيلازمك وأنت تشاهد «منبر الموتى»... فهل ذلك ناجم عن تسارع الأحداث؟ أم أن هناك مشاهد كُتبت ولم تصوّر؟ أم أن المخاض العسير الذي مر به المسلسل مسؤول عن ذلك؟ أسئلةٌ ليس من واجب المشاهد البحث عن إجابات عنها، ما دام صُناع المسلسل قدموه إليه هكذا.