2013/08/22

القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال وأثرها على شخصيتهم ..!
القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال وأثرها على شخصيتهم ..!

 

رمضان ابراهيم – الثورة

 

 

يعتبر الحديث عن برامج الأطفال في التلفزيون مبتوراً ما لم تكن له صلة بموضوع الطفل والصورة بصفة عامة. وغني عن القول إن هذا الموضوع عام وشاسع

لأنه بالرغم من كل المقالات والدراسات التي تناولت هذا الموضوع فقد ظلّ محفوفاً بالمخاطر لأنه يجمع الكثير من الآراء والحقائق المتعارضة وحتى المتناقضة حيث تختلط فيها الأفكار الجاهزة التي تقترب من الصور النمطية بالحقائق العلمية المستقاة من سياقات ثقافية واجتماعية متباينة في حقب تاريخية مختلفة مما أضفى عليها طابع النسبية.‏

من منّا لا يتذكر البرامج التلفزيونية الخاصة بالأطفال التي كانت شائعة قبل الانفلات الكبير الذي شهده الوسط الاعلامي حيث باتت القنوات الفضائية التلفزيونية أكثر من الهمّ على القلب كما يقال. وجميع هذه القنوات تسعى جاهدة بكل ما اوتيت من مال ودهاء لتكسب القسم الأكبر من العيون الحائرة فيما ترى عبر شاشاتها وبالأخص الأطفال.‏

إنّ تغير موقع الصورة في الحياة اليومية وتموضعها في الثقافة المعاصرة قد كانت إلى عهد قريب تستمد شرعيتها من مقدرتها على إنتاج المعنى وإبراز الرمز أي إنها ظلت مرتبطة بما تمثله وبما تتضمنه من دلالة. لكنها أصبحت اليوم عرضة للتحوير والتعديل والتبديل إن لم نقل التضليل والفبركة. فلم تعد شهادة على واقعية ما تنقله ولا مرآة لما تعكسه في الواقع بعد ان تحولت إلى بناء يشارك فيه الطفل وهذا بالنظر إلى الوسائط التكنولوجية المتعددة التي تنتجها وتحمّلها وتخزنها على هذا الأساس يمكن النظر إلى واقع برامج التلفزيون الموجهة للطفل وآفاق تطورها.‏

إذا كان التلفزيون قد أحدث انقلاباً في علاقة الأطفال بالعالم لأن عالم الكبار كان مخفياً عليهم بهذا القدر أو ذاك قبل ميلاد التلفزيون وكان ينكشف لهم رويداً رويداً كلما تقدم بهم العمر فيمكن القول إن التكنولوجيا الرقمية قد أحدثت تغييراً كبيراً في علاقة الأطفال بالمادة السمعية- البصرية فبفضلها أصبح الأطفال يعيشون في سياق جديد أخذت فيه الصورة مكانة متميزة في ممارسة الترفيه والإعلام وطريقة تمثّل الواقع !. إن بيئة الطفل المعاصر لم تعد محصورة بين الأسرة والمدرسة والكتاب والتلفزيون إذ غمرتها الوسائط المتعددة فأغنت مصادر معلوماته وغزت خياله ووسّعت مداركه. وهنا تكمن الخشية من اتساع الهوة بين البرامج التلفزيونية الكلاسيكية الموجهة للأطفال فيما يتعلق بمضمونها وفلسفتها وجمهورها من الأطفال الذين صقلت ذوقهم الوسائط الإعلامية ذات الاستخدام الفردي وأثْرت معارفهم.‏

إن حرص مسؤولي القنوات التلفزيونية يكاد يختصر في دفع الإنتاج التلفزيوني الموجه للطفل سواء المحلي أو المستورد لمراعاة الجوانب السياسية والدينية أحياناً وبكل تأكيد فإن هذا الحرص جيد وإن كان البعض يراه ناقصاً لكن حبذا لو تعدى الحرص ذاته إلى نوع المنتج التلفزيوني وبعده النفسي والتربوي وشكله التعبيري ومضمونه الفكري والثقافي ووقت برمجته وأشكال تفاعل الأطفال معه.‏

رغم أن التجربة العالمية برهنت على أن أفلام الكارتون ليست المرادف اليتيم لبرامج الأطفال التلفزيونية إلا أن القسم الأكبر منها في القنوات التلفزيونية العربية انحصر في هذه الرسوم وهذا ما يفسر أن الميزانيات المتواضعة التي تخصصها القنوات التلفزيونية لبرامج الأطفال يبتلعها شراء الرسوم المتحركة والمدبلجة.‏

وبالرغم من أن بعض الدول العربية خاضت تجربة الرسوم المتحركة منذ الأربعينيات إلا أن القنوات التلفزيونية لم تستطع أن تلبي ما تحتاجه في هذا المجال حيث بقيت تعتمد على الرسوم المتحركة اليابانية والكورية والأمريكية وبعض ما أنتج من رسوم متحركة محلية لا تمت بصلة لهذا الفن الجميل .‏

لقد حاولت بعض القنوات التلفزيونية العربية أن تقدم البديل لهذين النموذجين من الرسوم المتحركة / ابن الغابة ، مغامرات سندباد ، حي بن يقظان، الجرة، حكاية من الشرق/ وغيرها لكنها بقيت قاصرة لأسباب عديدة نذكر منها :‏

- بعض أفلام الكرتون التي تطمح للقيام بدور تربوي تسقط في الأساليب المدرسية إذ تجعل من البرامج التلفزيونية الموجهة للأطفال عبارة عن امتداد ساذج للقسم الدراسي أي معلومات مسبقة الصنع - لغة جافة - وبهذا لا تبتعد عن الأسلوب الذي انتهجه التلفزيون التربوي في الخمسينيات مما يقلل من فرصتها في منافسة برامج الأطفال في التلفزيونات الأجنبية التي تستمد قوتها من الشكل والأسلوب.‏

- ارتفاع كلفة إنتاج أفلام الكارتون لأن القنوات التلفزيونية والتجارية تحديداً تفضل شراء أفلام الكارتون الأجنبية بسعر زهيد إن امكن .‏

لعل هذه الحقيقة هي التي أجبرت الكثير من مؤسسات الإنتاج التلفزيوني الخاصة على الاكتفاء بدبلجة الرسوم المتحركة المستوردة وتقديمها وجبة جاهزة لشراهة عين الطفل البريئة ..!!‏