2013/09/29

 

لؤي ماجد سلمان – تشرين

 

 

يقول أفلاطون: «في نفسك يكمن دافع للعب دور المهرج, وهو دافع كبحتَهُ في دخيلتكَ, لخشيتكَ المعقولة من أن تصبح مهرجاً, لكنك الآن أرخيتَ له العنان,

فبتشجيعك وقاحته على المسرح, قد تنجرف إلى لعب دور المُضحك في حياتك الخاصة». طبعاً لم يقصد صاحب «الجمهورية الفاضلة» بكلامه هذا المتقدمين لامتحان قبول قسم التمثيل في المعهد العالي كل عام, وهم تالياً لم يكن في نيتهم أن يعيشوا دور ذلك المُضحك لعدة سنوات متلاحقة, حتى إعلان المعهد لإشارة العمر الحمراء التي تحتم على الراغبين في التقدم ألا يتجاوزوا الثانية والعشرين من عمرهم بغض النظر عما يمتلكون من مواهب, أو قناعاتهم في الانتساب لمعهد الفنون المسرحية؛ فكعادة كل عام يبدأ التحضير لامتحان القبول في معهد الفنون المسرحية؛ فيباشر أصحاب المواهب وعشاق الدراما التلفزيونية لا المسرحية التحضير, وإعداد العدة للمثول أمام لجنة المحكّمين المختارين لانتقاء طلاب يزعمون أنهم يعشقون فنون المسرح وكل أنواع الأخشاب كرمى لعيون شكسبير, إذ نجد مئات المتقدمين يسنون أسنانهم للنجومية التلفزيونية بينما هم يتقدمون لدراسة «أبي الفنون» ماثلين أمام اللجنة الفاحصة, مع معرفتهم السابقة بأن العدد المطلوب قليل جداً ومحدود ولن يستوعب طموحاتهم وأحلامهم.

لكن على أي أساس يتم انتقاء المتقدمين؟ على أساس الموهبة أو على أساسات أخرى تفرضها كل لجنة بتصرف, فبعض الطلاب يسقطون سهواً في امتحان القبول بحجة أنهم «جاهزون» لديهم القدرة على أداء مشاهد تمثيلية ونصوص شعرية وأتيودات إيمائية, وليسوا بحاجة إلى المعهد المسرحي وسنواته الأربع, غير أن الخبرة التي يمتلكونها تحتم عليهم ترك الفرصة لمن هم بحاجة للتمرين والتدريب والتعلم ومن تنقصهم هذه الخبرات, والبعض الآخر ترفضه اللجنة لأنه لا يمتلك أي موهبة أو معرفة بفن المسرح, أو أنه غير جاهز بما يكفي ليكون تلميذاً نجيباً في المعهد, وينبغي أن تكون الأفضلية للمتقدمين الموهوبين؛ معادلة لم يفهمها المتقدمون طوال السنوات الماضية؛ وحتى هذا العام الذي زعم فيه القائمون على امتحان القبول, تمتعهم بالموضوعية والشفافية في اختيار طلابهم.

من ناحية ثانية إن لم نستطع فهم الأسس التي يتم على أساسها قبول الراغبين في دخول المعهد, وإن كانت هذه النظم حسب النظرية التي أقام عليها ستانسلافكي منهجه في فن التمثيل, أو حسبما قدمته رائعة «سيت كاز» أو ملحمة «كل شي ماشي» ولاسيما بعد أن حددت إدارة المعهد الموضوعات والنصوص المسرحية التي يجب على كل متقدم أن يطلع عليها, لكن الأسئلة وللأسف أثناء الاختبار لم تتعلق بما حددته الإدارة للمتسابقين بما فيها عدم الطلب من البعض إلقاء النص الشعري الذي فُرض عليهم كما فرض على الذين من قبلهم؟! فهل يمكن أن نعرف كيف يتم تحديد أعضاء لجنة «المحلفين» وعلى أي أسس, وهل يعي أعضاء لجنة التحكيم- خاصة المحللين النفسيين والسياسيين منهم - أصول الترفيه والمتعة المرتبطة بالمسرح, وطبيعة العرض والأداء والاستعراض المسرحي؟! خاصة أن أحد أعضاء اللجنة كان يحرص على الدخول في نقاش سياسي خارج السياق المسرحي والدرامي مع بعض المتقدمين, وكأن المتقدمين يطلبون الانضمام لبعض الأحزاب السياسية لا للمعهد العالي الفنون المسرحية.!.

 

بين اللجنة والمتقدمين كالعادة لم يُظلم إلا المسرح, فلا المتقدمون أحفاد «هاملت» و«عطيل» و«أكاكي أكاكيفيتش» وعشقهم للمسرح في معظمهم ادعاء محض, ولا اللجنة قادرة على التحكم باختياراتها, أو انتقاء الأفضل لكراسي المعهد مادام الجاهز لا يصلح, والتفصيل ينقصه الكثير, وفي حال تخريج أي دفعة لن يلزمهم المعهد بأداء الفن المسرحي بشكل خاص, ولن يستطيع منعهم من المشاركة في أي عمل درامي إلا خلال الأعوام الأولى من الدراسة, كما جاء حسب شروط القبول, لكن إن أردنا إنصاف المسرح وبعض المتقدمين نسأل إدارة المعهد لماذا لا يتم افتتاح قسم خاص بالدراما عوضاً عن المسرح, وإلزام كل اختصاص في العمل ضمن مجال دراسته؟ لنشاهد عندها الفرق بين عدد المتقدمين للدراما التلفزيونية, ومن همه مسارح بلاده المهجورة, ومن همهُ أن يصير نجماً في مسلسلات «طاش ما طاش» السورية! أو أقله إلزام خريجي المعهد بالعمل في الفن المسرحي لعدد معين من الأعمال المسرحية قبل التحليق الصاروخي نحو شاشة التلفزيون, لنضمن على الأقل استمرار هذا الفن في تاريخنا المعاصر, ومشاهدة وجوههم الجديدة في عشرات العروض المسرحية كما نشاهدها في مئات الأعمال الدرامية المخصصة للشاشة الفضية وفضائيات العالم العربي.

يبقى السؤال الأهم برسم وزارة الثقافة ومعاهدها؛ فلماذا يتم قبول مئات الطلاب للمسابقة كل عام إن كان غير مخصص أكثر من عشرين مقعداً لقسم التمثيل؟ وهل تكفي عشر دقائق لكشف الموهبة الدرامية عند المتقدم سواء في الحوار, أو التواصل عبر الفعل, وأفعال الخلق الإبداعي عموماً؟! ربما لم يمر في بال بعض أعضاء اللجنة أن المسرح فعل معرفة, إدراك, تخيل, اتصال, ولا تكفي هذه المدة حتى للتعرف أو التخيل, حيث يحدد الآخر بثقة الخارق والبطل الملحمي الأسطوري الموهبة بنظرة واحدة من يصلح للدراسة ومن لا يصلح. أخيراً من حق اللجنة ألا يعنيها ما عاشه كل متسابق من صراعات بين الرغبة والحلم والقلق, بدءاً من التحضير والتدريب والإعداد الوجداني والتأمل والتركيز العميق من أجل تثبيت الذهن والجسد في موضع يستطيع من خلاله المتسابق الاستحواذ على رضا أعضاء اللجنة, لكن من حق المتقدم على لجنة المحلفين ألا يعيش دقائق الحلم بين التهكم والسخرية, وكأنه مجرد مشهد في تلفزيون الواقع؛ كأنه أمام لجنة «العرب آيدول». ربما يكون المعهد العالي للفنون المسرحية من المؤسسات المحافظة على التقاليد الدارجة, وعدم خلع الأقنعة, إذ يجب علينا الانتظار فقط حتى يُقذف إلينا بدفعة جديدة سيئة من وجوه الدراما التلفزيونية المولودين من خاصرة المعهد العالي للفنون المسرحية, والمتمسكين بشهادته كجواز عبور إلى التلفزيون ومسلسلات «كوميديا اللايت, وزنود الست» لننعم بجرعات من السطحية والسماجة, متناسين مراحل التدريب والتعلم والثقافة والاطلاع.. في النهاية مبارك لعشاق الدراما وأصحاب الحظوة, وحظاً أوفر لعشاق المسرح الحالمين بلجنة كان يترأسها الراحل صلحي الوادي، ومن حوله الراحل الكبير غازي الخالدي، والراحل الكبير ممدوح عدوان، والمغيبة حنان قصاب حسن، والمغيبة نائلة الأطرش، والغائب العالمي غسان مسعود، والمغيب غسان جباعي! فالمتسابقون كانوا أمام لجنة من رئاسة عضو مجلس شعب ونجم ومن نجوم الولادة من الخاصرة! فطوبى أيضاً لعشاق المسلسلات بسنةٍ دراسية للمسرح، طوبى لكل من قفز وقفز أمام لجنة «العرب الآيدول» ولم يرَ اسمه في عداد المفقودين والمخطوفين تلفزيونياً..!