2013/10/03

درامـــا 2013.. المشهــد الـــدرامي الثـوابـت والمتغيـرات
درامـــا 2013.. المشهــد الـــدرامي الثـوابـت والمتغيـرات

 

أحمد علي هلال – البعث

 

 

ليست الأسئلة ذاتها بحكم متغيرات الواقع تلك التي يطرحها المتلقي بحثاً عن إجاباتٍ جديدة دون أن تتجاوز جوهرها فيما يتصل بمدى افتراقها أو تماثلها عن دراما الموسم الماضي ودون تجاوز خصوصية المناخ الذي أنتجت فيه.

أسئلة كثيرة فرضتها وقائع المشهد الدرامي السوري على تنوعه وتعدده فيما يتصل بهاجس إرضاء المشاهد.

 لكن واقع الحال على الرغم من هذا التنوع والتعدد المقصود لا يشي بأن الأمور في مستوى الاستقبال النقدي جاءت مستوفيةً لشرطي المتعة والمعرفة وانجاز دراما تتجاوز في معظمها الواقع ومعطياته لتنتج "واقعاً درامياً" مختلفاً يرقى بأسئلة ثقافة الدراما من حيث استنهاض الرؤية والأدوات، لا تعويضٌ عن الواقع وأزماته لا سيما ما يتصل بالأزمة الراهنة وسبل المقاربات الدرامية لهذه الأزمة، وعلينا أن نتساءل في ظل هذه المعطيات التي ترهص بالإنجاز على مستوى اللحظة الدرامية وانعطافاتها، ترى هل غيرت الدراما موضعة المتلقي –المتفرج- وهل أعادت إنتاج صورة الدراما الماضية وهل تغير مفهوم الواقع ليس بالمعنى الانعكاسي طبعاً، ومن ثم هل توغلت مساحات النقد الدرامي في أعماق النصوص والرؤى الإخراجية.

لعل صورة الدراما الواقعية التي حاولت مقاربة الحدث السياسي اليومي وما بعد اليومي وتجلياته الإنسانية كانت الأقرب للسجال، هكذا يرى بعضهم أما البعض الآخر فهو يذهب إلى أن معادلة الجرأة جاءت منقوصة بل وفاضت باللا مألوف خارج منظومة الشرط الدرامي الفني، ولا يمكن هنا بطبيعة الحال أن يسقط الأمر على مطلق عمل بعينه ما لم يكن هذا العمل في إطار منظومةٍ دراميةٍ تسعى جهدها ليس لاسترضاء المتلقي فحسب بل استنهاضه بالمختلف الواسع الآفاق والعميق الرؤية بوصف درامانا صناعة وطنية بامتياز من شأنها أن لا تبقى أسيرة الشرط الإنتاجي ومتعالياته.

 قليلةٌ هي الأعمال إذن التي ظلت في حيزها تناوش الواقع وتذهب إليه برؤية لا إعادة إنتاج للواقع نفسه وعلى سبيل المثال "مسلسل حائرات، وسنعود بعد قليل، وتحت سماء الوطن"  هذه الأعمال التي فتحت فضاءاتها الدرامية على واقع ومتخيل في آن معاً للمشاهد، وقد نجت هذه الأعمال على الأقل من أن لا تعيد إنتاج الواقع كما هو لأن الدراما في حقيقتها هي معادلة إبداع خارج النسق السائد وخارج الصورة النمطية التي يتحفنا بها الواقع، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن بقية الأعمال ومنها الكوميدي قد نجت بثيماتها الفنية من أن تخلق لها شرط إبداع ينطبق عليها مفهوم إعادة الإنتاج وعدم تجاوز ما أنتج مثلها ونقصد هنا أن العمل الدرامي "حدود شقيقة" لم يفترق عن عمل سابق "الخربة" في الكثير من التمثلات والمعطيات مع افتراق نسبي في مقولة العمل فهل المطلوب من الدراما في الحيز الكوميدي أن تكون صور مستنسخة عن بعضها البعض ولا تُعمل رؤية الإخراج عملها لتنقذ العمل من التنميط والرتابة وسرعة استحضار السابق.

فقد نتفهم في هذا السياق الحاجة إلى الترفيه كما الحاجة إلى الخروج من الجدية الخطرة التي فرضتها أعمالٌ مثل "الولادة من الخاصرة، منبر الموتى" للكاتب سامر رضوان، لكننا لا نتفهم إن ذهبنا إلى النقد أن الجرأة ومعادلات اجتراح اللغة البصرية لمقاربة واقع بعينه أصبحت نمطاً جديداً، ولا يملي على المتلقي استنهاضاً ما أو تحفيزاً باتجاه تفحص ما آلت إليه الأمور، فالكم الكبير من جرعات العنف والتخييل المفرط شكل عبئاً على العمل ومعه برز تساؤل بريء أين يجري هذا العمل في المخيلة أم في الواقع ونحن هنا لسنا بصدد مصادرة ما يبذله دراميونا من محاولات شاقة للنهوض بواقعنا الدرامي ليس على قاعدة التماثل مع الواقع أو الذهاب بعيداً عنه بل لإنتاج واقعٍ درامي كما قلنا أكثر كفاءة بصرية وسردية وفكرية متوازنة تعود بالفائدة على المتلقي ولا تنفيه خارج العرض ليغترب أو يشتق أسئلة غريبة، كما هو الحال مع الدراما التي اصطلح على تسميتها بدراما البيئة الشامية وعلى الرغم من عدم دقة هذا المصطلح إلا أن الأعمال التي قدمت في دراما رمضان 2013، سعت إلى قدر الإمكان إلى تحرير مفهوم الحارة الشامية مما علق بها من ثوابت ليست لصالح مقولة العمل والشخصيات والتقنيات الفنية وعلى سبيل المثال هنا "زمن البرغوث" في الجزء الثاني كان أقرب للرؤية التي أعادت إنتاج العمل بما يستقيم مع توتر الحكاية وذهابها إلى مديات أوسع وانتباهها إلى الشخصية الدرامية بعيداً عن نمذجتها. وإن استدخلت التاريخ وهي بدأت بزمن افتراضي عام 1915، لا لكي يكون ذريعةً درامية فحسب بل ليكون منصة جديدة تستبطن المعاصرة وتعيد القراءة داخل وخارج السياق لتنتج مقولتها في بناء الشخصية الدرامية وفي خلق المعادل الفكري لأزمة إنساننا المعاصر يصدق بعض هذا الكلام على عملين لا فتين أيضاً هما "قمر شام وياسمين عتيق".

هذه الأعمال انطلقت من رؤية وخصوصية ما نحتاج لكي نتجاوز في أسئلتنا السائد المعمم كما في غالبية النسخ الماضية من الدراما، ومن هنا فإن استنهاض أسئلة النقد الدرامي لا ينبغي لها أن تكون سابقةً على النصوص والرؤى الإخراجية بمعنى أن نذهب إلى تكاملٍ ما مع ما يجعل هذه الدراما على منصة تشريح موضوعي لا يحتفي بالمنجز فيها، ولا يبخس حق جهدٍ استثنائي في لحظة عاصفة لأن الصورة الدرامية هي في صيرورة مستمرة، وهذا لا يعفي أن بعض ما أنجز منها تجاوز في مغامرته البصرية لا سيما على مستوى الثيمات ومنها الفضاءت الاجتماعية "مفاهيم الخيانة الزوجية" ودينامية العلاقات الاجتماعية المتشظية في واقعها وآمالها ومستقبلها، بل قدم رؤية سنختلف عليها كثيراً ولا يشفع نبل قضيةٍ ما هدر كثافة جماليةٍ من الضروري أن تكون في مطلق عملٍ لغايات بنائية ورؤيوية وفنية.