2013/11/01

برنامج «فوق الأرض تحت السما»
برنامج «فوق الأرض تحت السما»

 

 

سامر محمد إسماعيل – تشرين

 

 

 

لافت وجذاب ما تقدمه الإعلامية الشابة نعمة يوسف علي في «فوق الأرض تحت السما» البرنامج الذي تبثه الفضائية السورية يشكل علامة فارقة في إعداد وتقديم وتصوير البرامج التي تُعنى بصياغة خطاب إعلامي معاصر،

بعيد عن خشبية البرامج السياحية التقليدية، فكاميرا المخرج قصي داؤد تبدو في أعلى حساسيتها عندما تنتقل مع رحلات المسير التي يقطعها فريق برنامجه مع فرق الكشافة؛ صبايا وشباب سوريون يجولون بفطرية حبهم وفضولهم ورغبتهم بالحياة في أرجاء غابات وجبال ووديان الساحل السوري، ممتشقين كاميراتهم الشخصية وخرائطهم وحقائبهم. هنا الرحلة تكتمل بصريتها، تكتمل زوايا الرؤية، لتقطع العدسة مسافة الحلم الصغير، حلم الحياة، الإصرار عليها؛ تفادي الفاجعة وترقب الأجمل؛ هنا أيضاً لا مقدمات ولا استهلالات على غرار «البلد بلدك يا سيدي» لا فصاحات إنكليزية أو فرنسية، فهاهم أهل البلد، أناسها الطيبون يواصلون مسيرهم النهاري أو الليلي، فيهبطون مغارات سحيقة في قلب جبال طرطوس واللاذقية، يدرسون خطواتهم في ظلال الغابة الوارفة، يجوبون أنهاراً ويلجون أدغال المنظر، يتفرجون ونتفرج معهم على سحر الطبيعة وجلالتها، على الأخضر المنثور في كل كادر تأخذه كاميرا «فوق الأرض تحت السما».

الحلقة التي عرضتها الفضائية مؤخراً كانت خاصة بجزيرة أرواد، قلعتها وسورها الفينيقي، مراكب صياديها، متحفها العريق، إطلالاتها الشامخة فوق بحر المتوسط، مطاعمها وبشرها الطيبي القلب، دهاليز حاراتها القديمة، رائحة الزبد المتغلغلة في ملامح أطفالها الصغار يتراكضون في أسواق أرواد، يبتسمون للكاميرا، يتهامسون ويلعبون أمامها، هنا أيضاً تبرز نعمة يوسف علي كمقدمة شابة، تتقصى المكان، تصفه تصغي لسكانه، فتتبعها الكاميرا من معلمٍ إلى آخر، من حافة حصن إلى أحضان غابة، من صناع السفن السورية إلى براح الأمكنة، فلا شيء يصح إهماله، أو غض البصر عنه، إن كل شيء يبدو في الصورة التلفزيونية جديداً في وقوع عين الكاميرا على تفاصيله؛ كل شيء يبدو مباغتاً وطفلاً وجديداً وشائقاً.

« فوق الأرض تحت السما» عنوان ذكي وبسيط لاسم برنامج تجدر متابعته، لاسيما في حلقاته الأولى التي ركزت على فرق من الشباب السوري الذي يخوض تجارب لافتة على مستوى فن العيش، وتقديس الحياة، وملامسة الأرض انفعالياً عبر دراسة الطبيعة، وتقصي ملامحها الجيولوجية، تضاريسها، وعادات سكانها، نباتاتها، حيواناتها، حشراتها السحرية، صخورها وينابيعها الدفينة في أعماق الجبال الساحلية؛ شريط من الرحلات المرحة يمرره مخرج البرنامج، بغية اقتفاء الأثر الحضاري، والتنوع الطبيعي في مناطق تراها عين المشاهد للمرة الأولى، لتعكس قيمة وثراء المواقع السياحية في سورية، من دون أن يكون ذلك على حساب تحويل المادة المصورة إلى إعلانات ترويجية، بقدر ما هي خبرة جديدة للعين، ودربة على البحث في مجاهيل المشهد الأخضر المترامي الأطراف؛ لنكون مع نزهة المشتاق إلى بلد، نزهة لا تملها العين، ولا تجد فيها فظاظة التقديم التلفزيوني وغلاظة أسئلته المكرورة، على العكس، بل تلعب نعمة يوسف علي على تحرير أسئلتها وجعلها أسئلةً بسيطة وذكية ووافية لشرح مجريات الرحلة، والتنقل معها من مرحلة إلى مرحلة عبر سفر الأمكنة وخصوصيتها الجمالية، وقدرتها على لعب دور البطولة أمام كاميرا الفضائية، ولذلك لا تنضب المشاوير، ولا تفتر همة القائمين على البرنامج، بل تتخلص نهائياً من تصاميم الاستوديوهات المغلقة في بناء الهيئة العامة للتلفزيون، خارجةً إلى فسحة السماء وبساط الأرض. ليس هذا وحسب بل نشاهد جيلاً جديداً من الإعلاميات السوريات القادرات على تغيير التصور عن شخصية مقدم البرامج في الإعلام الوطني، صورة تدفع المشاهد إلى متابعة الرحلة والتشوق إلى خوضها مع فرق المشي والمسير الليلي، عن حياة مخيمات الكشافة، ولهفة المغامرة في تسلق جبل، أو السباحة في نهر، أو قطع جسر خشبي على جبل يصل بين ضفتي نهر، أو طرفي منحدر، وأيضاً الكاميرا لا تتخلف هنا عن الركب، بل تطلق قريحتها للعب والتحدث عن تاريخ المكان، صناعاته وحرفه الشعبية، والأهم اختراعه من جديد بعين الحب.