2014/01/18

على المسرح مع الراحلين شوشو وزياد مكوك
على المسرح مع الراحلين شوشو وزياد مكوك

 

سناء الخوري- السفير

 

 

 

كانت أماليا أبي صالح مهتمّة بمتابعة المسلسلات التركيّة. تمضي وقتها على الأريكة، وجهاً لوجه مع الشاشة، من حولها أولادها وأحفادها. تواصل حياتها بشكل «طبيعي»، وتبحث مع بعض المقرّبين عن مستشفى يستقبلها لاستكمال علاجها. ماذا كان مرض أماليا؟ آلمها جسدها في مواضع عدّة، لكنّها بقيت تحلم بالعودة إلى المسرح، والشاشة. تستمتع بمتابعة أدوار الممثلين الذين يجايلونها في المسلسلات التركيّة، وتسخر من كون «كبيرات السنّ انقرضن من لبنان، لذلك لا نجد دوراً لسيّدة فوق العشرين في الدراما اللبنانيّة».

لم يكن لأماليا مكان على الشاشة رغم عطاءاتها وموهبتها، إذ أنّها واظبت على رفض أدوار «الناصحة الغبيّة». وكان ذلك الاستبعاد المقنّع يؤلمهــا أكثر من يدها شبه المشلولة، وأكثر من جراحة القلب المفتــوح، وأكــثر من مضاعفات السكري، وأكثر من الالتهاب الرئوي.

لم يكن لأماليا مكان في المستشفيات أيضاً. بعد الوعكة الصحيّة الأخيرة التي ألمّت بها ليلة رأس السنة 2014، رفض أحد المستشفيات استقبالها لـ «عدم وجود سرير شاغر». ورفض مستشفى آخر معالجتها لـ«عدم تعاونها مع الضمان». الجميع أعلنوا عن حبّهم لأماليا أبي صالح في وداعها أمس. لكنّ أماليا لم تكن تريد منّا أنّ نحبّها. الحبّ لا يكفي أحياناً. عطاءات تلك السيّدة المبتسمة دوماً، كانت تستحقّ بعض الاحترام. وإهمال حالتها الصحيّة المتدهورة منذ سنوات، على مرأىً من وسائل الإعلام والدولة ونقابة الفنانين، كان فيه الكثير من قلّة الاحترام.

لا نعرف ما هي تلك اللعنة التي حلّت على نجوم «مسرح شوشو». جميعهم رحلوا/يرحلون في ظروف مشابهة، نتيجة إهمال بات مكرّساً بشكل مستفزّ. ومع رحيل كلّ رمز من رموز العصر الذهبي للمسرح اللبناني الشعبي في الستينيات، نحتجّ على أحوالهم المعيشية الصعبة، بنبرة الغضب. لا نتذكّر أبطالاً صنعوا لنا ذاكرة غنيّة على المسرح والتلفزيون، إلا بعد بعد فوات الأوان. وذلك ما حصل بعد رحيل زياد مكوك (2010)، وابراهيم مرعشلي (2004)، وماجد أفيوني (2003)، وآخرين، وما يحصل الآن مع غياب أماليا.. كأنّها لعنة، تضرب ذلك الصنف من الفنانين الأصيلين، ممن آمنوا بالفنّ لدرجة نسوا أنفسهم، ونسوا التفكير بيومهم الأسود. لعنة حلّت مع رحيل شوشو تزامناً مع بداية الحرب الأهليّة العام 1975، فلم يشهد تدمير ما بناه على الخشبة، ولم يعرف ما حلّ برفاق دربه.

كانت أماليا أبي صالح تعرف حكايات تستحقّ أن توثّق. فـ«بدور» التي بدأت حياتها المهنيّة راقصة، كانت تجد سعادتها الخالصة، في سرد مغامراتها مع فريال كريم، وصباح، ونيللي، وبديعة مصابني، وشوشو، ومحمد عبد الوهاب الذي لقبّها «شربات». تروي قصصهم، ولحظات ضعفهم، ومواقف طريفة جمعتها بهم. وكانت تستعيد مع صديقها الوحيد أبو سليم، أيّام كانا نجمين، يتحلّق حولهما المعجبون. لم تكن أماليا فنــانة فحــسب، بل دفــتر ذكريات يختزن مشاهد من مرحلة جميلة في عمر التلفزيون والمسرح في لبنان. رغم الحزن الذي غمر عينيها بعد المرض، إلا أنّ نُكتتها بقيت حاضرة، وربما كانت ستنجح في تقديم برنامج كوميدي جماهيري، لو أتيح لها البقاء بيننا.. لكنّها ترحل، كنتيجة واقعيّة للاهتراء الشامل الذي يقضم في كلّ يوم، أحد احتمالات الفرح المتبقية.