2014/01/23

المخرج سمير حسين
المخرج سمير حسين

 

مجلة لها

 

 

سمير حسين مخرج تحدّى ذاته عبر ما قدّم من أعمال لامست أوجاع الناس وقضاياهم، آمالهم وآلامهم، فأثبت مقدرته على ولوج الأماكن الصعبة بروح راقية.

عرفه الجمهور مخرجاً متميّزاً يحمل في داخله لواعجه الإنسانية ورؤاه الإبداعية ليبثها عبر حنايا كاميرته التي استطاع من خلالها أن يحفر لنفسه مكاناً متقدماً بين المخرجين الكبار في سورية، فقدّم مشهدية بصرية ترقى بذائقة المتلقي دون أن تتعالى عليه وتسعى للأخذ بالعمل الدرامي نحو أفق أبعد وأرحب.

تصدى المخرج سمير حسين هذا الموسم لإخراج مسلسل «حائرات» وهو عمل درامي معاصر يحمل خصوصيته من خلال قراءته لتداعيات الأزمة في سورية على الناس، متناولاً هذا الموضوع الشائك من وجهة نظر اجتماعية بعيداً عن السياسة، منتصراً للإنسان العادي من خلال طرح حكاية مجموعة من النساء راصداً حياتهن وهمومهن، مناقشاً وضع كل منهن وسط الأزمة التي تعيشها سورية حالياً وانعكاسها على حياتهن.

عن جديده وحول قضايا فنية ودرامية أخرى كان لنا معه هذا اللقاء.

 

- سبق أن قلت إن الأزمة التي تعصف بسورية تلقي بظلالها على العمل، فبأي معنى، وإلى أي مدى انعكست الأزمة على حياة شخصيات المسلسل؟

 

بعد قراءة نص العمل اجتمعت مع الكاتب أسامة كوكش ومديرة مؤسسة الإنتاج السيدة ديانا جبور وقلت إن النص يقدّم دراما تعود إلى عام 2010 وليس 2013، بمعنى أن الشخصيات تعيش وتتحرك وكأن شيئاً لم يكن، واقترحت أن يواكب المسلسل مجريات الأحداث التي نعيشها، فيكون الحامل السياسي والاجتماعي لما يحدث في البلد حاضراً.

وبالفعل عملت مع الكاتب لمدة شهرين ونصف الشهر في تعديل النص وإعادة صياغة العمل.

نقدّم حكاية ضمن مجتمع تعصف به أزمة حادة. وكانت مهمتي كفنان يقدّم عملاً اجتماعياً وليس سياسياً أن تكون الظروف المحيطة حاضرة بقوة، بمعنى أن تنعكس مفرزات الأزمة وتأثيراتها على تحرّك الشخصيات.

فعلى سبيل المثال هناك صوت القصف، أزمة السير والخبز والغاز، الكهرباء المقطوعة، الموظفون الذين يتأخرون عن عملهم أو لا يأتون لدواعٍ لها علاقة بالظرف، وهناك سائق على الطريق يستشهد بطلقة طائشة لم يُعرف من أين أتت، التهجير من منطقة إلى أخرى، كما أن إحدى الشخصيات تُخطف مقابل فدية.

- هناك من يضع الحجة بأن الحدث في سورية لم ينضج بعد ليتم تقديمه في عمل درامي؟

لم ينضج سياسياً، ولكننا لا نقدّم وجهة نظر سياسية وإنما اجتماعية، وأنا ضد أن يقدّم اليوم عمل يقف مع جانب ضد آخر، ولكني مع عمل يجمع البلد.

فنحن موجودون في سورية ولم نغادر لأننا نحب هذا البلد، وسنتابع تقديم نتاجنا بكل موضوعية وصدق وطهارة، دون أن نسيء إلى أحد، وهذا ما أؤمن به حتى من خلال أعمالي السابقة، أي أن أقدم ما هو نظيف وصادق وخالٍ من الشتائم والفضائح وإثارة غريزة المشاهد.

 

صعوبة اختيار الممثلين

 

- هل واجهت صعوبة في اختيار الممثلين؟

بالطبع واجهتنا مجموعة من الصعوبات في اختيار الممثلين بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، فهناك عدد من الفنانين سافروا إلى الخارج، وعدد آخر عادوا إلى محافظاتهم، وباتت الاختيارات محصورة ومحدودة إلى حد ما بالأسماء المتوافرة.

لكني أرى أنه ضمن المعطيات التي نمرّ بها فمن الإيجابي أن هناك أشخاصاً لا يزالون موجودين ويعملون في الظروف التي نعمل فيها كلنا.

- هناك أعمال تحاول التقاط اسم نجم لتضيفه إلى قائمتها بينما في عملك هناك العديد من النجوم، فما الذي يضيفه وجودهم؟ أهو للتسويق أم لحضورهم وأدائهم؟

أنا خارج إطار ما يسمى التسويق والتوزيع الذي كان يعاني أصلاً من صعوبات كبيرة حتى قبل الأزمة عندما كانت الأمور مستقرة، فما بالك بالظروف الراهنة؟ ورغم اعتقادي أن التسويق سيكون شبه مستحيل، فإن هناك حاجة ملحة لدى معظم المحطات العربية إلى وجود أعمال سورية لتميّزها ومتابعة شريحة هائلة من الجمهور العربي لها.

ومما لا شك فيه أن هناك عدداً من الفنانين لهم حضور عند الناس مما يساهم في جذب المشاهد، ولكن ينبغي الأخذ في الاعتبار المزاج والحالة النفسية عند الناس لمتابعة عمل درامي.

وفي ما يتعلق بي كمخرج فاستدعاء الاسماء المتوفرة من الفنانين له علاقة بالارتقاء بالنص، فعادة الفنان المجتهد والموهوب يضيف إلى المادة، حاله حال المخرج عندما يكون ذا ثقافة عالية وموهوباً فهو يضيف أيضاً إلى النص.

الممثل عامل أساسي في نجاح أي عمل أو فشله، تماماً كما النص الذي إن لم تتوافر فيه كل مقومات النجاح فسيفشل، وهذا يعود إلى أدوات المخرج وكم هو قادر على الارتقاء بالنص مع المجموعة الموجودة معه أو غير قادر على فعل ذلك وبالتالي جعل المادة أهم من الإخراج وربما الممثلين أيضاً.

- ألا يمكن النظر من زاوية إيجابية إلى غياب عدد من الفنانين المهمين في أن غيابهم يمنح الفرصة لوجوه أخرى قد تبرز وتحقق نجوميتها وفرادتها؟

ربما سيكون هذا الكلام صحيحاً عندما يكون البلد الذي تصنع فيه المنتج الفني في حالة استقرار، هذا أولاً، أما ثانياً والأهم فهو مزاج الناس والوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيشون فيه.

أتمنى أن ترى الأعمال القليلة التي تنتجها الدراما السورية الضوء، فقلة الأعمال وندرة التوزيع واحتمال قلة متابعتها قد تحجب ضوء الظهور عن أسماء مهمة كان يمكنها أن تحتل مكاناً بارزاً فيها، وذلك كله قد لا يساعد في ظهور أسماء جديدة.

 

حماية المنتج الدرامي

 

- كلامك فيه الكثير من التشاؤم كما أنك تتحدث عن مستقبل افتراضي، فرغم التراجع الكمّي للأعمال هناك عدد جيد منها يقدم حاليا في رمضان؟

سبق أن قلت إنه حتى في السنوات الماضية التي كانت تشهد استقراراً كان هناك صعوبة في توزيع العمل الدرامي السوري، هذه الدراما التي لم تحمِها الدولة، ومما لا شك فيه أنه كانت هناك محاولات لحمايتها، ولكن غابت المحاولات المفصلية الحاسمة في اتجاه حماية هذه الصناعة، فما بالك في هذا الظرف وبعدما أعلن عدد من المحطات استبعاد العمل السوري!

خلال السنتين الماضيتين هناك أعمال تاريخية انتجت وصنعت في سورية بتمويل محطات عربية (وإلى حد كبير بأجندات سياسية) فرؤوس الأموال التي كانت تضخ في صناعة العمل السوري لغايات ونيات سيئة كانت موجودة منذ سنوات طويلة وتم التنبيه والحديث عنها كثيراً ولم يتم فعل أي شيء تجاهها.

وللأسف لم يكن هناك نية جدية نحو حماية المنتج الفني السوري، وبقيت رؤوس الأموال هذه توجه عدداً من كتابنا ومخرجينا نحو صناعة وقولبة أعمال محددة تحمل من السم الشيء المرعب، كما شكّلت أعمال البيئة عودة بمئات الخطوات إلى الوراء في ما يتعلق بتركيبة مجتمعنا وجلبها لما هو ظلامي وابتعادها عن أي حالة تنويرية تحت مسمى «البيئة الشامية» التي كانت تحمل حكايات مسطّحة ساذجة تكرس العزلة والتفرقة والانغلاق. وللأسف استمرت هذه الأعمال أكثر من ذي قبل وتكاثرت.

وأيضاً هناك أعمال اجتماعية فيها من الاستخفاف والابتذال والتفاهة الشيء الكثير وتقدّم صورة المرأة السورية بطريقة غير محترمة.

كان من الممكن حماية المسلسل والمنتج الوطني بمبلغ ضئيل ومنع الأموال الخارجية من تفسيخ مجتمعنا عبر أعمالنا، فكان يمكن تعويض المنتجين بمبالغ وإن كانت قليلة لكن يمكنها حمايتهم، فالمحطات السورية الموجودة الخاصة والعامة في مجموعها لا تعيد إلى الجهة المنتجة 10 في المئة مما تدفعه، مما يجعل هذه الجهات مضطرة لأن تلهث وتستجدي أصحاب المحطات الأخرى وترضخ لمتطلباتهم.

وهذا ما ساهم إلى حد ما بالوصول إلى هذه الحالة، رغم أن الدراما السورية كانت تكتسح العالم العربي ولسنوات، فلماذا لم يتم توظيفها أو استغلالها ودعمها بشكل حقيقي؟

- كيف استطعت تأمين أماكن التصوير في ظل الظروف الحالية؟

مقومات صناعة المادة التي أخرجتها تتناسب إلى حد كبير مع الظرف الذي نعيشه، فمعظم مشاهد العمل تدور داخل بيوت، والجزء الخارجي موجود ضمن مدينة دمشق، أي أننا قادرون على صناعة أعمال ضمن هذا الظرف وبما يتناسب مع المعطيات القائمة

- كيف تصف التعامل مع المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي؟

هناك شجاعة من المؤسسة في الاستمرار في العمل بهذه الظروف، وبأنها ضمن هذه المعطيات قادرة على تقديم أعمال والحفاظ على الدراما السورية وعلى مستوى العمل السوري من حيث المضمون والقيمة الفنية. وما زالت المؤسسة تعمل ضمن الشروط التي كنا نعمل وفقها سابقاً، وهذا بحد ذاته انجاز كبير.

وأرى أنه ينبغي التعاون مع أي جهة تريد تقديم عمل نظيف حتى وإن كان بالشرط المالي الذي كان قائماً قبل سنتين، كما أن الشروط الموجودة في المؤسسة مريحة جداً ومهنية للغاية، فعلى سبيل المثال الفنان رشيد عساف الذي يقيم في دبي منذ سنوات وافق على الحضور إلى دمشق لتصوير دوره في العمل، وهذا أمر أحترمه جداً من فنان بوزنه.

- هناك جهات إنتاجية بما فيها المؤسسة العامة للإنتاج أقدمت على إنجاز أكثر من عمل في حين أن هناك شركات ترددت وأخرى أحجمت عن الانتاج في هذه الظروف، فكيف تقرأ هذا الواقع؟

معظم المنتجين هم خارج سورية الآن، والتخوّف من الوضع جعل كثيرين يترددون أو يحجمون عن الانتاج في سورية.

وأرى أن إصرار المؤسسة العامة للإنتاج على العمل مسألة إيجابية، لكنني لا أستطيع أن أكون حكماً في مسألة تشجيع أو عدم تشجيع منتج على تقديم عمل في ظل الضائقة الاقتصادية.

- هناك من وجدوا الحل في التصوير خارج سورية، فهل تؤثّر هذه الحالة سلباً أم أيجاباً على الدراما السورية؟

هذا يعتمد على مضمون المادة المكتوبة، ولكن بالمحصّلة أعتقد أنها خطوة إيجابية إذا كان هناك مادة محترمة لا تسيء إلى بلدي وتقدم خطوة نحو الأمام.

عموماً أعتقد أن من يقدمون على هذه الخطوة يكون لديهم ضمانات من محطات، فإن كان هناك من يصور في لبنان فهناك شراكة بين جهة سورية ومحطة لبنانية أو أكثر أو شراكة بين منتج سوري ومحطة خليجية، ولكن يبرز هنا سؤال، فإن كان العمل سورياً بالكامل ما الداعي أن يصوّر كله في لبنان أو الأردن أو الخليج؟

«أراوح منسية»

 

- ما سبب توقّف تصوير مسلسلك المصري «أرواح منسية»؟

قدّمت في السنة قبل الماضية مسلسلاً من جزءين بعنوان «دليلة والزيبق»، وهو خيال تاريخي. عرض الجزء الأول وقتها أما الثاني فعرض في رمضان الماضي، وكان عندي فرصة تقديم عمل في سورية ولكن لم يكن قد وصل إلى شكله النهائي في الوقت الذي عرض علي نص سوري أدهشني جداً كتبه الروائي نبيل ملحم وهو مأخوذ عن رواية مصرية وهناك جهة إنتاجية في مصر ستنتجه، فوافقت على إخراجه.

انطلقنا في تصوير مسلسل «أرواح منسية» في أيار/مايو 2012 وصورت ثلثيه تقريباً وبقي الثلث، ولكن بسبب ظروف اقتصادية لها علاقة بالشركة المنتجة، والظروف في مصر وظرفي بعدما استشهد لي أخان شابين، إضافة إلى ظروف صحية مررت بها نتيجة الخراب الذي يحدث، أرجئ العمل، إلى الشهر الثالث مع بدايات الربيع ومع نهاية مسلسل «حائرات».

- ما المفاصل الأساسية للعمل؟

المسلسل من بطولة الفنانين عزت العلايلي، صابرين، عبد الرحمن أبو زهرة، عايدة رياض، ومن سورية فمعنا الفنانين فراس ابراهيم، ومروة أحمد.

العمل إنساني بامتياز ويتحدث عن بعض الشخصيات التي تعيش في حياتنا وهي منسية. هؤلاء يعيشون فترة طويلة في نزل ستائره مغلقة، وكل مفردات المكان تعود إلى الستينات وأوائل السبعينات، وفجأة ضمن ما يحدث في مصر عام 2012 تبدأ تلك الشخصيات بالخروج لاكتشاف ما يجري حولها من جديد.

وتفتح ستائر النزل رويداً رويداً كما تفتح الأبواب وتبدأ الشخصيات عيش مخاض خاص جداً له علاقة بما يحدث في العالم العربي.