2014/02/02

ديانا جبور
ديانا جبور

 

تمام علي بركات – تشرين

 

 

تواظب الناقدة والإعلامية السورية على إدارة المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بروحٍ مسؤولة وطموحة، عاقدةً الأمل على كفاءات وكوادر شابة تعمل جنباً إلى جنب مع نجوم الدراما.

 

«تشرين» التقت السيدة ديانا جبور- المدير العام لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني وكان معها الحوار الآتي:

 

 أصدرتم مؤخراً بياناً عن مؤسسة الإنتاج الإذاعي و التلفزيوني، بأنكم ستقومون بإنتاج ست خماسيات لموسم 2014، هل يمكننا عدّ هذا النوع من الإنتاج خطوةً نحو كسر نمطية الثلاثين حلقة أم إن هناك توجهاً لمحاكاة تجربة مسلسل «صرخة روح» الذي حقق على الرغم من سطحيته وتعزيزه لثيمة الخيانة الزوجية رواجاً في سوق العرض؟

 أولاً أرجو أن تعفيني من تقييم تجربة الآخرين، أنا لا أحدد هويتي عبر نفي هوية الآخر، لنتفق على هذه المسلمة الشخصية بالنسبة لي بداية، لكن من دون شك هناك رغبة في كسر إيقاع الثلاثين حلقة، من دون إعلان القطيعة النهائية مع الصيغة الأكثر تداولاً في الأعمال الدرامية، فهذه الخماسيات سوف تُجمع في النهاية في ثلاثين حلقة تحت عنوان واحد وهو «الحب كله».

الفكرة الأساسية التي ألحت علينا لتبني فكرة الخماسيات سببها؛ هو كل هذا الحديث الدائر عن سلبيات المواطن السوري خلال الأزمة التي تعصف بالبلاد، كنوع من جلد الذات أو التطهر، وإلقاء المسؤولية بكاملها على الآخر، ما نريد أن نقوله من خلال هذه الخماسيات هو الآتي: رغم أن الحرب تُخرج أسوأ ما في بعض الناس من عيوب اجتماعية وعُقد نفسية شخصية كعادة الحروب في كل مكان وزمان، وتجعل من الغريزة بمعناها الضيق و تجلياتها الخاطئة تطفو على السطح؛ لكنها أيضاً تُخرج من البعض الآخر أجمل ما في داخلنا وأنبله. ما رأيناه حقيقةً خلال الأزمة الحالية هو وجود الكثير الكثير من السوريين الذين أثبتوا نبالة نفس منقطعة النظير، فما بدر منهم من تماسك وتعاطف وتعاضد هو أمر استثنائي حقا.هذه الخماسيات ستقدم المواطن السوري بنبله ووطنيته التي أدهشت العالم. ثانياً: لإيماني العميق بأهمية الدراما في توجيه الأمزجة، فهي وإن كانت انعكاساً حقيقياً للواقع، لكن الواقع في أحيان كثيرة هو الذي يعكس الدراما ويوجهها.

 نريد أن نعرف بدقة كيف تتعامل اليوم المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني؛ لكونها مؤسسة رسمية مع سوق العروض الرمضانية التابع في معظمه للمال الخليجي؛ ولاسيما أنكم في المؤسسة خرقتم الحصار المفروض على الإنتاج الدرامي الرسمي؛ بعد تسويقكم وتوزيعكم مسلسلاتكم لعدة فضائيات عربية؟

الحصار المضروب على منتجنا الدرامي السوري هو أمر واقع، وعلينا أن نتعامل معه وفق ظرفه الراهن، لكن باستطاعتي القول: إنه تم خرق هذا الجدار الأصمّ عبر الأعمال الدرامية السورية؛ بمستواها الفني الجيد والمتميز رغم الضغوط التي تتعرض لها كصناعة وطنية؛ الدراما السورية أثبتت وتثبت في كل موسم أن من يقاطعها يقاطع الدراما العربية الأهم، لا نستطيع أن نتجاهل أيضا أن السوق الدرامي محكوم بالعرض والطلب، و الإقبال الشعبي على متابعة درامانا جعل العديد من المحطات الفضائية التي قررت مقاطعتنا؛ تعيد نظرها في الموضوع؛ فهذا سوق في النهاية، وهناك أيضاً دور كبير للموزع الذي نعتمد عليه في بعض الأحيان للوصول للمحطات. سأخبرك شيئاً: أنا شخصياً لا مشكلة لديّ في هوية المحطة العارضة؛ ولا في توجهها السياسي و لا أضع (فيتو) على أي محطة عارضة، على العكس تماماً، كلما كانت المحطة أشد عِداءً لسورية وتعرض العمل السوري المصنوع وفق رؤيتنا وهويتنا وليس بناء على رغبات المحطة نفسها، فهذا أمر جيد للعمل ولسورية في آن معاً، للعمل من جهة تسويقه، و للبلد لما يضمُهُ العمل من رسائل نريد أن يطلع عليها المشاهد العربي في كل مكان. إذ نسعى أن تصل أعمالنا للمشاهد العربي باعتمادنا على سكتين متوازيتين: سكة العمل الجيد وسكة الموزع الشاطر؛ أو الوسيط، فنحن لا نستطيع السفر للترويج لأعمالنا بسبب الحصار المفروض علينا.

  علمنا أن المؤسسة لا تتعامل مع الفنانين وفق صيغة العقود؛ بل بإمضاء الفنان على تعهد؛ لماذا هذه الصيغة في التعامل التي بات الفنانون -خاصة النجوم منهم- يشتكون منها؛ ولاسيما أن العقد يضمن للفنان حقوقه وتأميناته؟

صيغة التعهد وليس العقد التي نعتمدها سببها أننا جهة رسمية «قطاع عام» والفنان السوري يدرك أن حقه لا يضيع أبداً مع الجهة الرسمية. القطاع العام لا يأكل حق الفنان ولا يُخِلّ بالتزاماته تجاهه، و الفنان بتعامله معنا يعرف أن حقه مضمون تماما.القطاع العام لا يتجاهل الدفعة الأخيرة مثلاً، ونحن هنا في مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني نضمن للفنان كل حقوقه بمجرد أن يعمل معنا، ولكن يبقى لنا أيضاً أن نضمن حقوقنا المترتبة عليه عند تعامله معنا، مثلاً في أحد الأعمال الدرامية وبعد أن تم إنجاز نصف العمل تقريباً، يخبرنا بطل العمل باعتذاره عن إكمال دوره!

العملة الصعبة

 بعض نجوم الصف الأول والثاني يشكون انخفاض أجورهم التي يأخذونها لقاء عملهم مع المؤسسة، ولاسيما بعد انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، ما أدى إلى انخفاض الأجور في المؤسسة أمام ما تدفعه الشركات الخاصة للعاملين معها. كيف تفسرين لنا ذلك؛ ولاسيما أنكم تدفعون أجوركم بالليرة وتقبضون ثمن أعمالكم بالعملة الصعبة؟

أولاً: نحن لا نقبض بالعملة الصعبة، المحطات التي تدفع لنا بالعملة الصعبة قليلة، وهي التي تتعامل معنا مباشرةً، دعنا لا ننسى أن حتى هذه المحطات لا تستطيع بحكم الحصار المفروض علينا، أن تحوّل لنا ثمن المسلسلات التي يشترونها منا بالعملة الصعبة؛ لدينا مشكلات عدة في موضوع التحويل المالي، وعلى الأغلب يحدث أن الموزع المعتمد هو الذي يدفع لنا هنا في سورية وبالليرة السورية. ثانياً: لا اعتقد أن الأجور التي تقدمها المؤسسة للفنانين هي أقل من القطاع الخاص بشكل عام طبعاً، ولكن الذي يحدث في القطاع الخاص؛ هو أنه يعتمد على نجم واحد ويدفع له أجراً كبيراً، ثم يبدأ بالتقتير مع بقية الفنانين، يدفع لهم أجورهم «بالقطارة» كما يقال. في المؤسسة لدينا استراتيجية مختلفة لها أبعاد اجتماعية و إنسانية، بمعنى أننا لا نريد أن نساهم في تكريس هذا البون الشاسع في الأجور بين ممثل الصف الأول وبقية الممثلين. بشكلٍ عام كتلة الأجور متساوية تقريباً، هذا إن لم تكن أعلى لدينا مما عند بعض شركات الإنتاج الخاصة؛ أما بالنسبة لمن يتقول بموضوع الأجور فالبيّنة على من ادعى، ليبيّن للصحافة وللرأي العام مقدار أجره في عمله مع القطاع الخاص، ولنقارنها مع أجور المؤسسة، أضف إلى ذلك أننا رفعنا الأجور بنسبة أربعين في المئة لعام 2014.

لسنا خصوماً لمديرية الإنتاج:

 لوحظ مؤخراً أن المؤسسة التي استطاعت استقطاب نصوص جيدة ونجوم الصف الأول من الممثلين والمخرجين؛ أفسحت الطريق مجدداً لمخرجين كانوا يعملون مع مديرية الإنتاج التلفزيوني ولاسيما أن المديرية عادت مؤخرا للإنتاج؛ فلماذا هذا النوع من الاستقطاب؟

 أولاً نحن ومديرية الإنتاج لسنا خصمين، نحن جهتان معنيتان بالإنتاج الدرامي. ثانياً: مديرية الإنتاج هي حقيقةً مختبر للكشف عن المواهب، وتالياً من أثبت موهبته في هذا المخبر يسرنا ويعنينا التعامل معه، فمثلاً نحن تعاونا لهذا الموسم مع المخرج علاء الدين كوكش؛ الفنان الذي يعد واحداً من أعمدة الدراما السورية، مع الإشارة إلى أن الأستاذ «كوكش» متقاعد من مديرية الإنتاج؛ ما يعنينا هو التعامل مع الموهبة القيّمة بغض النظر إن كانت تعمل لحساب هذه الجهة أو غيرها.

المؤسسة ذات طابع ربحي فهل يمكننا الاطلاع على الأعمال التي تم تسويقها في الموسم الماضي ومدى ما تم تحقيقه من أرباح حقيقية لمصلحة خزينة المؤسسة؟

بشفافية سأقول: المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ليست مؤسسة رابحة حتى هذه اللحظة، لكنها تؤمّن دخلاً وعائداً جيداً من توزيعها مقارنة مع بقية المؤسسات الاقتصادية الموازية، أمر مهم آخر لا بد من ذكره: العديد من الأعمال التي أنتجتها وتنتجها المؤسسة هدفها فكري وتنويري، وهذا النوع من الأعمال لا يكون هدفه ربحياً في المقام الأول، رغم أننا نهدف إلى تحقيق التوازن في مجمل أعمالنا. لا أخفيك أن الاستمرار في الإنتاج في الظروف الحالية هو سير في حقل ألغام، ففي ظل الحرب الشرسة التي تخوضها سورية على أكثر من صعيد عسكري؛ اجتماعي؛ سياسي؛ أخلاقي، لن يكون هدفنا بالتأكيد السعي وراء الربح، بقدر ما نسعى لأن نمرر رسالتنا التنويرية و الفكرية من خلال ما نقدمه. دعنا لا ننسى هنا أن أكثر المحطات التي كانت تدفع بسخاء قاطعتنا، والمحطات الفضائية لحلفائنا السياسيين غير مهتمة بما نقدم لاختلافها الفكري عنا كما سبق أن ذكرت.

مازالت النصوص التي تشتريها المؤسسة وحتى بعد أن تتحول إلى مسلسلات تخضع لدائرة الرقابة في التلفزيون؛ فلماذا لا تكون الرقابة تابعة للمؤسسة لكونها هيئةً مستقلة وما معايير تقويم هذه الأعمال والنصوص التي تعتمدونها في المؤسسة؟

رقابتنا في المؤسسة هي رقابة ذاتية، ودائرة الرقابة في التلفزيون هي رقابة على العرض وهذا حقها، فأي عمل سيعرض على التلفزيون السوري، يجب أن يمر برقابة التلفزيون، وهذا حال مؤسسة السينما العامة أيضاً، هي أيضاً لا تستطيع أن تعرض فيلماً أنتجته على شاشة التلفزيون من دون أن يمر على دائرة الرقابة فيه.

بعيداً عن منصبك كمديرة للمؤسسة العامة.. كيف تقومين كناقدة لها باع طويل في العمل النقدي الصحفي الفني والإبداعي حال الدراما السورية اليوم؟

 الدراما السورية على نحو عام هي دراما قوية ومتميزة ومتجددة، ومجرد بقائها واستمرارها في الظروف الصعبة التي نمر فيها؛ هو دليل على قوتها ودليل ساطع على أنها تحولت إلى صناعة وطنية مهمة، لأنها لو كانت طفرةً -كما يحاول البعض أن يصفها- لما كان لها أن تستمر بهذا الزخم وهذه الجودة.