2014/02/02

كلوا فناً والبسوا دراما!! أوقفوا المهزلة
كلوا فناً والبسوا دراما!! أوقفوا المهزلة

 

إسماعيل مروة – الوطن السورية

 

 

السينما صناعة، والدراما صناعة، ولابد من أن نفرح عندما تزدهر هذه الصناعة، لأنها وببساطة مطلقة تعمل على تشغيل الأيدي العاملة، وتدر أرباحاً اقتصادية عالية على البلد والأفراد من الفنانين والنجوم، وتصدر الرؤى الفكرية السورية للخارج..! ولكن التجربة السابقة أكدت أن السينما والدراما لم تقوما بهذا الدور الفكري المنوط بهما، ولم تحققا العائد الاقتصادي الذي يؤمل السوري عليه، وكل ما كان هو تكوّم كميات من المال في أيدي عدد من النجوم الذين انفردوا في أبراجهم، وظنوا أنفسهم قادة رأي مع أو ضد، وبعضهم حمل كل ما يملك وغادر، ويأتي من يطالب بألا نلوم هؤلاء، فهم أكثر وطنية حسب تعبيره من الذين بقوا في سورية ولم تخرجهم الأزمة، وربما كانوا أكثر وطنية ممن استشهد في قتال ظالم، أو استشهد في عبوة ناسفة أو قذيفة أو تفجير، ربما لأنه هو، أي المتكلم، القيمة الوطنية والرأي، وبعد غياب سنوات سيعود هذا أو تلك إلى المشهد الفني والثقافي، وربما يشكل حزباً ويصبح بطلاً قومياً، وربما نستنجد به ليلعب دور بطولة يتقاضى عليه الملايين مكافأة له لأنه حافظ على نفسه ولم يخسره الوطن الذي لن يبقى دونه!!

اصنعوا الأقلام وضعوها في العلب، واصنعوا الدراما وأضحكوا الناس في الخارج علينا، وكأننا نعيش حالة من البله، ولا يحدث على أرض سورية أي شيء يستحق البكاء أو الرثاء! ابحثوا عن الدراما والنكتة، واكتبوا الدراما المنحازة ضد المواطن، والتي تحمله وزر كل ما يحدث في سورية! ونحن نجلس في رمضان لنبتلع الغصة بدل اللقمة، وسنجري استفتاء في النهاية -وهذا ليس من قبيل التهكم- لنعرف أفضل ممثل وأفضل ممثلة، ونفرح إن عانق أحدهم فاتنة في لبنان أو مصر أو حتى في سورية رغم هذا الخراب!

تتسابق شركات الإنتاج من الدولة والقطاع الخاص على إنتاج أعمال الموسم الرمضاني القادم، وعرفنا شيئاً عن هذه الأعمال جادة أو ضاحكة، وتابعنا بشغف واهتمام، وشكرنا المولى على أن نجومنا يعيشون حياتهم، ويمارسون هواياتهم في الرياضة والأركيلة والفيس بوك وما شابه في عوالم مغلقة، وإياهم أن يخرجوا إلى المقاتلين أو المشردين أو ما شابه، فهم مستهدفون، وأي ظهور لهم يمثل تهديداً للثروة الوطنية!

عيب يا جماعة، أوقفوا هذه المهزلة، نستصرخكم باسم كل شهيد وكل ضحية، حتى من غرر بهم وسال دمهم جميعاً على أرض سورية، هل سمعتم من هؤلاء سوى الصراخ، وبعض التصريحات هنا أو هناك؟ ألم ينقسم هؤلاء الفنانون إلى معسكرين؟ هل سمعتم من أحدهم أنه زار جناحاً من الأجنحة وقدم له عمل مسلسل من مسلسلاته؟

هل انتخى من مع النظام أو من ضده، وآلمه أن يتسول السوريون فقام بتقديم سلات غذائية وألبسة وبطانيات لتنوب عن الاغتصاب والبرد والموت أو ما يجود به طويل العمر أو الأمم المتحدة؟!

خرج عدد منهم إلى معسكره، جال فيه، قال كلاماً، التقط صوراً، وفر هارباً إلى وكره! حتى الفنان الذي أختلف معه أو أتفق كنت أتمنى منه أن يخرج من جيبه المليء بدموعنا وضرائبنا ليقدم مالاً أو غذاء أو كساءً للسوريين المظلومين والضحايا الذين انتشروا في كل مكان وعلى كل حدود!!

لو قام هؤلاء مع شركات الإنتاج بالتكافل والتضامن لغطوا نسبة لا بأس بها، والأهم أنهم كانوا سيشعرون السوريين المتألمين أن السوريين معهم، وقد يدعون لهم ويشكرونهم بدل أن يشكروا طويل العمر أو قصير العمر ومن بلا عمر! لكنهم لم يفعلوا، وها هم يجوبون البلدان، ويتسولون هنا أوهناك لامتصاص عرق الناس وكسب ملايين جديدة، وكل ما سيفعلونه كما في رمضان الماضي هو فتح جراحنا، وإظهار ألمنا، أو الضحك علينا..!

ألا نرى أن الواقع أكثر إيلاماً؟

إن ما يحدث في سورية أكثر من دراما، وأكبر من مهزلة!

هل عرف أحدهم أن سوى النازحين هناك عائلات في مناطق آمنة فقدت معيلها، أو لم يعد معيلها قادراً على العمل؟ هل عرف هؤلاء أن نسبة كبيرة من الناس بلا عمل وتحتاج إلى سلال غذائية؟ ألم يعرف هؤلاء أن عدداً لا يستهان به من العائلات لم تجد ثمن الوقود، وتعاني برداً شديداًَ وجوعاً وهم داخل سورية لم يغادروها؟!

شكراً لكل نجم حملناه على راحتنا، وظن نفسه متفضلاً علينا!

شكراً لكل نجم صنعناه بأدواتنا البدائية الشهوانية السيئة!

شكراً لكل من لا يجيد فك الحرف وصار منظراً علينا، وعلينا أن نستمع له!

شكراً لكل مؤسسة عامة أو خاصة أسهمت في تكريس من لا يستحق!

شكراً لكل المنتفعين الذين لا يزالون مصممين إلى اليوم على إنتاج السينما والدراما!

وعد طويلو الأعمار النازحين بأن إقامتهم طويلة، وبأنهم سيزودون هؤلاء في خيامهم بالشاشات العملاقة وهم لن يستطيعوا أن يكملوا مسيرتهم دون أعمال سينمائية أو درامية، أكثروا منها نرجوكم، فهم بحاجة إلى حياة والفن حياة ولقمة عيش، وأكثروا من أعمال الإثارة والخيانة والتسلية والنكت، فهم بحاجة إليها، لأن الطير يضحك مذبوحاً من الألم! وعندما يرون الخيانة في المجتمع المستقر، وخاصة إن كان من الأقارب فسيجدون ما هم به أقل إيلاماً!

كفّوا عن هذا الهذر والهدر

أوقفوا المهزلة

عشرات الملايين للعمل الواحد تكفي لبدء إعادة الإعمار للإنسان وروحه أكثر من الطابع الهزيل، وليذهب إلى الجحيم كل من يتاجر بآلام السوريين! أوقفوا المهزلة، ففي فواصل التاريخ المؤلمة لا مكان للجماليات إلا للمنتفعين، وأظن أن سورية دفعت الكثير لهؤلاء عبر سنوات طويلة، وبما أنهم لم يقدموا إلا الشرذمة والكره فالأجدى أن نتوقف عن ضخ المال في الفساد الذي أوصلنا إلى هنا...

أوقفوا هذه المهزلة لنعرف مَنْ مِنْ هؤلاء يتمسك بوطنه حقيقة، ومن يبيعه بقشرة مسلسل، أوقفوها فهم أشبه شيء بالأحزاب السياسية التي إن غابت مصالح أعضائها تبرؤوا منها.

المواطن اليوم يحتاج كل شيء إلا فن المنافقين، أو أي فن، فالفن لا يطعم جائعاً، ولا يعيد مشرداً، ولا يدفئ من قتله البرد، ولتعد هذه الملايين التي عندما تجمع تصبح مليارات على هؤلاء الذين نزعم ويزعم الفنانون أنهم يحملون همهم، ولا تصدقوا الذي يقول أنا أعطيت لكن لم أتكلم...!

أوقفوا هذه المهزلة وهدر أموال الناس وأعمارهم فالوطن بحاجة إلى إعمار والإعمار لا يكون بمسلسل تركي أو سوري أو غير ذلك... وبعد أن تنتهي الأزمة اصنعوا الفن اللائق الذي يجري جراحات قاسية لينجو الوطن من مطبات مستقبلية.