2014/02/23

ورش السيناريو..مشروع لكسر احتكار النجوم وأولادهم
ورش السيناريو..مشروع لكسر احتكار النجوم وأولادهم

 

سامر محمد اسماعيل – تشرين

 

 

تبزغ اليوم تجارب رائدة لمجموعة من الشباب السوريين من أجل تطوير محترفات تختص بكتابة السيناريو السينمائي والتلفزيوني؛ هذه المحترفات أخذت على عاتقها الخروج من نمطية النصوص القديمة نحو إشراقات إبداعية تحقق للجيل الجديد حضوراً حقيقياً على مساحة الفن والثقافة السوريين؛ فورش السيناريو تعمل على تنمية مواهب عدة لإنتاج مقولات أكثر راهنية تشتبك مع الواقع من زوايا ووجهات نظر؛ تكون فيها الكتابة ذات مدلولات اجتماعية مبنية على ديمقراطية المشاركة والاقتراح، هي فرصة للتعبير عن الذات؛ فورشات السيناريو كما تقول الممثلة سوزان سلمان: «فسحة كي يقول الشباب ما يخصهم وما يقلقهم تجاه أحلامهم الكبيرة وطموحاتهم المستقبلية؛ وذلك من خلال طرح هواجس تتعلق بقضايا الشباب ورغبتهم في المشاركة الجدية بكل ما يتعلق بنواحي الحياة السورية المعاصرة،

فمن خلال مشاركتي في ورشة (مداد) التي أشرف عليها المخرج زهير قنوع منذ ثلاث سنوات تمكنتُ أنا ومجموعة من رفاق دفعتي الدراسية في معهد الفنون المسرحية من طرح أفكار استطعنا عبرها الإحاطة ولو قليلاً بعالم الكتابة» ولهذا يرى المخرج زهير قنوع أن «ورش السيناريو اليوم تحقق نوعاً من تخاطب حر بين عقول مبدعة وشابة قادرة على إعطاء أدوار لخريجين جدد يمثلون ما يشاركون في تأليفه؛ فهم على هذا المستوى محترفون وخريجون أكاديميون يسهمون في صناعة فرصهم وحظوظهم للظهور ولصناعة فرص بأيديهم بعيداً عن أمزجة شركات الإنتاج في التسويق والتوزيع، ويتساءل صاحب «وشاء الهوى»: «ما المانع اليوم من صناعة نصوص جيدة نابعة من مختلف أطياف ومشارب النسيج السوري؟ إن مثل هذا النشاط يحرض على إبداع نص شبابي عالي المستوى في طاقته وجدة طرحه لمشكلات مجتمعه؛ ما فعلته أنني استطعت أن أقيم ورشاً لكتابة سيناريوهات تحت عنوان «مداد» أسهم فيها أشخاص درسوا التمثيل والنقد المسرحيين واشتغلوا وفق مقاييس فنية أكاديمية بحت لا تسعى إلى التجريب بقدر ما تسعى إلى إطلاق مواهب جديدة في عالم الكتابة والتمثيل؛ ولذلك وصلنا إلى نتائج مرضية تجلت في إنجاز أربعة أعمال هي مسلسل (ثلاثيات العشق الدمشقي) الذي أخذنا وعداً مبدئياً من مؤسسة الإنتاج التلفزيوني بتحقيقه ومسلسل (سيت كاز) التي قامت شركة سورية الدولية بإنتاجه إضافةً لمسلسلي (كيميا) و(أوراق) اللذين مازالا قيد الإنجاز».

حق الكاتب:

هناك اليوم أكثر من ورشة قامت في الفترة الأخيرة لكتابة السيناريو بعضها منهجي كورشة «النافذة» التي وصل أفرادها من كتاب شباب وأكاديميين وهواة إلى ابتكار أفكارٍ أنتجت نصوصاً عدة ولوحاتٍ تلفزيونية، إضافةً إلى مجموعة أفلام ٍ أخذ بعضها طريقه للإنتاج؛ وبعضها ينتظر نصيبه في سوق الإنتاج الشرسة التي في بعض الأحيان تهضم حقوق كتابها المادي منه أو المعنوي؛ إذ يتم شطب أسماء شاركت في الكتابة قبل توقيع العقود أو يتم إسقاط أسماء من لائحة المشاركين لمصلحة آخرين.

البعض من الشباب الموهوبين يعمل على تصحيح نصوص لكتاب مجهولين متخمة بالأخطاء سواء على صعيد قواعد كتابة السيناريو؛ أو حتى على صعيد اللهجة المكتوبة فيها؛ إذ يصار إلى تعديلها وتجهيزها للتحقيق سينمائياً أو تلفزيونياً؛ لخوض عملية الإخراج؛ ففي عالم الإنتاج هناك من يبيع الأفكار وربما يكون هذا حقاً لأصحابها لكونهم لا يملكون الوقت لإنجازها؛ وهناك من يقوم بعرض فكرة مشروع لنص معين أو عدة حلقات على جهة إنتاجية تقوم بتبنِّيه والموافقة عليه؛ ومن أجل إنجازه بسرعة يقوم كاتبه الأصلي بالاستعانة ببعض الهواة أو الطلاب أو ربما ابن جيرانه لإنجازها له.

من المؤسف، أنَّ أكثرَ الأعمال تتم كتابتها بهذه الطريقة ما يجعلها تخرج هزيلة وفارغة من المضمون بعيدة عمَّا يحتاجه جمهورها، بينما يكون الأجر في تلك الأعمال لا يتجاوز ثمن إنتاجه لمحطات النفط العربي؛ فشيوع تجربة الورش الجماعية لكتابة السيناريو لا يلغي وجود جهات إنتاجية كبيرة تستغل الطاقات الشابة لسرقة الأفكار واستنزاف قدرة الفنانين الجدد مقابل فتات؛ فقد يضطر الكثيرون للعمل لدى شركات تصدر رغبتها في كتابة جماعية هي ليست أكثر من مشروعات مبهمة هدفها الربح ولا تحترم حق الكاتب؛ بينما تظن أنها قادرة على تسخير الناس في الكتابة عندها تحت تسمية «ورشة».

لكن هل تستطيع ورش السيناريو أن تحقق كسر احتكار النجوم وأولادهم في أداء أدوار الصف الأول؛ وهل توفر مثل هذه التجارب مساحة لكتابة جديدة قادرة على مواجهة متطلبات السوق البصرية المتزايدة..يقول المستشار الدرامي زيد الظريف: «نحن نطرح هذه التجارب لكتابة مشتركة وسط سوق فني مملوء بالمفاجآت على الأغلب تكون الرهانات فيه خاسرة ومعقدة؛ لكننا نحتاج على ما يبدو فرصة كي نختبر هذه التجارب وعلى رأسها ورشة (مداد) التي فتحت أبوابها لخريجي معهد دمشق للفنون المسرحية؛ بغية تحقيق فرص لهم بالوجود ولتقديم موضوعات تاريخية وبيئية واجتماعية معاصرة لها طابع شبابي يميزها؛ ويدفعها قدماً لنيل استحقاق وجودها على الخريطة الإبداعية السورية». يعد الظريف أن أهم التجارب التي قاموا بها حتى الآن كانت في ورشة (مداد) وهي (ثلاثيات العشق الدمشقي) التي تناولت مدينة دمشق عبر وجهات نظر مغايرة؛ ومن موقع جيل ينظر لأهمية وقيمة عاصمة بلاده في صنع طموحاته أو عرقلتها؛ إنها وجهات نظر مجموعة من الشباب المثقف والواعي والحريص على أمكنته الوطنية وعلى فاعليتها الثقافية والاجتماعية.

بمنزلة عقوبة:

الممثلة الشابة نور أحمد عملت جنباً إلى جنب مع زميلها «الظريف» في توضيب عمارة أحداث سيناريو تحت عنوان «كيميا» وشخصياته فتقول..«دخلت هذه الورشة لأتعلم الكتابة؛ لأطلع على معمل صناعة الشخصية وطرق بنائها ومعالجتها؛ محاولة معايشة التفاصيل كلها؛ للوصول إلى سيناريو متين ومتشابك وغني من حيث تناوله حميمية العلاقات الزوجية وخصوصيتها في مجتمعنا؛ ولهذا أعمل ليلاً ونهاراً على متابعة عملي المشترك لثنائيات عدة أزاوج عبرها بين تصور الممثلة وتصور الكاتبة؛ مقتربةً أكثر فأكثر من هواجس الشخصية ولواعجها الداخلية، وسلوكها اليومي في نهاراتها ولياليها، في طموحاتها وانكساراتها». الكاتب الشاب قيس العلي لديه تصورات أخرى: «في الحقيقة لا أجد فعل الكتابة سوى فعل ذاتي وشخصي محض؛ فمن خلال مشاركتي في ورشة كتابة جماعية اكتشفت أن هذا النوع من الكتابة لا يوفر حيزاً كافياً من التشاركية؛ بل على العكس إنه يعزز التسلطية من قبل الكاتب المحترف الذي على الأغلب ينحي بعض المقترحات لمصلحة مقترحه الشخصي؛ موزعاً أفكاره على المجموعة من أجل التنفيذ؛ ولهذا انسحبت من ورشة كتابة سيناريو مسلسل؛ إذ اعتبرت أنني غير قادر على الكتابة ضمن هذا المقترح وهذا راجع لقناعات شخصية لدي تولدت من هذا التجريب؛ فالكتابة في الورشة تأخذ طابعاً ميكانيكياً في أغلب الأحيان لها علاقة بالاحتراف لصياغة وتقطيع مشاهد؛ لا العمل على صياغة شخصيات قوية ومتماسكة؛ لكون كتابة الشخصية داخل الورشة تتم من قبل مجموعة كتّاب؛ ما يجعل شخصيات العمل الدرامي متنافرة ومفككة على خلاف الحال فيما لو تمت كتابتها من قبل شخص واحد يعمل حتى النهاية على تطويرها وجعلها من لحم ودم، حقيقية وملتصقة بواقعها لا كرتونية ومفبركة ووظائفية». السيناريست عبد المجيد حيدر يرى أن هذا النوع من الكتابة لم ينجح إلا في تجارب قليلة؛ كان أهمها الورشة التي اشتغل عليها كل من الكاتبين نجيب نصير وحسن سامي اليوسف في عدة أعمال كان منها مسلسل «الانتظار» ومسلسل «زمن العار» اللذان حققا شعبية كبيرة عند جمهور المشاهدين؛ ونالا العديد من الجوائز المحلية والعربية؛ أما معظم التجارب الأخرى فقد كانت ورشاً يديرها كاتب محترف كمشرف على مجموعة من كتّاب جدد؛ ولهذا غاب التفاعل المطلوب بسبب فروقات معرفية وثقافية لا تسمح بتعاون حقيقي؛ بل ترجح فيها الكفة دائماً لمصلحة مقترحات الكاتب المشرف الذي على الأغلب يشعر أنه يكتب وحده لا مع مجموعة؛ فمفهوم الورشة يخضع لشروط عدة أولها أنها يجب أن تكون بين عدد من الكتاب المحترفين –حسب السيناريست حيدر- وإلا تحولت ورشة كتابة السيناريو إلى دورة لتعليم فن السيناريو تنتج عملاً للتنفيذ بعد جهد جاهد ومعاناة لوجود خلل في آلية عمل هذه الورش تتمثل في طغيان الكاتب المحترف على أقرانه من الكتّاب الجدد؛ لكن من الأهمية بمكان أن تتم إقامة وتفعيل ورش كتابة السيناريو فمن غير المعقول أن يكتب السيناريست 1200 صفحة لمسلسل تلفزيوني؛ فهذا بمنزلة عقوبة.