2014/05/10

«شكلك مش غريب»
«شكلك مش غريب»

 

مايا الحاج- الحياة

 

 

في مواجهة مشاهد العنف والموت والدمار، تسعى قناة «أم بي سي» إلى تكـــريس مشهد آخر يرتكز على بثّ روح الفرح والفنّ والترفيه. فبعد سلسلة من برامج اكتشاف المواهب مثل «آراب آيدول» و«ذا فويس» و«آرابز غات تالنت»، حطّ برنامج «مُعرّب» جديد على خريطة الفضائية العربية الأشهر بعنوان «شكلك مش غريب» (أم بي سي4)، وهو مُستنسخ عن برنامج أجنبي عنوانه Ur Face Sounds Familiar.

 

تبدو فكرة البرنامج مختلفة في ماهيتها عن برامج فنية أخرى، وإن لم تكن هي المرّة الأولى التي يُعرض فيها برنامج قائم على مبدأ تقليد نجوم الغناء. سابقاً، كان لمحطة «أم بي سي» تجربة مشابهة حين عرضت قبل أكثر من ثماني سنوات برنامج «العندليب من يكون؟»، وقد حصل الفائز فيه، المصري شادي شامل، على فرصة تجسيد حياة عبد الحليم حافظ في مسلسل «العندليب». وقدّم «تلفزيون دبي» أيضاً برنامج «زيّ النجوم»، ونجحت البحرينية نجمة عبد الله في تقمصها شخصية كوكب الشرق أم كلثوم، شكلاً وأداءً.

 

لكنّ نقاطاً عدّة تُميّز «شكلك مش غريب» عمّا سواه، وأولاها أنّه لا يستقدم هواة، بل نجوماً من مجالات مختلفة، مع التحفّظ على كلمة «نجوم» التي تبدو فضفاضة على بعض المشاركين في البرنامج، وعددهم ثمانية: عبد المنعم عمايري وديمة قندلفت (ممثلان سوريان)، باسمة (مطربة لبنانية)، ميس حمدان (مغنية وممثلة أردنية)، خالد الشاعر (إعلامي بحريني)، وائل منصور (فنان مصري)، تامر عبد المنعم (ممثل مصري)، جينيفر غراوت (فنانة من أصل أميركي). والميزة الثانية أنّ المشاركين لا يعيشون خلال الأسابيع الأولى خطر الاستبعاد، لأنّ التنافس في البرنامج هدفه خيري، وعلى الفائز في كل أسبوع أن يمنح جائزته المالية (5000 دولار) إلى واحدة من المؤسسات أو الجمعيات الخيرية التي ينتخبها.

 

لا شكّ في أنّ الموازنة التي صُرفت لهذا البرنامج (تقديم طوني أبو جودة وإخراج طوني قهوجي) ضخمة، وهذا ما تعكسه الصورة الجميلة والمُقنعة التي يخرج بها أسبوعياً. لقد استُعين بأهمّ خبراء الماكياج والأكسسوار بغية أن يظهر المشاركون بملامح تُقارب روح الشخصية الأصلية وشكلها، إضافة إلى وجود أساتذة في الصوت والرقص والمسرح لمساعدة المشتركين في تقديم لوحات متكاملة ومتقنة. وهذا ما لمسناه في لوحة وائل منصور عند تقمصه شخصية المغني الكوري بساي مثلاً أو باسمة حينما قلّدت إديت بياف.

 

أمّا عبد المنعم عمايري فعنه حديث آخر، لأنّ الممثل السوري وأستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية لم تُعرَف عنه موهبة التقليد أو الغناء، كما بقيّة المشتركين، لكنّه جسّد حالة استثنائية خلال حلقتين متتاليتين. فهو أدهش الجمهور أولاً في أدائه شخصية جورج وسوف، على رغم كثرة المقلدين لها. ومن ثمّ أبدع في تقمص شخصية الفنان فريد الأطرش إلى حدّ مخيف. وأمام قدرة عبد المنعم عمايري التي تجاوزت مفهوم الشبه في الشكل أو الحركات، بدت لجنة التحكيم التي تترأسها هيفاء وهبي عاجزة عن شرح الحالة التي قدّمها عمايري مستخدماً أدواته التمثيلية التي تُقارب الشخصيات انطلاقاً من فهم عميق لروح الشخصية ومزاجها. فاللجنة المؤلفة من الجميلة هيفاء وهبي والمغني الشعبي حكيم والمخرج الشاب محمد سامي بدت منذ البداية تائهة في دوّامة التعليقات الساذجة والعبارات المكرّرة التي تُفرّغ فنّ «التقليد» من أبعاده وأصالته. علماً أنّ المخرج محمد سامي هو الأفضل- فنياً- بين الموجودين.

 

أمام عجز لجنة التحكيم، تبدو فكرة التقليد بسيطة وسطحية علماً أنّها من الفنون الصعبة التي تعتمد على حوار حميم بين شخصية المُقلِّد ومن يُقّلده. وفـــي هذا السياق، قد يحتاج المشاهد فــي بيته، بعيداً عن جمال هيفاء وهــبي وطلّتها، أن يستمع إلى تعليقات محترفة تُبيّن له عوامل نجاح- أو إخفاق- هذا المشترك أو ذاك. فالمـــشاهد العادي يحكم بإحساسه، لكنه يهتمّ حتماً بمعرفة أسباب تُعلّل له أحكامه الفطرية على ما يراه. وهذا ما تفتقده معظم البرامج التي ترتكز على أسماء «رنّانة» تفتقر إلى الأدوات النقدية، ممّا يُكرّس مفهوم «الأميّة» الفنية.

 

إنّ مهمة لجنة تحكيم «شكلك مش غريب» أسهل من غيرها لكونها لا تُقوّم مواهب فنية جديدة ولا تُقرّر مصير الفنّ المستقبلي، لكنها تبقى أمام المشاهدين عاجزة عن ممارسة عملها كلجنة تضع علامات وتنتقد وتُحكّم حضور مواهب فنية تستحقّ- بعد عناء ومجهود- أن تسمع نقداً يحوي تسجيلاً لمفرداتها الحركية والصوتية، بعيداً عن الأحكام العادية التي تُطلق من دون أي سند فني أو أساسٍ احترافي، مثل: «أحببتُ أو لم أحبّ. وصلني إحساسك أو لم يصلني. أبدعت أو فشلت».

 

وليس المطلوب هنا استخدام مفردات ثقيلة وتراكيب معقدة، إنما نطـلب تحليلاً موضوعياً يستند إلى معايير فنية ونقدية معروفة. وأمام لجنة تفتقر إلى الحرفية، يحضر سؤال أخير: «إن كان حضور هيفاء وهبي ضرورياً لجذب أكبر عدد من المشاهدين، فلماذا لا يكون بقية أعضاء اللجنة أكثر احترافية وقدرة على تقويم أداء المشاركين بغية سدّ الفجوة الظاهرة داخل اللجنة؟».