2014/05/18

 

سامر محمد اسماعيل - تشرين

 

 

حتى الآن ومع حلول الذكرى العاشرة لافتتاح دار الأسد للثقافة والفنون في أيار الحالي، ورغم عشرات عروض الموسيقا والمسرح والحفلات الفنية بأنواعها التي شهدها هذا الصرح الثقافي الأبرز في قلب العاصمة السورية، إلا أن دار الأوبرا الوطنية ما زالت تعاني من افتقارها غير المبرر لمقهى واحد على الأقل، لمكان واحد يلتقي فيه معشر الموسيقيين والمسرحيين والمثقفين،

   فالأوبرا ليست «موقف  باص» وليست مصنعاً لفرجة عابرة، بل هي قبل كل شيء مكان استثنائي للتجمع وعرض الآراء ومناقشتها، مكان للحياة، للأسئلة، للحوار، ولكن أين يمكننا أن نجد حواراً في مكان يستقبلنا على عجل من أمره؟ يزجنا في أمسياته الجميلة دون أن نتكلم عما شاهدناه أو سمعناه، دون أن نلتقي هكذا بالمخرج المسرحي، ولا بمصممة الرقصات، لا يسعنا حتى أن نلتقي بأصدقائنا، إذ إنه وبعد انتهاء العرض موسيقياً كان أم مسرحياً تُطفأ علينا أضواء الأوبرا هكذا وبسرعة، حتى دون أن يُسمح لنا بتدخين سيجارة تأمل واحدة فيما رأينا، كأن علينا أن نذهب للنوم، أو للبيت صامتين، لا نتكلم عما شاهدناه، المهم تفرجنا، وانتهى الأمر.!

لحظة العرض مهمة، لحظة التلقي هائلة في سعتها ورحابتها، لكن لحظة ما بعد العرض تبدو لي أكثر أهمية، حيث يمكننا -لو توفر لجمهور دار الأوبرا مقهى صغير- أن نجلس إلى مائدة حوار مع موسيقيين وكتّاب ومخرجين وعازفين مروا في بلدنا كمذنب هالي، كل ثمانين سنة مرة، يمكننا أن نناقش ما رأينا على الملأ، أن نتصارخ ونتصارح ونتناقش، أن نُغني حاجتنا إلى الثرثرة، إلى الكلام، جوعنا إلى الحوار، إلى المصارحة، إلى إبداء الرأي بما حضرناه قبل قليل، لكن ماذا يحدث؟ ينتهي العرض من هنا لنتشرد في شوارع المدينة بحثاً عن مقهى أو مطعم، أو سيارة أجرة تقلنا إلى بيوتنا في ضواحي الأمل، وحتى نصل إلى المكان، نكون قد بردنا، وفتُرت همتنا على الكلام، ننسى روائع السيمفوني وبهاء الكرنفال، ونتكلم في شؤون منزلية سخيفة، ننسى ارتجالات عازف الكمان، و سحر ممثل الإيماء، لا ننسى، لكن وكأننا نحسب أن ما شاهدناه كان حلماً، أو بعض حلم.
المهم اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى أن تفعّل دار الأوبرا السورية مساحات كبيرة لم توضع حتى الآن في خدمة زوارها، فالجميع يعرف أن في الدار جناحاً خاصاً لمقهى كبير ووارف الظلال، بل هناك شرفات لمقاه ومطاعم صغيرة تنتظر رحمة مناقصة من عشر سنوات، لما لا؟ فقريباً وليس بعيداً عنا في دار الأوبرا المصرية مثلاً يتنعّم زوّار أوبرا القاهرة بعشرات المقاهي والمطاعم، ليست القهوة وليس الطعام، بل هي الحاجة الجوهرية لدى الكائن الإنساني للاجتماع والحوار...والثرثرة.