2014/05/18

 

آفاق سينمائية ـ فؤاد مسعد .

 

 

هل الفرصة متاحة أمام الفنان ليُقدم ما يعتلج في خلده من هواجس ؟ هل يستطيع التعّبير من خلال أدواته كممثل عن هموم ومشكلات أبناء جيله فيما يقدم من شخصيات ؟ أم ترى الأمر يخضع لآلية السوق ومعادلة العرض والطلب ؟ أم المسألة أبعد من ذلك بحيث يغلب طابع (البزنس) على المنحى الإبداعي والهم الحقيقي فيما يتعلق بآلية التعاطي مع الممثلين ؟ إلى أي مدى يمكن أن تتقاطع همومه مع هموم الكاتب والمخرج والمنتج ليتحول العمل برمته إلى مشروع إبداعي حقيقي ؟ أم تراه دور يقدمه الممثل والسلام ، وبالنتيجة الأمر لا يتعدى كونه مجرد وظيفة أو عمل شأنها شأن أي عمل آخر يجني منه المال ؟..

ربما هي أضغاث أسئلة ترتبط بشكل وثيق بآلية تعاطي الفنان مع دوره الذي يقدمه على الشاشة ، فهل من الضروري أن يلامس دواخله ويقتنع به ؟ وإلى أي مدى يمكن أن يعكس دوره هواجس الشريحة التي يمثلها في المجتمع ؟..

أم ليس شرطاً أن يعكس أو يلامس ..

والمهم في المسألة تقديم دور في مسلسل ؟. هناك من يرى أن الممثل عبارة عن أداة تنفيذ ليس أكثر وتنحصر مهمته في تجسيد ما يوكل إليه من أدوار ، فهو ليس إلا (برغي) في آلة كبيرة تنتج على مدار الموسم أعمالاً درامية هنا وهناك ، ولكن كثيرين لا يلتقون مع هذا الكلام ويؤكدون أن للممثل دوره فيما يقدم ، فأي دور لا ينسجم معه أو لا يعبر عن هواجسه سيبتعد عنه ولن يجسده ، لأنه حريص على الخيارات التي تجعله الأقرب إلى الناس وهمومهم ومشكلاتهم .

ـ الأقرب إلى نبض الشارع : تؤكد الفنانة إمارات رزق أنها استطاعت التعبير عن بنات جيلها من خلال ما قدمت (أفضل دائماً تقديم شخصيات قريبة من الناس ومن نبض الشارع ، وهي أدوار موجودة وحقيقية ، يمكن أن نصادفها في أي مكان) وتشدد على كيفية تعاملها مع الشخصيات ، تقول : أحاول البحث في العالم الداخلي للشخصية فاشتغل كثيراً على تفاصيلها وأهم ما اشتغل عليه وأسعى إلى إبرازه هو الحس الإنساني فيها ، وبالنسبة إلي فإنني مع فكرة أن يؤدي الممثل كل الأدوار ويجرب بمختلف الشخصيات ، فعليه ألا يسير وفق نمط واحد في كل ما يقدم .

ـ أنسنة الشخصيات : مما لا شك فيه أن الفنان غالباً ما يكون محكوماً بما يُقدم له من فرص ، ولكن ضمن هذا (المتاح) أين يكمن دوره في تجسيد هموم أبناء جيله ؟..

يقول الفنان عامر العلي : حاولت ضمن الفرص المتاحة أمامي أن أقدم ما يشبهني ، وشعرت بذلك من خلال ردود فعل الناس حول ما أقدم ، فيقولون لي أنهم يعرفون أحداً ما يفعل كما فعلت في هذا المسلسل أو ذاك ، كما أنني أتناقش مع المخرج حول دوري ، فأنا بطبعي أختلط بالناس كثيراً وأرى العديد من النماذج وأراقب ردود فعلهم على كل شيء وأختزن ذلك كله ، وعندما تأتيني شخصية لأقدمها وأشعر أنها مكتوبة بطريقة غير منطقية أتحاور مع المخرج حول مصداقيتها فأقول له أن هذه الشخصية وهذه التركيبة قد لا تفعل ذلك ، وأحاول قدر استطاعتي أنسنتها وجعل الناس يصدقونها . وأسعى لأكون أثناء أدائي لها حقيقياً بحيث تشعر أنني أعيش هذه القصة تماماً .

فعلى سبيل المثال لدى الكلام عن أحدث ما قدمت من خلال خماسية (استعداداً للرحيل) إخراج وسيم السيد التي دارت فترة احتمال الضربة الأمريكية على سورية ، جسدت شخصية جرت معي أحداث مشابهة لها حقيقة ، فحينها أتت ردود فعل الناس متباينة بشكل كبير فهناك من عاش حياته بشكل طبيعي وهناك من خاف وسعى إلى السفر ، ولكن عندما كنت في بيروت تواصلت مع أصدقائي في دمشق فكانوا يخرجون إلى المقاهي والمطاعم الأمر الذي جعلني أشعر بالغيرة منهم وبأني يجب أن أكون معهم وأعيش هذا الاحساس بالتحدي ، وهذا ما حدث ، فعدت إلى سورية في اليوم نفسه الذي كان من المنتظر أن تحدث فيه الضربة ، رغم معارضة أصدقائي هناك ، واستغرب كثيرون سبب عودتي وفي هذا اليوم بالذات ، فقلت لهم أنني لا أستطيع أن أكون بعيداً عن بلدي إن حدثت الضربة فأهلي وأصدقائي ومنطقتي فيها فشعرت أنه ينبغي أن أكون موجوداً لأن كل الذين أحبهم كانوا هنا وعاشوا الحدث فلماذا لا أعيشه معهم ؟..

فلم يكن باستطاعتي العيش خارج هذه الفكرة ، والمفارقة أن الشخصية التي قدمتها في العمل كانت لشاب يعود إلى بلده وقت الأزمة وبالتالي أعرف كيف تفكر الشخصية تماماً وأفهم تركيبتها بشكل عميق

السعي إلى التنويع : الفنانة جيانا عنيد تؤكد رفضها للعديد من الأدوار لأنها لم تشعر أنها تشكل مكاناً مناسباً لها أو أن الدور يلائمها ، فهي لم تلبِ طموحاتها ، تقول : أتعامل مع هذا الموضوع بأنانية الممثل ، وأرى أن الأنانية هنا جيدة لأنها تؤدي إلى نتائج إيجابية ، وبالنسبة إلي يهمني بالدرجة الأولى الدور الذي سأؤديه وما الذي يمكن أن أقدم من خلاله ، وأن يكون العمل جيداً ، فأقرأ أولاً دوري ومن بعده أرى العمل ككل ومن ثم الأمور الأخرى التي تتعلق بشركة الانتاج وكيف يمكن الاتفاق معها حول العمل ، وأسعى في كل مرة إلى تقديم الدور الجديد والمختلف .

خاصة أنني أفضل صعود السلم درجة وراء أخرى ، وبهذه الطريقة أصل إلى الأعلى برصانة ، ولكن هذا لا يعني أن أجلس في منزلي ، وإنما أن أؤدي ما أشعر أنه يقدمني بطريقة صحيحة .

وبالنسبة إلي فأنني أرى التمثيل مشروعاً شخصياً ومن خلاله كل فنان يقدم نفسه بالطريقة التي يراها الأنسب له وبالشكل الذي يريد ، وبنوعية الأدوار التي يرغب ، وأنا أشعر بالرضا على طريقة تقديم نفسي في الوسط .

أما حول إلى أي مدى تشعر أنها عبّرت عن بنات جيلها فيما قدمت من شخصيات ، فتقول : أسعى إلى التنويع ، فعلى سبيل المثال قدمت في مسلسل (حائرات) شخصية الفتاة الطيبة الساذجة وحاولت تأديتها ببساطة ، بينما أديت في (النداء الأخير للحب) دور الفتاة الطيبة البسيطة ولكنها الواعية التي تحاول أن تساير أهلها ولا تخرج عن (شورهم) وبالوقت نفسه تحاول أن تحقق ما تريد وتقنعهم بوجهة نظرها ، فالأدوار التي يمكن أن أقدمها وأشعر بالسعادة لأنني أديتها هي الأدوار التي لها حالة أخرى مختلفة عما سبق وقدمت ، وهناك شخصيات قادمة تقدم حالات أخرى . وأرى أن الخبرة والتراكم يجعلاني أجسد العديد من الحالة الموجودة فعلاً في مجتمعنا .