2014/07/09

أمل عرفة وأيمن رضا في مشهد من العمل
أمل عرفة وأيمن رضا في مشهد من العمل

مأمون الحاج – السفير

 

 

سبق للثنائي د. ممدوح حمادة مؤلفاً، والليث حجو مخرجاً، أن خاضا معاً ثلاث تجارب متميزة، هي على التوالي «ضيعة ضايعة» بجزأيه ثم «الخربة»، وانتقلا معاً خلال الموسم الرمضاني الحالي لعملهما الجديد «الحقائب/ ضبّوا الشناتي». يتشابه القالب العام للعمل الجديد مع الأعمال السابقة، حيث الكوميديا السوداء لبيئة اجتماعية متكاملة مبنية بدقة متناهية، وبقدر هائل من التفاصيل، بحيث تحمل كل حلقة عنواناً خاصاً، ومشكلة أساسية تدور الأحداث حولها. يتميّز «ضبو الشناتي» بميزتين إضافيتين هما وجود خط درامي أساسي يربط العمل كاملاً، هو التجهيز المستمر الذي تقوم به عائلة (أبو عادل وأم عادل/ بسام كوسا وضحى الدبس) للسفر خارج سوريا، وعملياً للهروب من جحيم الأزمة، في حين لم يتواجد مثل هذا الخط الجامع ضمن الأعمال السابقة. أما الميزة الثانية فهي الانتقال من بيئة ضيقة ريفية الطابع في «ضيعة ضايعة» و«الخربة»، إلى بيئة مدنية تضم الجميع وتقدّم هامش مناورة واسعا، لتغطية مفردات الأزمة المختلفة.

تكفي الحلقات الأولى من العمل، التي عرضت حتى الآن، لتظهر أنه لا وجود لشخصية مجانية أو ثانوية في «ضبّو الشناتي»، ولا وجود لكومبارس. لكل شخصية بناؤها المتكامل، لغتها واصطلاحاتها وتفاصيلها الدقيقة وطريقة تفكيرها الخاصة، بحيث يغدو تطوّر الشخصيات مع تتالي الحلقات (وتتالي فصول الأزمة ضمناً) تطوراً منسجماً ومنطقياً ومفهوماً، بما يوحي بميل المؤلف والمخرج إلى مدرسة بريخت وجورج لوكاتش في طريقة بناء الشخصية/ النموذج، وهي من أكثر الطرق صعوبة وعمقاً، حيث تقدم شخصيات العمل نماذج ملموسة وواقعية لجملة الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية الأساسية في المجتمع السوري. تدور الأحداث بين الأب البخيل والمحب، الأم القوية والقلقة باستمرار والمنحازة لجميع أولادها رغم تناقضاتهم، الأبناء المعارض والموالي والبراغماتي والمطلّقة والمثقفة والشابة الحالمة، والصهر المعارض المعتدل، إضافة إلى الجيران الذين يشكل كل منهم جانباً إضافياً ضرورياً لاستكمال اللوحة الواقعية والبنية الدرامية التي يقدمها المسلسل.

يحاول العمل تكثيف مفردات الواقع السوري الرئيسية (التظاهر، العنف، الاعتقال، الخطف، القتل، القصف بأنواعه وجهاته، الاستنزاف المستمر والموت اليومي، الحواجز، مشكلات الكهرباء والماء، الفقر والبطالة.. الخ)، لكن ميزته المطلقة هي أنّ بنيته الدرامية إذ تستخدم هذه المفردات، فإنها لا توظفها بوصفها جوهر العمل، وإنما بوصفها الخطوط الدرامية الواقعية اللازمة للاقتراب من المتلقي وتهيئة مناخ من التفكير والنقاش معه، لتزويده برؤية أكثر اتساعاً وصدقاً حول أسباب الواقع المرير الذي يعيشه، بعيداً عن البروباغاندا السياسية التي تحاول وسائل الإعلام شحنه بها بشكل يومي.

يجمع العمل عدداً كبيراً من نجوم الدراما السورية، فإلى جانب الكبار بسام كوسا وضحى الدبس وفايز قزق، هنالك أيمن رضا وأحمد الأحمد وأمل عرفة وقاسم ملحو وآخرون، ويحوز بذلك ميزة إضافية ضمن ظروف الأزمة التي جعلت من اجتـماع عدد كبيـر من النجــوم ضمن عمل واحد أمراً عسيراً..

بالمجمل فإنّ «ضبّوا الشناتي» يقدم مقترحاً جاداً في معالجة الواقع السوري البائس، ويكسب الرّهان إذ يخرج من المثلث المأزوم الذي انحصرت ضمنه معظم الأعمال الدرامية الأخرى لهذا الموسم. ونقصد بذلك المثلث، زوايا قاصرةً ثلاثا تمت من خلالها معالجة واقع الأزمة السورية، الزاوية الأولى هي الحياد السلبي الذي يصوّر معاناة الناس وآلامهم من دون تقديم إجابات وتحليلات، بما يشي بخفة في التعاطي مع هذه الآلام رغم أنها تشكل ظاهرياً محور تلك الأعمال. الزاوية الثانية هي الانحياز الضمني لأحد الطرفين السياسيين بما يحمله ذلك من اجتزاء مقصود للواقع، وما يكتنفه من مخاطر تكريس وتعميق الشقاق القائم. أما الزاوية الثالثة فهي الهروب من التحدي نحو الأعمال ذات الطابع السياحي التجاري الخفيف الذي لا يزعج أحداً، وربما لا يسر أحداً أيضاً، فيقدم تسلية مجانية لا خير من ورائها. بعيداً عن المثلث المأزوم، قريباً جداً من الواقع، يقدم «ضبّوا الشناتي» مقترحه العميق المنحاز كلياً للسوريين وآلامهم وأملهم بالخلاص، من دون تقديم أية تنازلات لأي من الأطراف السياسية، وإن كان في الوقت نفسه يقدم رسالته السياسية الخاصة والجادة والجديدة.