2014/08/11

جود سعيد
جود سعيد

 

ديما الخطيب – تشرين

 

 

غادر إلى فرنسا بعد تخرجه في كلية الهندسة في دمشق، وهناك حصل على «ماستر» في الإخراج السينمائي من جامعة لوميير-ليون- 2006، متأبطاً شغفه بالسينما، وحال عودته إلى سورية أخرج فيلماً روائياً قصيراً بعنوان «مونولوج-2007- المؤسسة العامة للسينما-فضية مهرجان دمشق» ليخرج روائياً قصيراً بعنوان «وداعاً-2008» لينتقل بعدها إلى فيلم روائي طويل بعنوان «مرةً أُخرى- 2008- إنتاج مشترك مع مؤسسة السينما» ثم ليحقق فيلمه «صديقي الأخير- 2011-فردوس دراما- مؤسسة السينما» متناولاً فيه الفساد المستشري في المؤسستين الأمنية والقضائية.

«بانتظار الخريف-2013- مؤسسة السينما» هو الفيلم الذي أنجزه مؤخراً عن نص كتبه مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد؛ ويحضّر حالياً لإخراج فيلمه الجديد عن نص بعنوان «وقت للاعتراف-مؤسسة السينما» عن نص لـ سهى مصطفى.

«تشرين» التقت المخرج السينمائي جود سعيد وكان لها معه الحوار الآتي:

 

• ما رأيك في الحصار الذي فرضته بعض المهرجانات الدوليّة، مثل دبي والقاهرة، على أفلام المؤسسة العامة للسينما؟

•• نحن –المخرجين- مازلنا نعمل داخل البلد، عدّ الغرب «وهو محق» أن الفيلم السينمائي هو جزء لا يتجزأ من المنتج الوطني السوري، بمعنى، أنه كما تم فرض الحصار على ما تصدّره المصانع، أو ما تنتجه المزارع السورية، كان هناك قرار بحصار ما تبتكره مخيّلات السينمائيين السوريين، وهذا يدل على أهمية المنتج السينمائي، لأنه قادر على الوصول بسرعة شديدة إلى قلب وذهن أي إنسان في العالم، ويُوصِل -وربما يشكّل- وجهة نظر أُخرى مختلفة عن تلك التي تسوقها وسائل الإعلام، فاللغة السينمائية هي لغة عالمية، ومُشاهد السينما لديه مفردات في اللاوعي الخاص به تعطيه القدرة على تفكيك أي تتال للصور السينمائية التي تشكل بنية فيلم، وتالياً يكون انتقال الأفكار أسرع وأسهل، و-للأسف- كان خلف اتخاذ هذا القرار بحق الأفلام السورية الوطنية، زملاء سينمائيون سابقون، وقد امتد هذا الحصار بشكل طبيعي إلى الدول العربية التي انصاعت لمثل هذه القرارات، فتعرضنا لأقصى العقوبات، وأقاموا ما يشبه الحجر الثقافي على كل منتج سينمائي سوري.

•لكنّ هناك سوريين لايزالون حتى اللحظة يصنعون أفلاماً في الخارج!

•• هذا صحيح، ولن أسمح لنفسي أبداً أن أزيل صبغة «السورية» عن أي منتج سينمائي يُصنع في الخارج، لكن يمكننا القول –بكل بساطة- إن المال الذي يُصنع منه هذا الفيلم هو مال غير نظيف.

•ماذا عن السينمائيين السوريين الذين صنعوا أفلاماً سورية وطنية! وتم عرض أفلامهم في الخارج، بل حصلت على بعض الجوائز؟.

•• هذه الأفلام لا يستطيعون منعها بسبب مصدر تمويلها، فهوية الفيلم السينمائي ليست بهوية مخرجه، وإنما بهوية منتجه، فهم لا يستطيعون -مثلاً- منع فيلم من إنتاج شركة بحرينية، أو لبنانية، المنع كان على المنتج الوطني السوري فحسب، وهذا طبعاً لا ينفي الوطنية عن كل الأفلام التي تُنتج في الخارج، بل ربما العكس، فهم يقولون رأينا بصوتٍ عالٍ في وجه الغرب الذي يدّعي أنه يدعم حرية التعبير عن الرأي، والعكس -في الحقيقة- هو الصحيح.

«بانتظار الخريف» تجربة لن تتكرر

•انتهيت مؤخراً من العمليات الفنية لفيلمك «بانتظار الخريف» حبذا لو تُحدثنا عن هذه التجربة..

•• في حوار مع المخرج المجري العظيم سينمائياً «بيلا تار» قال: «نحن نصنع دائماً الفيلم ذاته»، وهنا أتحدث عن «سينما الهوية»؛ إذ يبدو أننا فعلاً نصنع دوماً الفيلم ذاته لكن بتنويعات مختلفة، واليوم حين أقف وأطيل النظر إلى أفلامي الثلاثة أرى أنها تدور حول مقولة واحدة، وهي إرادة الحياة، فـ«بانتظار الخريف» هو مشروع بدأت فكرته تتبلور في رأسي مع انتهاء عمليات تصوير فيلم «صديقي الأخير» وهو شريط يتحدث عن كيفية صنع الحياة من الموت، وكيفية التغلب على اندثار هويتنا وكيف نخلق منه هوية جديدة، باختصار «بانتظار الخريف» هو رحلة كوميدية في عالم الأسى والحزن الذي تعيشه مجموعة أغلبها من النساء في ظل الحرب على سورية في إطار الكوميديا السوداء، فعبر قصة فريق طائرة للسيدات يبحث عن النصر، الذي ليس بالضرورة أن يكون انتصاراً على الآخر، وإنما قد يكون انتصاراً للذات، وانتصاراً بالآخر، كانت هذه التجربة غنية جداً من عدّة نواح، لأنها جاءت في ظروف خاصة، وبسبب هذه الظروف الصعبة تحولنا إلى عائلة، تتشارك لحظات الخوف والألم والفرح، فكانت تجربة –بالنسبة إلي- لا أعتقد أنها ستتكرر.

• ماذا عن شراكتك مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في كتابة سيناريو «بانتظار الخريف»؟

•• الحقيقة أنني أكتب السيناريو على مراحل متعددة، فلقد كتبتُ النسخة الأولى من هذا العمل، وكتب علي وجيه النسخة الثانية، أما الثالثة فعمل عليها عبد اللطيف عبد الحميد، والرابعة أعدتُ كتابتها بنفسي، وأثناء التصوير تمت كتابة نسخة جديدة، فالسيناريو ليس نصاً مقدساً، بل هو خريطة طريق، فالنص وُجِدَ لكي نبني عليه دائماً شيئاً جديداً، والمؤسسة العامة للسينما تشجع دائماً هذه النقطة، وهي عدم تقييد الفن، لكونها تؤمن بأنها تقدم منتجاً ثقافياً وليس تجارياً، وتضع نصب عينيها حين تقوم بإنتاج أي فيلم، احتمالي الفشل أو النجاح، لأنها تعتمد على موهبة وخيال صانع الفيلم، على عكس الفيلم التجاري الذي يُتفق على كل لحظة فيه قبل الإنتاج، والتغيير فيه يكون صعباً جداً لأن هناك دائماً وصفة جاهزة لنجاح الفيلم التجاري، أما نحن فنصنع منتج «هوية» والهوية هي حالة بناء دائمة، لذلك يجب أن يُشبه آلية بناء الهوية، وجميل في كل فيلم من الأفلام التي تنتمي إلى هذا الجنس، أنها دوماً أفلام غير مكتملة، لأنها تحاكي الحياة عموماً، ولا تحكي حكاية محددة مقفلة، بل تحمل رؤى، لذلك فهي أفلام تترك المجال لخيال وعقل المشاهد، لكي يبتعد أكثر عن مجرد فيلم.

•كيف تقيّم تجربة مهرجان سينما الشباب الأول الذي كنت عضواً في لجنةِ تحكيمه؟

•• هذا المشروع بدأنا العمل عليه مع اختيار دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، وفيما بعد وبإرادة وإدارة المؤسسة –بإشراف الناقد محمد الأحمد مدير عام المؤسسة- استطعنا أن نطلق أول نسخة عام 2011، وتحول بعد ذلك إلى مكان لاستقطاب الشباب، الذين كانوا يعانون ليلقوا بعض الدعم، وبالتأكيد ليس هنالك شيء كامل بالمطلق، دائماً هناك ثغرات ومشكلات، ولكن وجود مثل هذا المشروع، يعود بفائدة هائلة على السينما السورية هي: تخليص هذه السينما من مشكلات الرؤى التلفزيونية، فمن كانت لديه الرغبة في صناعة فيلم سينمائي كان يُعَدّ إما في المسرح وإما في التلفزيون، وتالياً كان ينقل معه إلى مشروع الفيلم السينمائي أشياءً يجب ألا تكون في الفيلم، أما هنا فنبدأ من الصفر، يإمكانات محدودة بسيطة، لكنها –على الأقل- إمكانات سينمائية، تنتج فيلماً متكاملاً خلال يوم أو يومي تصوير، حتى وإن لم ينجح، ففي مهرجان الشباب لا نعوّل كثيراً على الأفلام المنتجة لأنها تجربة أولى، لكننا فوجئنا بكمِّ من الأفلام الجيدة، ما شجعنا على أن نحارب للمحافظة على هذا المشروع.

السينما تقاوم كما الوطن

• ماذا عن فيلمك الجديد؟ وما الذي استفزّك في سيناريو الكاتبة الشابة «سهى مصطفى»؟ وهل اخترتم عنواناً؟

•• الفرضية التي وضعتها سهى التي تتحدث عن شخصين يستطيعان التغلب على انعدام كل شروط الحياة، ويخلقان من هذه الحالة حياةً استفزتني، طبعاً النص الذي كتبته سهى أدخلنا عليه الكثير من التغييرات، وكان شرطي الأول معها أنها قد ترى شيئاً مختلفاً تماماً، ومن هنا أوجه لها كل التحية، والفكرة التي وضعتها مغرية جداً ومحرّضة للعمل عليها، ونحاول الآن أن نعمل بنية تتوافق مع الحدث الذي جرى في حمص بشكلٍ من الأشكال وقمت بالتعرف إليه بنفسي، ومن هذا الواقع نستطيع أخذ الخلفية أو الحاضنة، وهي الفترة التاريخية الممتدة من 6 شباط إلى 7 أيار-2012، ونبتكر منها قصة مختلقة وغير موجودة، وهنا يأتي عمل التخيّل، فنحن نقدّم حكاية خيالية تستند إلى مرجعية واقعية، وهي الحرب القائمة في البلد.. نص الكاتبة بعنوان «وقت للاعتراف» لكني مازلت في طور البحث عن عنوان آخر.

• شهدنا مؤخراً ابتعاد المؤسسة عن تيار «سينما المؤلف» في أفلامها الجديدة، كيف تقيّم هذا التغيّر في مزاج المؤسسة؟

•• المؤسسة لم تبتعد عن هذا التيار أبداً ومازالت كل أفلامها تصب في خانة سينما المؤلف، حتى لو كان كاتب السيناريو غير المخرج فسينما المؤلف، تعريفاً، هي تلك التي يمتلك فيها المخرج الكلمة الأخيرة في مونتاج فيلمه، أي إنه يضع توقيعه على مضمون الفيلم وكيفية سرد هذا المضمون، وتالياً هي سينما مؤلف سواء كتب السيناريو أو لم يفعل.

• هل للسينما دور في المقاومة؟

•• اسألي روس ستالينغراد، وسينما البلقان، والسينما الفرنسية، لمن يريد أن يفهم هويته، فليحضر سينما وطنهِ، والوطن الذي لا يصنع سينما، هو وطن لا اسم له.

والسينما السورية اليوم تقاوم كما الوطن، لأن الأحداث أثّرت سلباً في الدراما، بعد أن انفضّ عنها رأس المال الخليجي لأسباب سياسية، بينما اختار رأس المال الوطني الهرب بها لخارج الحدود أو الانكفاء عنها تماماً؛ فصناعة فيلم اليوم تنقل ثقافة الحياة السورية في وجه السواطير..