2014/10/27

رفيــق ســبيعي.
رفيــق ســبيعي.

 

محمد سمير طحان – تشرين

 

 

تكررت شخصية «اليهودي» في الدراما السورية ثلاث مرات خلال المواسم الأخيرة التي ترافقت مع الأزمة التي نعيشها، إذ جاءت هذه الشخصيات بمساحة كبيرة وأساسية ضمن ثلاثة أعمال هي «طالع الفضة» من تأليف عنود الخالد ومن إخراج سيف الدين سبيعي، و«حدث في دمشق»، سيناريو وحوار عدنان العودة وإخراج باسل الخطيب، وفي هذا العام جاء «بواب الريح» من تأليف خلدون قتلان وإخراج المثنى صبح الذي أعلن مؤخراً عن البدء بالتحضير لجزئه الثاني.

 

تشترك الأعمال الثلاثة بالحقبة الزمنية التي تركزت حول المجتمع الدمشقي في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، فكان حول هذه المسلسلات إجماع من قبل نقاد الدراما والفنانين بأنها لا تندرج ضمن تصنيف أعمال البيئة الشامية لما تحمله من توثيق أحداث واعتماد وثيقة تاريخية إلى جانب تنوعها الفكري وانفتاحها على المتناقضات والتنوع غير الموجود عادة في أعمال البيئة الشامية المعتادة.

وفي نظرة سريعة للشخصيات اليهودية المحورية في هذه الأعمال، نجد أن شخصية «طوطح» التي أداها بحرفية عالية القدير رفيق سبيعي هي شخصية ساخرة دمثة تحمل عمقاً فكرياً وفلسفياً إلى جانب تجذّرها بأرض الشام ومحبتها لناسها على تنوعهم، كما رفض الهجرة إلى فلسطين مع من هاجروا من أبناء جلدته، ولم يكن على وفاق مع الحاخامات، وبهذا تشابهها شخصية «يوسف آغا» شيخ كار النحاسين في مسلسل «بواب الريح» التي أداها الفنان الكبير دريد لحام باقتدار، وهي شخصية حكيمة ووطنية تعمل لمصلحة الناس من دون تعصب أو انحياز للطائفة، وبالتوازي ظهرت شخصية «وداد» في مسلسل «حدث في دمشق» التي أدتها بكثير من السحر النجمة سلاف فواخرجي وهي شخصية سيدة جميلة تعشق الشام وأهلها ومتمردة على سلطة الزوج والطائفة وتعيش قصة عشق مع رجل من غير طائفتها ورفضت الهجرة إلى فلسطين بعد خروجها مع من خرجوا من دمشق.

هذه الشخصيات اليهودية التي كسر كتابها الصورة النمطية لشخصية «اليهودي» عبرها كانت في الوقت ذاته في صراع مع الشخصيات اليهودية النمطية الأخرى المحيطة بها التي مثلت التعصب والتطرف الديني والانغلاق والبحث عن المصلحة الشخصية تحت مسمى الدين ومصلحة الطائفة، ولاسيما شخصيات الحاخامات ورجال الوكالة اليهودية المبشرين والداعين للهجرة إلى فلسطين الوطن الموعود حسب زعمهم. وهنا يبرز العديد من الأسئلة عن أسباب طرح هذه الشخصيات بهذا الحجم وبهذه الطريقة الجديدة كلياً على الدراما السورية خاصة والعربية عامة، وكسر التابو الملاصق للشخصية اليهودية عبر سنين وإعطائها هذا الكم الكبير من البعد الوجداني لتكسب تعاطف المشاهد عبر بناء درامي خدم وجودها وأداء مميز من قبل من لعبوها حتى أضحت علامات فارقة في تجربتهم الغنية بعد أن وضعوا في هذه الشخصيات عصارة تجاربهم الطويلة.

هل ما نعيشه من أحداث استدعى صُنّاع هذه الأعمال للذهاب إلى أقصى نقاط التباعد والنفور والخلاف الديني والإنساني والوطني، ليستحضروا هذه النماذج ويبرهنوا أننا قادرون على الحوار وإيجاد المشتركات مهما كثرت المتناقضات، وأن في استطاعتنا تجاوز كل الخلافات بيننا مهما كبرت من خلال درء الفتنة في سبيل الحفاظ على المشترك الأقدس بيننا وهو الوطن؟.

وهل جاء هذا الاجتهاد بفعل جهد فردي وبالمصادفة؟ أم هو مشروع مخطط وسخرت له الإمكانات وتم إعمال العقل فيه للوقوف في وجه الانجراف الفتنوي الهائل في منطقتنا كلها والمخطط من قبل أعداء هذه المنطقة الذين لا يريدون الخير ﻷهلها على تنوعهم؟.

أم إن الابتعاد عن طرح الوجه الحقيقي للأحداث التي نواجهها استدعى استبدال أبناء الدين الواحد بالمختلف لإيضاح الصورة بشكل أكبر، وإذا ذهبنا بعيداً في ظنوننا نصل إلى سؤال: أهي بشرى بأنه لن يكون من الصعب علينا التعايش مع هؤلاء الناس الذين غادرنا أجدادهم، وأن ليس كل من في الضفة المقابلة هم أعداء لنا ويمكن التعاطي معهم في منطقة تتسع للجميع؟.

وهنا يجب أن نتذكر جيداً إن كان هذا هو المقصد الحقيقي من هذا الطرح أن النماذج المقدمة كانت أقلية ضمن تيار حاقد على الجميع ورافض الانتماء لهذه الأرض ولناسها وينتمي لفكر لا يؤمن سوى بالمصلحة الفردية فقط ولا يتوانى عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق أهدافه الشيطانية الخفية أو المعلنة.