2012/07/04

آخر إبداعات «الجزيرة».. المراسلة شيماء من دمشق الفيحاء؟!
آخر إبداعات «الجزيرة».. المراسلة شيماء من دمشق الفيحاء؟!


سامر محمد إسماعيل - تشرين


فقدت القناة القطرية صوابها أخيراً، انساقت وراء اختراع مراسلين «نوع أول» تقول إنهم يحققون تقاريرهم من داخل الأراضي السورية.

ففي نشرات يوم الأحد السادس والعشرين من شهر شباط بثّت قناة «الرأي الآخر» ما يشبه تمثيليات كوميدية لمراسلة ملثّمة تدعى «شيماء البوطي» وقفت بلثام أزرق وأبيض على وجهها ورأسها؛ فيما يظهر خلفها جبل قاسيون؛ لتنهي تقريراً عجيباً أعدته عن الاستفتاء على مشروع الدستور في العاصمة السورية، «شيماء» هذه ذات اللكنة الشامية المحببة وضعت نظارة سوداء ولثاماً ملوناً لتقف في نهاية تقريرها المصوّر بكاميرا الهاتف المحمول على أنها مراسلة لقناة «الجزيرة»-كما عرّفها مذيع النشرة في استوديو الدوحة- مع أن الجميع يعرف أن قناة «الجزيرة» كانت قد أغلقت مكتبها في دمشق منذ الأسابيع الأولى للأزمة السورية، فمن أين جاءت هذا الشيماء؟ ‏

تقول المصادر: إن القناة القطرية لجأت في الفترة الأخيرة إلى ما يشبه عملاء صحافة يقومون بإعداد تقارير لمصلحتها تحاسبهم فيه على القطعة، و من دون أي عقود أو اتفاقية مسبقة على أجور مالية عالية كالتي يتقاضاها المراسلون التقليديون في الشبكة القطرية حول العالم؛ فقط صوّر لنا مقطعاً أو مقطعين من أي شارع أو حيّ في المدن السورية واترك الباقي علينا، وفعلاً هذا ما تتبعه «الجزيرة» اليوم في التعاطي مع الحدث السوري بعد أن فقدت الكثير من مصداقيتها في الأسلوب الذي تعاملت فيه مع الأزمة السورية من خلال اعتماد خيار شهود العيان، الأسلوب الذي باء بفشل ذريع في السياسة الإخبارية للمحطة؛ والذي كان قد اعتمده وضاح خنفر المدير المخلوع للشبكة، متذرّعاً يومها بأن إعلام اليوم هو إعلام تفاعلي يقوم على تقصي الحقيقة بأية وسيلة كانت، حتى بكاميرا الهاتف المحمول، أو بمقاطع مجهولة عن اليوتيوب والفيس بوك لا يمكن التحقق من صحتها أو معرفة المصدر ومدى مصداقيته، ما أوقع قناة «الشعب يصنع ثورته» في مطبات لا تُحسد عليها جعلتها بعيدة عن أدنى أعراف المهنة ومواثيق الشرف الإعلامي. ‏

اللافت في تقرير من سمّت نفسها «شيماء البوطي» أن جميع اللقطات المصوّرة في تقريرها ليست بكاميرا الهاتف المحمول فقط، فقد تمت سرقة مقاطع كاملة من التغطية الحية للفضائية السورية للاستفتاء على الدستور؛ وإضافتها إلى تقرير شيماء عن طريق المونتاج، ومن دون أي ذكر بأن مصدر الصور المستخدمة قد تمت قرصنتها عن التلفزيون العربي السوري، ليصار بعدها إلى دمج هذه الصور بكوادر مهتزة وغائمة توحي بكاميرا متلصصة على المواطنين في مراكز الاستفتاء، في حين أن من تابع التقرير المذكور سيلاحظ أن التركيز كان على التقليل من أهمية المشروع الجديد للدستور، وذلك بتصنيع مشاهد أقرب إلى الدرامية الساخرة منها إلى الخبرية، لنشاهد في تقرير «الشيماء» هذا رجالاً ملثمين يقومون بدورهم بإحراق أوراق كُتبَ عليها الدستور السوري، ومن ثم وضعها في صندوق كرتوني كُتب عليه «حاوية الدستور السوري» ما يعكس حقداً غير مسبوق بالتعامل مع الشخصية السورية التي تعد دستور بلادها من مكتسباتها الوطنية التي ناضلت من أجلها لسنوات طويلة، ونالتها بعد مقارعة باسلة ضد كل أنواع الهيمنة والاستعمار القديم منه والحديث، فمن سمح لشيماء بوضع دستور الجمهورية العربية السورية في حاوية قمامة؟ بل من سمح لقناة «الدم والدم الآخر» أن تستبيح رمزاً من رموز السوريين على شاشتها؟ وتحت أي مسمى يمكننا أن نضع هذه الممارسات السافرة التي تقوم بها قناة إخبارية لا همَّ لها ولا غمّ سوى التعريض بمنجزات الشعب السوري وإهانته على الملأ؟ ثم كيف لنا أن نفهم عبارة «خاص للجزيرة» التي وضعتها القناة في أعلى الشاشة أثناء عرضها لتقرير الحسناء الملثمة؟ هل هذا «الخاص بالجزيرة» يعني السيناريو الغبي الذي صاغته عقول المديرين التنفيذيين في القناة؟ هل هذا «الخاص بالجزيرة» يعني امتهان كرامة وحساسية ومشاعر السوريين بوضع كلمة «الدستور السوري» على حاوية قمامة؟ هل وصل الأمر بقناة الغاز القطري إلى ابتكار الإهانات البصرية على الهواء مباشرةً و من دون أي رادع أخلاقي أو مهني؟ أين مفهوم الحياد الذي صدّعت قناة «الرأي الآخر» رأسنا به؟ علماً أنه لا وجود في العالم كله لإعلام محايد، ويعرف القائمون على قناة «الجزيرة» وغيرها أن ما يسمى بالحقيقة الإعلامية ضرب من ضروب الخيال، وكله في نهاية المطاف تابع لفن صياغة الأجندة، وتحديد الأولويات؛ طبعاً بات معروفاً للقاصي والداني أن أصغر حدث في سورية هو دائماً على قائمة أجندة الإعلام القطري، وهذا يمكن استنتاجه ببساطة من حجم الساعات الطويلة المخصصة للحديث عن الأزمة السورية، وتقليبها على مدار اليوم عبر الأخبار والمعلقين السياسيين والبرامج الحوارية، وعلى رأس النشرات الإخبارية، مهما كان هناك من أحداث أكثر ضخامةً وحضوراً على شاشات محطاتٍ أخرى، فالجميع يذكر كيف أبقت «الجزيرة» الحدث السوري الذي كان وقتها في بداياته بمقدمة نشراتها؛ حتى عندما وقع أكبر زلزال في اليابان في آذار الماضي، والذي تصدّر فيها التسونامي جميع نشرات المحطات الإخبارية العربية منها والعالمية؛ أبقت «الجزيرة» الخبر السوري المنقول عبر شهود العيان كفاتحة لمواجيزها وفتراتها الإخبارية، ليكون أهم من آلاف الضحايا الذين قضوا في أعتى زلزال ضرب الجزر اليابانية وأحدث دماراً هائلاً أثّر على المفاعلات النووية في هذا البلد، وأدى بدوره إلى تسريبات إشعاعية خطيرة حارفاً مركز الأرض عن محورها، مشرّداً آلاف الأسر ومخلفاً وراءه آلاف المفقودين، محققاً كارثة بيئية كونية، ستبقى آثارها لسنوات طويلة خطراً ينذر بتلوث بحار ومحيطات ومدن العالم، عندها أبقت «الجزيرة» التي تملك مكتباً كبيراً لها في طوكيو على أصوات شهودها عبر الهاتف من محافظة درعا؛ بينما شهدت الكارثة التفات عشرات وسائل الإعلام العالمية للمصاب الجلل الذي نزل بالأمة اليابانية. ‏

يبقى السؤال هو عن الاسم الحقيقي لشيماء البوطي، فمن الواضح أن الفتاة التي تضع لثاماً على وجهها لن تبوح باسمها الحقيقي أيضاً، ومن نافل القول أن يكون اسم «شيماء» إلا اسماً مستعاراً، لكن الخطأ الفادح للكاميرا التي صوّرت الحسناء المقنّعة هي صورة الشخص الذي كان يصوّرُها فانعكس وجهه على بلّور نظارتها السوداء، إذ كان الأمر سيمر عفو الخاطر، لولا إهانة التقرير الذي أعدتْهُ لأبرز عقد اجتماعي و أهم نص قانوني في الحياة السورية المعاصرة سواء اتفق عليه السوريون أو اختلفوا.. ‏