2013/05/29

أردوغـان غـاضـب مـن «حـريـم السلطـان»
أردوغـان غـاضـب مـن «حـريـم السلطـان»


محمد نور الدين – السفير

انفجر رجب طيب أردوغان غاضباً على المسلسل التركي الشهير «القرن العظيم»، المعروف عربياً بـ «حريم السلطان». وقال إنّه لا يعكس حقيقة تاريخ السلطان سليمان القانوني، داعياً القضاء إلى التحرك لوقفه. جاء هذا الموقف علنياً، خلال مهرجان شعبي في مدينة كوتاهية أمس الأول الأحد، حين خاطب رئيس الحكومة التركية الجمهور قائلاً: «يقولون لنا: لماذا نهتم بغزة، ولماذا نهتم بسوريا؟ إننا نعيش في عالم من سبعة مليارات نسمة. ونريد أن نذهب إلى كل مكان ذهب إليه أجدادنا على ظهور خيولهم. لكنهم يظنون أن أجدادنا كانوا كما هم عليه في المسلسلات التلفزيونية. إنهم يعرفونهم كما هم في مسلسل «القرن العظيم». ليس عندنا أجداد مثل هؤلاء. نحن لم نعرف القانوني ولا السلطان سليمان هكذا. لقد أمضى القانوني ثلاثين سنة من عمره على ظهر الخيل. ولم تكن في السراي مثل تلك المشاهد التي تمر في المسلسل. هذا ما يجب أن نعرفه ونفهمه جيداً. إنني باسم أمتنا أدين منتجي المسلسل وأصحاب المحطات التلفزيونية التي تعرضه. ورغم تحذيراتنا فإننا ننتظر من القضاء إجراء اللازم».

يثير موقف أردوغان تساؤلات عديدة، لأنّها ازدواجية في بادئ الأمر. ينتقد رئيس الوزراء التركي مسلسل «حريم السلطان»، في حين أنّه لم يعامل بالمثل، الفيلم السينمائي «فتح 1453» والذي تناول سيرة السلطان العثماني محمد الفاتح. بل على العكس، فإنّه شكر القيمين على الفيلم، وأثنى على جهودهم. ويعتبر أردوغان أنّ «حريم السلطان» يسيء إلى صورة القانوني كواحد من أعظم الحكام في تاريخ الدولة العثمانية. كأنّه يريد من منتجي المسلسلات التاريخية أن يبرزوا الوجه الإيجابي من الشخصيات التي يتناولونها، ويغفلوا السلبيات، في محاولة لإسقاط الواقع السياسي الحالي على الماضي، خدمة لأهداف راهنة.

ومن المعروف أنّ تناول الأحداث التاريخية في المسلسلات، يتجاوز الدقّة في الوقائع أحياناً، على اعتبار أن المعالجة تكون دراميّة، وليس وثائقيّة. فهل من عاقل واحد يصدّق مثلاً، أن القصص الواردة في مسلسلات مثل «العشق الممنوع» أو «نور» أو «فطمة»، أو غيرها، تعكس واقع الحياة الاجتماعية والعائلية في تركيا؟ لمَ المطالبة إذاً بوقف «حريم السلطان»، وليس المسلسلات الأخرى، إن كان الهدف الحدّ من التشويه؟ هنا، يظهر الدافع خلف سخط أردوغان من «الزمن العظيم»، دافعاً سياسياً بامتياز. وهنا، تجدر الإشارة، إلى أنّ الحكم على صحّة الوقائع التاريخيّة، ليس بيد أردوغان ولا بيد أي سياسي آخر. فمن يقرّر أنّ «الأجداد كانوا هكذا، ولم يكونوا هكذا»، هم المؤرخون، والمؤرخون حصراً. فكما أغفل فيلم «فتح 1453» عمداً سماح السلطان محمد الفاتح للجنود العثمانيين باستباحة القسطنطينيّة لثلاثة أيام، فإن مسلسل «حريم السلطان» لم يركّز على عظمة السلطان سليمان، وفتوحاته، ولا حتى تشريعاته التي جعلت الغرب يلقبه بالقانوني.

موقف أردوغان، يعدّ تبريراً لتدخّل السياسة في الفنّ. كما أنّ القضاء لا يمكن أن يكون أداةً في خدمة السلطة السياسية، لفرض ما يناسبها من توجهات على الفنانين. إذ إنّ الفصل بين السلطات وتوازنها من أهم قواعد الممارسة الديموقراطية في تركيا، وغيرها من البلدان.