2012/07/04

أكثر من "قناة" في شاشة واحدة
أكثر من "قناة" في شاشة واحدة


أحمد مصطفى – دار الخليج


مع تسارع وتيرة الأحداث في العالم، وخاصة العالم العربي، دأبت كثير من الفضائيات، خصوصاً الإخبارية، على تقسيم شاشتها لنوافذ عدة خلال البث المباشر للأخبار لملاحقة ما يحدث في كثير من البلدان في وقت واحد . يمكن مثلاً على شاشة واحدة مشاهدة مظاهرة في دولة عربية وتداعيات زلازل في اليابان وكارثة في بلد آخر، وربما يحدث ذلك في وقت واحد فتضطر بعض القنوات لتقديم أخبارها بهذا الشكل من دون التدخل في صياغة أي مادة خبرية حيث تتحدث الصورة بنفسها .

خبراء الإعلام يرون أن ذلك يأتي على حساب الخبر وطريقة تقديمه، في حين يرى آخرون أن الصورة بألف كلمة وبالتالي تتركها القناة تتحدث عن نفسها من خلال نقلها بالشكل المباشر وعلى المشاهد أن يتابع ما يريد في آن واحد، لافتين إلى أن ذلك لا يحدث إلا مع تتابع وتزايد الأحداث في وقت واحد ويفرض على أي قناة إخبارية أن تقدم البث المباشر لما يحدث في كل هذه الأماكن بالتزامن .

ويؤكدون أن ذلك من شأنه إثارة عقل المشاهد لمتابعة مزيد من الأخبار في وقت واحد وهو ما يجعله يمكث أمام القناة الإخبارية لفترات طويلة قد تصل إلى أكثر من 5 ساعات يومياً .

د . صادق الحمامي، أستاذ الإعلام بجامعة الشارقة، يقول إن بعض القنوات الإخبارية أصبحت تبالغ في معنى البث المباشر من خلال العمل على بث أكثر من حدث في وقت واحد على حساب تحليل المادة الإخبارية والنص العادي الذي يبحث عنه المشاهد .

ويضيف: هذا الجانب هو نتاج لاهتمام كثير من القنوات الإخبارية بتقديم الحدث المباشر والاهتمام بالصورة من دون التحليل، ما جعل بعض الأحداث أحداثاً “فرجوية” أي للمشاهدة فقط والنظر إلى ما يحدث من دون تحليل أو إبداء رأي، خاصة أن هذا الشكل لا يجعل المشاهد يمل لأنه يعتمد على إثارته وجذبه للأحداث .

وعلى سبيل المثال، كما يقول د . الحمامي، فإن قناة الجزيرة كانت من أكثر القنوات الإخبارية التي اتبعت مثل هذا الأسلوب وأصبحت كأنها غرفة عمليات مجهزة وقت الحرب تعمل على معرفة ما يحدث في كل الجبهات في وقت واحد وبشكل مستمر ومباشر .

ويضيف: من شأن ذلك إثارة عقل المشاهد وجعله يمكث لفترات طويلة أمام شاشة القناة من أجل متابعة الأحداث، لكن إذا قررت القناة فعل ذلك لفترات طويلة بالتأكيد ستحدث حالة من الملل للمشاهد ويبتعد عن معرفة تفاصيل كثير من التطورات .

طاهر بركة مذيع قناة “العربية” يرى أن مسألة تقسيم الشاشة إلى نوافذ صغيرة أمر فرضته سرعة الأحداث ورغبة أي قناة إخبارية في متابعة الأحداث بشكل سريع، والمنافسة الشرسة مع بقية القنوات في تقديم مادة إخبارية حية من دون الانتظار لتتابع الأحداث .

ويؤكد أن ذلك لا يجعل المشاهد ينتقل إلى محطة إخبارية أخرى . ويضيف: هذا لا يعوق عملي كمذيع ولا يؤثر في الأداء رغم أنه هذا العمل والتواصل مع أكثر من مراسل في آن واحد يتطلبان تركيزاً سريعاً من أجل التنسيق وترتيب أولوية نقل الحدث وتنوع الأسئلة .

د . محمد الأمين، أستاذ الإعلام في جامعة الشارقة، يؤكد أن معظم القنوات التي تبث بهذا الشكل لا بد أن تكون وراءها أجندة معينة تسعى من خلالها إلى فرض وجهة نظر تتبناها وهو ما يظهر من خلال شاشة الجزيرة دائماً . على حد قوله .

ويوضح الأمين أن الأحداث الكبرى تاريخياً لا تتكرر تباعاً، وأن الوقت الحالي يمثل حقبة تاريخية تشهد كثيراً من الأحداث المتتالية والتي فرضت على معظم القنوات الإخبارية أن تتنازل عن جودة المادة المقدمة على أساس تقديم صورة حية ومباشرة .

ويضيف: المنافسة الشرسة بين الفضائيات الإخبارية ووسائل الإعلام الجديد مثل الهاتف المتحرك جعلت كثيراً من القنوات الإخبارية تتسارع من أجل تقديم البث المباشر حتى ولو على حساب مضمون المادة أو جودة الصورة المنقولة في ظل منع السلطات في بعض الدول العربية وسائل الإعلام من تغطية الأحداث .

ويوضح د . الأمين أن زوايا الصورة الملتقطة عبر البث المباشر والمقسم لشاشة التلفزيون في كثير من الأحداث لا تخرج الصورة بالشكل الجيد أو تغطي كل المكان الذي يتم تصويره وبالتالي توجد نوعاً من التنافر لدى المشاهد .

ويشير إلى أن كل محطة فضائية تسعى دائماً ليكون لها أرشيف مصور من الأحداث اليومية العادية فما بالنا بهذه الأحداث الهامة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، لذا تضطر معظم القنوات لتقسيم شاشاتها لنوافذ صغيرة من أجل اللحاق بالأحداث وحفظها أيضاً كمادة مصورة خاصة بها في أرشيف القناة .

د . محمد الأمين يرى أن سياسة كل قناة تجعلها ترى أهمية الأحداث كيفما تشاء وبالتالي تقرر بثها بهذه الصورة في حال وقوع أكثر من حدث في آن واحد وفي أكثر من بلد، وهذا لا يعيبها، لأن المشاهد أصبح على وعي تام ويعرف ماذا يريد أن يشاهد وفي أي وقت .

أيمن إبراهيم، مذيع ومقدم نشرات الأخبار بتلفزيون دبي، يوضح أن تقسيم شاشات القناة يطلق عليه “فوربوكس” وهو الشكل الذي يساعد على نقل الصورة بشكل أوضح للمشاهد في ظل تزايد وتسارع الأحداث بشكل يجعل القناة تفعل ذلك مضطرة .

ويضيف: الأحداث الأخيرة التي وقعت في العالم العربي زادت رغبة الفضائيات في متابعتها بشكل فوري وحصري ولم يتح ذلك إلا من خلال الصورة المباشرة والحية خاصة أن الصورة التلفزيونية أشد تأثيراً من أي شيء آخر .

ويوضح أن تقسيم الصورة التلفزيونية لا يمكن أن يشتت عقل المشاهد، وإلا  لما لجأت إليها القنوات من أجل إبراز المحتوى وتقديم خدمة إخبارية مميزة للمشاهد، كما أن لغة الصورة بألف كلمة ويمكن لها أن تعبر عن كثير من الكلمات التي يكتبها محرر الخبر .

ويتابع: الصورة الحية والمباشرة في هذا الوقت أفضل بكثير من نقل الخبر بلقطات غير حية، ورغم ذلك لا يمكن استخدام هذا الأسلوب لتغطية الأحداث كافة، لكن في وقت الأحداث التي تستحق ذلك فقط .

وحول تنفيذ هذه العملية من الجانب التقني يقول إبراهيم: تنفيذ هذا الأمر من الجانب التقني ليس بالصعب مقابل أنه بحاجة إلى شكل حرفي أكبر وخبرة وإتقان في تنفيذه حتى يخرج بشكل مميز .

المخرج التلفزيوني خالد سالم يرى أن تقسيم شاشة القنوات الإخبارية من شأنه أن يعطي أهمية كبرى للأحداث التي تنقلها المحطة الإخبارية وذلك لأنها تقسم الشاشة بشكل يجعل المشاهد يشعر كأنه في قلب كل هذه الأحداث في آن واحد ويمكن أن ينتقل من حدث لآخر بطرفة عين .

ويضيف: تنفيذ هذا الأمر من جانب الإخراج أمر في غاية السهولة،  وهو بالأساس كثيراً ما يحدث عند وجود أكثر من ضيف في برامج أي قناة، فإذا كانت القناة مثلاً تبث من دبي وتتحدث مع ضيف من لندن أو الولايات المتحدة الأمريكية فمن خلال الأقمار الاصطناعية يمكن نقل الضيفين إضافة إلى مقدم البرنامج في آن واحد من دون مشكلات .

ويرى أن المشاهد أصبح يبحث عن المكان الذي يقدم له متابعة الحدث بشكل عاجل وفوري من دون الانتظار إلى نشرات الأخبار وهو ما تقدمه بالفعل القنوات الإخبارية