2012/07/04

أيام سينما الواقعDox Box..نظرة عامة على الدورة الرابعة
أيام سينما الواقعDox Box..نظرة عامة على الدورة الرابعة

تشرين دراما

نظرة عامة على الدورة الرابعة ‏

سورية كما يحلو لمنظّميه تسميته أيضاً، لا يمكن سوى التنويه بقدرة المهرجان الحديث نسبياً (أطلقت الدورة الأولى في إطار نشاطات دمشق عاصمة الثقافة العربية أوائل 2008) على جذب شريحة واسعة من الجمهور، أغلبهم من الشباب، لمتابعة نوع تخصصي جاد من السينما (الوثائقي الإبداعي)، والمشاركة في حوارات مفتوحة حوله مع صنّاعه مباشرةً. صحيح أنّه، في معظمه، جمهور «مناسباتي»، إذا جاز التعبير، يتفطّن بجدية لنوع فنّي معين مع حلول مهرجانه السنوي (يحصل هذا أيضاً مع مهرجانَي دمشق السينمائي والمسرحي)، إلا أنّ صالة السينما الممتلئة بالجمهور مشهد لا نراه كل يوم في الديار السورية بواقعها السينمائي المعروف. ‏

مؤخراً، أسدل «أيام سينما الواقع»، الذي تنظمه شركة بروآكشن فيلم برعاية المؤسسة العامة للسينما، الستار على فعاليات الدورة الرابعة (2-10 آذار2011)، التي انضمّت فيها حلب إلى المدن الثلاث المعتادة: دمشق وحمص وطرطوس، بدعم مالي جديد من وزارة الثقافة مع مساهمات جديدة من مؤسسات وشركات راعية وطنية، إضافةً إلى التعاون المعتاد مع «شركة صورة للإنتاج الفني» (المخرج السوري حاتم علي) ومع المراكز الثقافية الأوروبية والعديد من المؤسسات السينمائية والثقافية العربية والدولية. ‏

التظاهرات والأفلام ‏

46 فيلماً (من بين أكثر من 600 تمّ ترشيحها)، حسب بيان صادر عن إدارة المهرجان، وزّعت على 8 تظاهرات وجائزتَين: «أصوات من سورية» (6 أفلام) تتنافس على جائزة «دوكس بوكس– صورة» (100 ألف ليرة سورية) التي تُمنَح بالتعاون بين «أيام سينما الواقع» وشركة «صورة للإنتاج الفني» للمخرج حاتم علي. ‏

تتنافس الأفلام السورية أيضاً على جائزة الجمهور (3 آلاف دولار) مع أفلام تظاهرة «البرنامج الرسمي» (14 فيلماً)، وهي المختارات الرسمية المنتقاة من قبل لجنة انتقاء ضمّت كلاً من: عروة النيربية (رئيساً)، ديانا الجيرودي (ترشيح)، سيسيل بويكس، منذر كبة، جود كوراني، رامي حمور وناديا مهنا، حسب كتالوغ المهرجان. أفلام مميزة تمكّن المهرجان من جمعها في هذه التظاهرة، منها: الفيلم الذهبي في مهرجان دبي 2010 «هذه صورتي عندما كنت ميتاً» لمحمود المسّاد، والفيلم الذهبي في مهرجان قرطاج 2010 «صداع» لرائد أنضوني، وفيلم الجمهور في مهرجان الدوحة ترايبيكا 2010 «تيتة ألف مرة» لمحمود قعبور، والحائز على جائزة لجنة الاتحاد الدولي للنقّاد والسينمائيين لأفضل وثائقي في مهرجان دبي 2010 «ظلال» لماريان خوري ومصطفى الحسناوي، والفائز بلجنة التحكيم الخاصة وجائزة جمهور مهرجان دبي 2010 «أبي من حيفا» لعمر شرقاوي، و«مملكة النساء: عين الحلوة» لدانة أبو رحمة، وفيلم حديث للأمريكي الشهير فريدريك وايزمان بعنوان «نادي الملاكمة»، و«الآربر» باكورة الأفلام الطويلة للبريطانية كليو بارنارد أفضل مخرج تسجيلي جديد في مهرجان ترايبيكا الأمريكي 2010. ‏

عضوة لجنة التحكيم البريطانية كيم لونجينوتو حلّت ضيفةً على الدورة ضمن تظاهرة «لقاء مع مخرج» (4 أفلام). قامت بمناقشة تجربتها مع الجمهور السوري في أول زيارة لها بعد عرض أربعة من أفلامها، هي: «الساري الوردي» 2010، «ضمني، أفلتني» 2007، «أخوات بالقانون» 2005، وأول أفلامها «كبرياء المكان» 1976. كذلك أشرفت على لقاء تخصصي للمشاركين في مخيم التدريب، بالإضافة لتقديم الاستشارات الفردية للمشاريع التسجيلية المشاركة. ‏

«روائع المهرجانات» (4 أفلام) عنوان التظاهرة الرابعة في المهرجان، وهي مختارات من الأفلام التي حازت العديد من الجوائز حول العالم وفي مهرجاناته المرموقة مؤخراً. مختارات هذه الدورة كانت: «أرماديللو» ليانوس ميتس صاحب الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان كان 2010، وأفضل فيلم تسجيلي من البلقان في مهرجان دوكيوفست 2010 «العالم بحسب يون ب» لألكسندر ناناو، و«شَعر هندي» لماركو ليوباردي، و«كيمو» لبافل لوزينسكي. ‏

رحيل عمر أميرالاي كان مباغتاً للجميع. الرجل، الذي رحل قبل شهر تقريباً من انطلاق المهرجان، من المراجع الأساسية لـ «أيام سينما الواقع» في الاستشارة والاقتراحات والتوجيه. تظاهرة مقتضبة للرائد التسجيلي السوري أضيفت على عجل بعنوان «ثلاثة أفلام لعمر أميرالاي» (3 أفلام) لم تتضمّن أكثر أفلامه إثارةً للجدل، واكتفت بـ «عن ثورة» 1978، «الحب المؤود» 1983 و«نور وظلال» 1994 (مع محمد ملص وأسامة محمد). ‏

شهدت الدورة أيضاً إضافة تقليد سنوي للمهرجان من خلال تظاهرة لليافعين تحت اسم «إنّه عالمي» (4 أفلام)، إضافةً إلى تظاهرتَين اجتماعيتَين جانبيتَين: «في البحث عن حياة أفضل» (4 أفلام) و«عن الرجال» (5 أفلام). ‏

يُذكَر أنّ فيلم الافتتاح، الذي جاء بتزكية من أميرالاي قبل رحيله، كان «القطار الأخير إلى المنزل» لليكسن فان، وفيلم الختام «تصبح على خير، يا لا أحد» لجاكلين زوند. ‏

الجانب التخصصي ‏

على الصعيد التخصصي، توفّر منصة «تبادل» فرصاً عديدة للتشبيك وتبادل المعارف والخبرات ضمن لقاءات تخصصية تمتد على أيام المهرجان وتوجه للمختصين المسجلين، كما يفتح «تبادل» مساحة لحوار تخصصي عن المهنة بجوانبها الإبداعية والإنتاجية، والتواصل مع مختصين من حول العالم. إلى جانب ذلك تفسح المجال أمام المشتركين في برامجها التدريبية للقاء مديرين وممثلين عن بعض أهم صناديق الدعم والمهرجانات التسجيلية العربية والدولية منهم: مديرون ومنسقون من الصندوق العربي للثقافة والفنون، معهد ساندانس، صندوق يان فريمان ومعهد الشاشة من بيروت، ومن المهرجانات حضر ممثلون عن أمستردام وهلسنكي، والتلفزيونات منها الجزيرة وآرتيه وغيرهم. ‏

يوفّر «مخيم التدريب» فرصة لتطوير ودعم مشاريع أفلام تسجيلية ووثائقية، والتعريف بمقاربات لصناعة الفيلم التسجيلي إبداعياً وإنتاجياً «عن طريق برنامج مكثف من جلسات التطوير والاستشارات وبرنامج من جلسات تبادل الخبرة (Master Class) ومحاضرات في البنية والسرد والأسلوب والصورة والمونتاج (التوليف) والإنتاج والتمويل والتسويق والتوزيع». ‏

يستفيد المشاركون أيضاً ممّا توفره منصة «تبادل» من فرص للتشبيك، والتي تقدم الدعم للمشاريع والمخرجين والمنتجين وتروج لهم أملاً في توزيع أعلى للفيلم التسجيلي العربي، كما يقدّم «مخيم التدريب» كذلك برنامج «تكوين» الموجّه للمهتمين ممّن لا يملكون الخبرة الواسعة أو العميقة في مجال عمل الفيلم التسجيلي، حيث يحضّر المشاركون في «تكوين» جلسات تدريبية تخصصية حول جوانب العمل السينمائي التسجيلي. ‏

يتوّج المخيم بإعلان المشروعَين الفائزين بمنحتَي «تمكين» لأفضل مشروع فيلم تسجيلي عربي وأفضل مشروع فيلم تسجيلي سوري، وذلك بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما ومع شركة «صورة» للإنتاج الفني (المخرج حاتم علي). ‏

استقبل «مخيم التدريب» هذا العام 63 طلب مشاركة من 9 بلدان عربية. وفي المشاريع التسجيلية، قام 14 شاباً بعرض مشاريعهم التسجيلية أمام لجنة مؤلفة من عدد من المنتجين والمخرجين والمحكمين ومحطات التلفزيون العالمية وأصحاب صناديق الدعم والتمويل، وذلك بعد أسبوع من ورشات من التدريب لتطوير مشاريعهم والترويج لها في المركز الثقافي الفرنسي على يد عدد من المخرجين والمدربين العرب والدوليين. ‏

تضمّنت لجنة المستشارين والمحكمين كلاً من: أسامة الرفاعي المدير التنفيذي للصندوق العربي للثقافة والفنون، وماري بيير مآسيا مديرة صندوق سند في مهرجان أبو ظبي السينمائي، وكارا مرتس مديرة البرنامج التسجيلي لمعهد ساندانس، والمخرج الفلسطيني رائد أنضوني، والمنتج السوري عروة نيربية بالإضافة إلى ضيفة الشرف المخرجة البريطانية كيم لونجينوتو. ‏

من حيث النتائج العملية، لم نشاهد حتى الآن أفلاماً منجَزَة للمشاركين في ورشات العمل التي درج المهرجان على إقامتها، وإن كانت بعض الأنباء تشير إلى قرب تحقق ذلك. ما يُحسَب للمهرجان في هذا الجانب هو الدور التشبيكي الهام الذي يقوم به مع عدد من منصات التمويل العربية والدولية. ‏

دروس في التنظيم ‏

إحدى أهم ميّزات «أيام سينما الواقع» الأناقة التنظيمية التي يمكن تلمّسها بسهولة كل عام. فريق من المتطوّعين يعمل بتفانٍ ورغبة شخصية بعيدة عن واجبات الوظيفة وأوقات الدوام الرسمي. مطبوعات أنيقة وكتالوغ جذّاب بمعلومات مكثّفة ووافية. عدد أفلام محدد بتوجّه واضح ومدروس، وبالتالي لا وجود لعشرات التظاهرات ومئات الأفلام غير المجدية كما يحصل عادةً في مهرجان دمشق السينمائي. ‏

فيما يخصّ صالات العرض، ابتعد المهرجان عن صالات المسارح التي استخدمها في الدورة السابقة لحساب صالات السينما المتخصصة، ضمن توجّه لوزارة الثقافة بأن يُقام كل نشاط في مكانه المخصص. التوجّه جيد من حيث المبدأ، ولكنّه وجد بعض المشكلات لدى تطبيقه مع قلة عدد الصالات المجهزة بشكل مناسب. هكذا، استعانت إدارة المهرجان بثلاث صالات متفاوتة التجهيز، أفضلها كندي دمّر الجديدة التي احتضنت أفلام تظاهرة اليافعين، تليها كندي دمشق ثم سينما الزهراء المتهالكة رغم جمال تصميمها العمراني. والنتيجة الطبيعية كانت شكوى بعض المخرجين من رداءة الصورة وسوء ظروف العرض، ما أدّى إلى تغييب الكثير من التفاصيل الفنية التي عملوا عليها. ‏

جوائز الدورة ‏

حاز فيلم «في إنتظار أبو زيد» لمحمد علي الأتاسي على جائزة «دوكس بوكس – صورة» لأفضل فيلم سوري، والتي تبلغ قيمتها 100 ألف ليرة سورية، بعد قرار لجنة التحكيم الدولية المؤلفة من المخرجة التسجيلية البريطانية كيم لونجينوتو والدنماركي توه ستين موللر والتشكيلي السوري أحمد معلا. الفيلم، الذي يتناول المفكّر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، اعتبرته اللجنة «وثيقة بصرية عن الفكر وصراعه مع فكر آخر يملك سلطات» منوّهةً بـ «حضور المخرج في الفيلم والشخصية النسوية فيه». ‏

ذهبت جائزة الجمهور (3 آلاف دولار) إلى «تيتة ألف مرة» للبناني محمود قعبور بتصويت 9.25 من 10، وبفارق ضئيل، حلّ «أبي من حيفا» لعمر شرقاوي في المرتبة الثانية بـ 9.18، في حين جاء «مملكة النساء: عين الحلوة» لدانة أبو رحمة في المركز الثالث بـ 8.75. ‏

في ختام مخيم التدريب الذي احتضنه المركز الثقافي الفرنسي: ‏

منحة تمكين لأفضل مشروع فيلم تسجيلي عربي: «كاميرا السيدة فنان» للمغربية كريمة زبير (150 ألف ليرة سورية من المؤسسة العامة للسينما). ‏

منحة تمكين لأفضل مشروع فيلم تسجيلي سوري: «مكابح» لباسل شحادة (6000 دولار نصفها على شكل خدمات ومعدّات). ‏

جائزة ملتقى دبي لتطوير الأفلام التسجيلية: «عمي الإرهابي» للبناني إلياس مبارك (5000 دولار نقداً مع نقل المشروع وأصحابه إلى دبي حيث تتوافر فرص تمويل أكبر). ‏

يُذكَر أنّ الفائزين يحصلون على مجسم تذكاري من تصميم وتقديم الفنان العالمي مصطفى علي. المخرج محمد ملص: ‏

«تظاهرة مهمة ومحرضة وتضيف إلى الوعي السينمائي العام تجارب الجيل الجديد من بلدان متعددة، لإغناء الرؤية الشخصية والاستطاعة في التعامل مع السينما الوثائقية باللغة التي هي عليها اليوم في العالم. أحيّي هذا المهرجان الذي يعتبر فرصة كبيرة وهامة يحتاجها الجيل الجديد في سورية ولاسيما السينمائيين المستقلين والجيل الذي يحاول أن يحقق تجاربه ومشروعاته وأفلامه بلا حماية أو دعم. السينما في سورية محرومة من الدعم، وخصوصاً التسجيلية منها، التي لا يمكن أن تتحقق، لا بالأمس ولا اليوم، إلا بجهود أصحابها ومحققيها». ‏

المخرج أسامة محمد: ‏

ما يسعدني أنّ هناك جيلاً وضع فكرة ومضى بها حتى أصبحت طقساً منتظراً كل عام. هناك جهد كبير وحرص في انتقاء الأفلام بعيداً عن المجانية والتصيّد من المهرجانات. من ميزات هذا المهرجان أنّه يبني ثقة مع الآخرين بدءاً عن بحثه عن ثقته بنفسه، من خلال انتقاء الأفلام التي يحبّ تقديمها لجمهوره».