2012/07/04

 محمد الأمين  الوطن السورية لم تشهد دورات مهرجان دمشق السينمائي ما شهدته الدورة السابعة عشرة التي انتهت منذ بعض الوقت ويمكن القول إن الدورة الأخيرة ستكون فارزة في مسيرة هذا المهرجان الذي بات يحمل جانباً مهماً من العراقة على مستوى المهرجانات السينمائية العربية فهو يعتبر الثالث من بينها حيث لم يسبقه إلا مهرجان القاهرة وقرطاج من حيث الولادة. لقد شهدت الدورة الأخيرة عملاً غير مسبوق إذ وقّع مجموعة من الفنانين السوريين بياناً دعوا فيه إلى مقاطعة المهرجان وكان هذا الأمر مدعاة لاستغراب ضيوف المهرجان من عرب وأجانب ومدعاة للتساؤل أين السوريون، لا نرى أحداً في ردهات فندق (الشام) أو في صالات العرض المتعددة وكأن المهرجان ليس لهم.
 
كان واضحاً أن أغلب من قاطع المهرجان نظر إلى الأمر من زاوية ضيقة للغاية فالبعض بنى موقفه احتجاجاً على عدم دعوته حفل الافتتاح والبعض الآخر حدد موقفه من المهرجان بناء على قرب كرسيه من الصف الأول في دار الأوبرا أثناء الافتتاح وآخرون لهم مشكلات مع المؤسسة العامة للسينما أو مع مديرها ومدير المهرجان محمد الأحمد وربما هناك من حاول تسليط الضوء على الوضع المزري الذي تقبع فيه السينما السورية منذ عقود وقد وصل المقاطعون إلى غايتهم حيث خيمت أجواء سلبية للغاية على المهرجان وغاب العدد الأكبر من الفنانين السوريين فكانت فرصة ثمينة للفنانين المصريين فتسيّدوا المشهد الإعلامي والاستعراضي وخاصة أن ماكينة الإعلام لا بد أن تعمل والطاحونة لا بد أن تطحن سواء كان القمح سورياً أم مصرياً لذا فإن من قاطع المهرجان إنما قاطع نفسه.
والآن وقد انتهى المهرجان وأعلنت خريطة الدورة الثامنة عشرة لابد لنا من القول إن المقاطعين أثخنوا في جراح السينما السورية وزادوا من أزماتها أزمة فموقفهم لم يكن يملك الحد الأدنى من شعور بالمسؤولية وخاصة أنهم يعلمون علم اليقين أن المهرجان من حيث الفكرة والمبدأ ليس ملك أحد وإنما هو ملك لكل السينمائيين السوريين شاء من شاء وأبى من أبى فهو باق وهم زائلون مهما عمّروا ومهما زمّروا، إن الدولة ومنذ عام 1979 تدفع ملايين الليرات السورية لإقامة مهرجان للسينما له العديد من الغايات الثقافية والسياسية وتحاول جاهدة أن تراكم خبرات سينمائية وأن تبني في مخيلة المبدعين بيوتاً للسينما من خلال استدراج عشرات الأفلام السينمائية العالمية إلى دمشق لتقول لكل المهتمين من أراد التمتع والمعرفة فالفرصة مواتية وبالمجان ورغم ذلك يأتي من يرمي بكل ذلك فقط لأنه لم يكرم في المهرجان أو لم يحظ بفرصة الفرجة على نجوم السينما العالميين والعرب عن قرب أو لأنه غير مرتاح أو منسجم مع هذا أو ذاك. ماذا كسب هؤلاء من وراء التقليل أو الطعن بالمهرجان؟ وهل سيكون حال السينما السورية أفضل لو تم إلغاؤه وشطبه من خريطة المهرجانات العربية؟ يجب أن يبقى هذا المهرجان لأجيال جديدة من الشباب السوري الذين نأمل أن تكون نوافذ إبداعهم أوسع لأننا نخشى القول إننا في خضم عقم سينمائي لا شفاء منه حتى على طريقة (سينما الأنابيب).
كان يجب أن يتروى من وقّع أو من صرّح لا بل كان يجب عليه أن يدعو ويحض الشباب على المشاركة بفاعلية بتفاصيل المهرجان وخاصة لجهة مشاهدة عشرات الأفلام القيّمة والمميزة وحضور الندوات. ألا يرى المقاطعون أن من المعيب أن تعقد ندوة في دمشق عن فلسطين والسينما العربية لا يحضرها إلا عدد لا يتجاوز عدد أصابع الكفين من الصحفيين فقط؟ أليس من المستغرب أن عدداً كبيراً من الفنانين السوريين لم يلحظوا أن هناك أفلاماً تستحق المشاهدة؟ إذا كنا نريد للسينما السورية النهوض يجب أن يبقى المهرجان خارج نطاق تصفية الحسابات وألا يتحول إلى دريئة لسهام النقد الجارح وأعتقد أنه من الأفضل فصل المهرجان عن المؤسسة العامة للسينما لكي يتحول إلى هيئة مستقلة تماماً يرأسها فنان سوري معروف ومشهود له بالكفاءة والنزاهة ويكون على مسافة واحدة مع الجميع وأعتقد أن هناك أسماء عدة قادرة على النهوض بهذه المهمة على أفضل وجه، ولكي نثبت أننا لسنا في معرض الدفاع عن أحد نؤكد أن حال المؤسسة العامة للسينما لا يسر أحداً على الإطلاق وأن هناك هدراً لملايين الليرات من أفلام لا تحمل أي قيمة فكرية أو معرفية أو فنية وأن السينما السورية تراوح مكانها منذ أكثر من عشر سنوات وأن الأمر وصل إلى حدود مقلقة وأن علامات استفهام كبرى ترتسم في مخيلة المتابعين للشأن السينمائي السوري.
إلى متى نبقى ننتظر على ضفاف السينما ولا نجرأ على خوض غمارها؟ وإذا كنا لا نحسن ذلك وليس بالإمكان أبدع مما كان فلنعلن ذلك على الملأ فالمجاملات المجانية والجوائز المتخيلة والمفصلة على مقاسنا لا تضع مشعلاً للسينما في سورية فالنفخ في (القُرب) المثقوبة لا طائل منه ولا يورّث إلا التعب وانقطاع النَفَس، لا يجوز المجاملة على حساب مستقبل السينما السورية، يجب ألا تتحول المؤسسة العامة للسينما إلى مجرد (سبيل) للعابرين و(ضيعة ضايعة) وميدان تسكّع، إننا لنشعر بالغيرة كلما شاهدنا فيلماً إيرانياً بديعاً لم يُصرف عليه ربع ما صُرف على أفلامنا الرديئة ونسأل أليس من حقنا أن نشاهد فيلماً سورياً رائعاً نخرج من الصالة والنشوة العارمة تتملكنا ونحن الذين نملك من التجربة وتراكم الخبرات ما يفوق التجربة الإيرانية بكثير في مجالات الفنون كافة؟ أعتقد أن حال السينما السورية بات يتطلب فتح قنوات جادة ومسؤولة مع كل المبدعين ومع كل المهتمين بالفن الأسمى والأرقى فلماذا لا ندعو إلى طاولة حوار تطرح عليها كل الآراء فحالة تمترس كل في خندقه لا تفيد أحداً؟
وأخشى أن يكتشف العالم الفن الثامن ونحن ما زلنا نتفرج على الفن السابع ولا نشارك فيه بل لم نستطع حتى الآن أن نعرف قيمته