2012/07/04

إنجاز رغم الأزمة
إنجاز رغم الأزمة


تهامة الجندي – الكفاح العربي


قبل عام تم الإعلان عن قيام المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في دمشق، وهي هيئة إنتاجية رسمية، ترتبط بوزير الإعلام مباشرة، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتهدف إلى تطوير الدراما السورية، ورعاية المواهب الإبداعية، ومد قنوات التعاون مع الجهات العامة والخاصة العاملة في المجال الفني. ورغم الأزمة التي تعصف بسوريا، فقد استطاعت المؤسسة أن تقدّم باكورة أعمالها خلال الموسم الرمضاني الفائت، وأن تواصل نشاطها بإطلاق مجموعة جديدة من المشاريع والأعمال في سياق خطتها لهذا العام، فما الذي تحمله هذه البدايات من أسئلة ومتغيرات على الساحة الفنية؟

في عامها الأول دخلت المؤسسة العامة حلبة الإنتاج الدرامي بميزانية كبيرة تُقدّر بحوالى ستماية مليون ليرة سورية، ولم تقتصر خطتها الإنتاجية على المسلسلات التلفزيونية فقط، بل شملت الأفلام الروائية والتسجيلية أيضا، كما أفردت مساحة مهمة للمواهب الشابة من كتّاب سيناريو ومخرجين وممثلين إلى جانب اعتمادها الكفاءات المكرّسة في الوسط الفني، وفي هذا السياق استطاعت أن تنجز في النصف الأول من العام الحالي أربعة أعمال (في ثلاثين حلقة)، عُرضت على الشاشة الصغيرة خلال رمضان الفائت، وفيلم روائي طويل تم عرضه في صالات الكندي، وبعد الموسم الرمضاني استأنفت المؤسسة نشاطها بإنجاز سلسلة من الأفلام القصيرة لم تُعرض بعد، والبدء بتصوير مسلسل لرمضان المقبل، بينما تم إرجاء مسلسلين إلى أجل غير معروف.

باكورة الإنتاج

المسلسلات التي قدّمتها المؤسسة تميزت بمحاولة صادقة لعكس الواقع السوري المعاصر، والتركيز على قضية الفساد الإداري بمختلف وجوهه مع اهتمام ملموس بالأساليب الفنية، ما جعلها تنافس أعمال القطاع الخاص، وتشكّل حالة متقدمة من حيث جرأة الطرح وأساليب المعالجة مقارنة بمثيلاتها من أعمال القطاع العام، وكان للمواهب الشابة أيد بيضاء على هذا الصعيد، ويتصدر القائمة مسلسل «فوق السقف» لتناوله الحراك السوري الراهن بمختلف أطيافه الموالية للنظام والمعارضة له في لوحات انتقادية ساخرة، قام بتأليفها مجموعة من الكتاب الجدد وأخرجها سامر البرقاوي، غير أن المسلسل أثار حنق الرقابة، فقطعت بثه في الحلقة الخامسة عشر.

وكان مسلسل «سوق الورق» تأليف الطالبة الجامعية آراء الجرماني في تجربة أولى لها، إخراج أحمد ابراهيم، من الأعمال التي حرّكت المياه الراكدة في الوسط الجامعي لتناوله بعض أوجه فساد الهيئة التدريسية في الجامعات السورية، وتطرقه إلى دور الإنترنت والعالم الافتراضي في حياة الطلاب من خلال الفيسبوك وغرف الدردشة، وحسب ما تناقلته بعض الجهات الإعلامية، فقد أثار المسلسل موجة من الاستياء العارم في جامعة دمشق، أدت إلى وقف رسالة دكتوراه الكاتبة في النقد السينمائي، كما أثار نقاشا محتدما في إحدى جلسات «مؤتمر الحوار الوطني» الذي تستضيفه الجامعة، سرعان ما تحوّل إلى ما يشبه العراك.

وجاء «المنعطف» الذي أنتجته المؤسسة بالشراكة مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، تأليف ماهر دروبي، إخراج عبد الغني بلاط، جاء ليكشف الفساد الإداري في بلدية مدينة حلب من خلال تواطؤ موظفي البلدية لهدم بناء تاريخي جميل، كان من المفترض الحفاظ عليه كقيمة أثرية.

على خلاف ذلك عاد مسلسل «ملح الحياة» إلى المرحلة الأخيرة من الانتداب الفرنسي على سوريا والسنين العشر الأولى من الاستقلال، محاولا استنهاض الروح الوطنية من خلال قصة أستاذ يقتل جندياً فرنسياً أثناء تظاهرةٍ مناهضة للاحتلال الفرنسي، ويُحكم عليه بالنفي إلى غويانا، ثم يتمكن من الهرب والعودة ثانية إلى الوطن. والعمل من تأليف حسن م يوسف، إخراج أيمن زيدان، وقد تم تصويره في أكثر من 150 موقع بمشاركة حوالى مئتي ممثل.

وكان من المقرر ضمن خطة العام الحالي أن تقوم المؤسسة بإنجاز مسلسلين آخرين في خمس عشرة حلقة عن روايات حنا مينا وسيناريو محمود عبد الكريم، الأول بعنوان «المصابيح الزرق» يخرجه محمد عبد العزيز، ويتطرق لبيئة الساحل في فترة الأربعينيات أثناء الانتداب الفرنسي لسوريا، والمسلسل الثاني بعنوان «شرف قاطع طريق» يخرجه ثائر موسى، ولا يبدو تأجيل تصوير المسلسلين أمرا مستغربا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأزمة السياسية في سوريا التي أدت إلى تأجيل أو إلغاء الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية التي كانت مقرّرة من قبل القطاعين العام والخاص على حد السواء.

فيلم «طعم الليمون» تأليف رافي وهبي عن فكرة حاتم علي، إخراج نضال سيجري، فيلم تناول قضية اللاجئين العرب في سوريا، وكان أكثر تحفظا من مسلسلات المؤسسة في التطرق لإشكالات الواقع، محاولا السعي خلف حالة وسيطة بين أفلام القطاع العام الموسومة بمقولتها الجادة، وأفلام القطاع الخاص القائمة على الكوميديا، وهو ذات الأسلوب الذي ابتدعه المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد منذ فيلمه الأول «ليالي ابن آوى» في العام 1989.

قيد الإنجاز

من جانب آخر وفي إطار الأعمال الفنية التي يجري تنفيذها في الوقت الراهن، أعلنت المؤسسة مؤخرا عن الانتهاء من تصوير سلسلة «أنت هنا» التلفزيونية ودخولها إلى غرفة العمليات الفنية من مونتاج ومكساج، والسلسلة مكونة من اثني وسبعين فيلما قصيرا، قام بتأليفها شادي دويعر، وأخرجها علي ديوب، وعلى حد تعبير المخرج: فقد تم تصوير «أنت هنا» في واحد وأربعين يوما، وهي مدة قصيرة نسبيا، لم تواجههم خلالها أي مصاعب أو مشاكل، ولم يتوقفوا عن التصوير إلاّ ليوم واحد بسبب سوء الطقس.

وفي السياق ذاته أُعلن عن البدء في تصوير مسلسل «المفتاح» تأليف خالد خليفة، وإخراج هشام شربتجي، والعمل اجتماعي معاصر يعالج مجموعة من المفاهيم والقيم الحياتية كالحب والزواج والشرف والأمانة، ليثبت هشاشتها عند امتحانها على محّك الواقع، كما يطرح أشكال مختلفة من الفساد الاجتماعي والاقتصادي، وعلاقتها الوثيقة بفساد القضاء والالتفاف على القانون لخدمة المآرب الخاصة.

أما فيما يخص «مشاريع الشباب» فقد انتهت المؤسسة من تصوير الفيلم القصير «نخاع» تأليف علي وجيه، إخراج وسيم السيد، وحول تجربته يذكر الكاتب: أن الفيلم محاولة لتقديم فكرة مكثفة لحالة جدلية حياتية يخنقها الروتين اليومي، ضمن مزيج مميز من الجو السريالي والأداء الواقعي للممثلين، بينما يذكر المخرج: أن الفيلم يتحدث عن العلاقة الزوجية غير المتكاملة والمحكومة بالرتابة، وأنه يقدّم الفكرة من خلال صورة صامتة في لوكيشن واحد لمدة عشر دقائق فقط.

الشراكات الفنية

في بيان أصدرته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي أعلنت عن رغبتها في إقامة شراكات فنية مع شركات الإنتاج السورية الخاصة ابتداء من الموسم الدرامي 2012، بهدف دعمها، والافادة من خبراتها، والخروج بإنتاج مشترك يرقى بالدراما السورية، ويحقق طموح جمهورها، وأكدت المؤسسة بهذا الخصوص حرصها على شراكة فنية مثالية تؤتي ثمارها من دون أن يتحول طرف من طرفي الشراكة إلى عبء على الآخر، كما أبدت رغبتها في التعامل مع كافة شركات الإنتاج الخاصة بشفافية تامة، وقد طرحت جملة من المعايير التي ستعتمدها في اختيار شركائها، هي: أن تمتلك شركة الإنتاج الخاصة في رصيدها أكثر من عمل متميز لاقى احتفاءً جماهيريا ونقدياً، وأن تكون حصة الشركة الخاصة ما يعادل خمسين في المئة من كلفة إنتاج العمل المقترح أو أكثر، وأن تتمتع بخبرات تسويقية وإنتاجية تؤهلها للاستثمار والإفادة من إمكانات المؤسسة.

وتأكيداً على مبدأ التشاركية الفاعلة والتعادلية تُشكل لجنة خاصة من أعضاء الطرفين، لإقرار النص الدرامي واختيار المخرج وبحث حجم الموازنة، على أن تتم المصادقة على المشروع من قبل مجلسي إدارة المؤسسة والشركة الخاصة بما يحقق مصلحة العمل ومتطلباته.

مدينة الإنتاج التلفزيوني


وفي بيان صحفي آخر أطلقت وزارة الإعلام والمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي مشروع مدينة الإنتاج التلفزيوني في سوريا على مساحة كبيرة جداً بالقرب من العاصمة دمشق، وتضم المدينة فعاليات إنتاجية وتعليمية وخدمية وثقافية وترفيهية متعددة، تتعلق بالإنتاج الدرامي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي، منها: ستوديوهات تصوير ضخمة ومسارح وقاعات عرض، مغلقة وأخرى في الهواء الطلق، إضافة إلى تخصيص مساحات واسعة ضمن المدينة للاستثمار في مجال الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وترفد فعاليات المشروع إقامة المعهد العالي للفنون السينمائية والتلفزيونية الذي يمهد لتأسيس أكاديمي للعاملين في مجال صناعة الدراما التلفزيونية والسينمائية، كما يجري تصميم فعاليات خدمية أخرى، في مقدمتها فندق أربع نجوم وأمكنة ترفيه وتسلية.

وماذا بعد

إذا كان للقطاع العام الفضل في ولادة المسلسل السوري وتكريس تقاليده، على اعتبار أنه كان الجهة المنتجة الوحيدة منذ بداية ستينيات القرن العشرين وحتى أوائل التسعينيات، حين تأسست شركات القطاع الخاص، وشكّلت رديفا متفوقا، استطاع أن يرقى بالدراما السورية، ويسهم بتوزيعها وانتشارها على المستوى العربي، بالاعتماد على طرح الموضوعات الاجتماعية الجريئة، وتصنيع النجوم، ورفع أجور الفنيين، بينما تراجع إنتاج التلفزيون السوري كماً ونوعاً تحت وطأة الرقابة والروتين.

ويبدو أن الجهات الرسمية بإحداثها المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، قررت استعادة زمام المبادرة بالافادة من تجارب القطاع الخاص والتعاون معه لقيام صناعة درامية، تملك كافة مستلزمات النهوض من بنية تحتية وكوادر أكاديمية، ومن أجل ذلك كان لا بد من توسيع هامش حرية التعبير، ورفع سقف الأجور، وتجاوز الروتين الإداري، والسعي لإقامة شراكات فنية، وإطلاق مشاريع تنمية مستدامة، ما فتئت إدارة المؤسسة تعلن عنها منذ قيامها.

وإذا كانت المؤسسة في عامها الأول قدّمت مسلسلات لفتت انتباه الجمهور وأثارت الجدل، غير أنها لم ترسم معالم هوية فنية واضحة، ولم تتجاوز نوعية ما قدّمه القطاع الخاص، كما أنها لم تسلم من مقص الرقيب ومنعه، أما على مستوى الفيلم الذي عرضته، فهي لم تحقق أي تقدم يُذكر مقارنة بنتاج مثيلتها المؤسسة العامة للسينما، وقد يكون من المبكّر والمجحف أيضا إطلاق أحكام قيمة حول خطوات المؤسسة الأولى، وقد تكون الظروف العامة غير ملائمة للمضي قدماً في تحقيق أهدافها المعلنة، فالأولوية اليوم للحدث السياسي والفن المسيّس، لكنه من المؤكد إن لم تظل المشاريع حبيسة الأدراج، والأهداف حبرا على ورق، فسوف يكون لهذه الهيئة الإنتاجية شأن مهم في صياغة نواة صناعة درامية راسخة، تعود بالخير على الدخل القومي، وعلى تقليص حجم البطالة لدى الشباب.