2014/12/27

"دائرة الطباشير" عن خاسري الحرب... في العصور الدامية
"دائرة الطباشير" عن خاسري الحرب... في العصور الدامية

بوسطة – علي المحمد

منذ اليوم الأول لعرض "دائرة الطباشير" (20 كانون الأول / ديسمبر 2014) الذي أعدّه وقام بإخراجه الفنان أيمن زيدان يشهد مسرح الحمراء ازدحاماً كبيراً، الجمهور يملأ مقاعد المكان ويفترش ممراته يومياً لدرجة أن كثيراً منهم يضطرون للوقوف إلى جانب مصوري التلفزيون خلف المدرج، وجوه فنية مألوفة، طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية والكثير من الصحفيين.

 

في "دائرة الطباشير" يعوّل زيدان على السينوغرافيا في نسج الجو النفسي للقصة يبدأ العرض بمشاهد ضوئية مبهمة على خلفية المسرح تجسد معارك بالسيوف تتخللها لقطات لجيوش حديثة وطائرات ثم منازل محترقة ومهدمة، تتعالى الموسيقا الملحمية (التي وضعها المؤلف الموسيقي سمير كويفاتي)، وسط الخشبة يقف "الراوي" (عروة العربي) ويبدأ بسرد ملخصٍ عن حكاية المسرحية، ويتابع الممثلون الصعود إلى الخشبة مرددين عبارة "في العصور الدامية" لتخلص بعدها إلى الشعور بمعنى الحرب، وتتعرف بعدها على شخصيات القصة، التي اختار زيدان أن يضع أقنعة أعلى رؤوسها فهو يرى أنّ "الحرب دائماً تعني الأقنعة التي تتساقط فيما بعد تدريجياً".

 

تحكي "دائرة الطباشير" قصة مملكة تعاني ويلات حرب خارجية وتمزقّ داخلي ينتهي بقتل الملك وهروب الملكة (لوريس قزق) خوفاً على حياتها، متخليةً عن طفلها الرضيع، ويظل الصغير في رعاية "غروشا" الخادمة التي تبدأ هي الأخرى رحلة هربٍ للحفاظ على حياة الطفل، تمر أعوام تضطر خلالها "غروشا" لبذل الكثير في سبيل الطفل، قبل أن تعود الملكة مطالبةً باسترداد ابنها طمعاً بالحصول على ثروة زوجها وهنا بحتكمان إلى القاضي الذي يقرر أخيراً حل الخلاف برسم دائرة من الطباشير تكون ساحة النزاع على الطفل بين الوالدة والخادمة ويحكم أخيراً بأن "الطفل للأم التي تربيه وترعاه" كما "الوطن لمن يحميه ويعمل به" وتنتهي القصة بخاتمة سعيدة لمعاناة "غروشا" (آلاء عزام) التي تؤدي أول أدوارها بعد تخرجها من قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية ورغم ذلك "فقد قدمت مجهوداً كبيراً وكان أداؤها لافتاً" يقول معدّ العمل ومخرجه ويضيف: "هناك الكثير من المواهب الكامنة والإمكانيات العالية التي لا تحتاج أكثر من التحريض، ولم يستطع التلفزيون أو الفيديو اكتشافها بسبب ابتعاده عن المخاطرة وهو ما يرسخ دائماً الوجوه ذاتها". معظم الشباب الذين أدوا أدوار المسرحية هم "خريجون جدد من المعهد العالي ولكن أداؤهم كان مدهش". فالمسرحية ليست بالسهلة وهو ما رأى فيه زيدان "دافع يستحق المغامرة والاقتحام لإبراز إمكانيات هؤلاء الشباب الذين اعتبرهم شركاء حقيقيين في التجربة".

 

اختيار أيمن زيدان نص بريخت جاء لسببين يقول لـ "بوسطة" السبب الأول " أنه شاعر وأديب ألماني كبير، هو كاتب متنوّر ونحن اليوم نعيش في ظل ظروف يهيمن فيها فكر سلفي" أما السبب الثاني فهو "أن أحداث القصة تجري على خلفية حرب طاحنة تترك على الناس آثاراً كثيرة". كالخوف الذي ينتجه الفقر أيام الحروب "ملعون أبو الفقر الذي علمنا الخوف"، وتتداخل "دائرة الطباشير" بما يجري في سوريا بالعديد من الاستعارات "انسحاب تكتيكي" يطلقها أحد الجنود إعلانناً لتراجع جيش المملكة ويقول آخر متسائلاً "هل أنت من المغرر بهم أم من الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء". ويصيح القاضي "محمد حداقي" الرجل البوهيمي المنعتق من أي شيء، محذراً في ذروة المسرحية "إن العربة التي تسقط تجر الخيول المتساقطة عرقاً إلى أعماق الهاوية".

 

إلى جانب الفنانين : محمد حداقي (القاضي)، حسام الشاه (الوزير-العريس)، شارك في أداء الأدوار كل من الفنانين الشباب : عروة العربي (الراوي)، ولاء عزام (جروشا)، وسيم قزق (الأخ-الفلاح-المحامي الثاني-الهارب)، كرم شعراني (العريف-الراهب) ، قصي قدسية (سيمون)، فادي حموي (ابن الأخ-الفارس)، مغيث صقر (الحاكم-بائع الحليب-المحامي الأول)، أريج خضور (المربية-زوجة الأخ-عجوز) ،علاء ديار بكرلي (المهندس-الجندي)، نور أحمد (الخادمة-الفلاحة)، لوريس قزق (زوجة الحاكم-الحماة) ، خوشناف ظاظا (الياور-شوفا).

 

ويستمر عرض "دائرة الطباشير القوقازية" يومياً على خشبة مسرح الحمراء (الساعة الخامسة مساءً) حتى يوم (5 كانون الثاني/يناير 2015).