2012/07/04

نور الدين صايل: ما يجذب النجوم الى مراكش أقوى من المال
نور الدين صايل: ما يجذب النجوم الى مراكش أقوى من المال

فيكي حبيب - دار الحياة

أسّس، أو على الأقل، ساهم في تأسيس قواعد كثيرة للنشاط السينمائي في المغرب. من حركة نوادي السينما الى الحركة النقدية الى ارتباط السينما بالتلفزيون، وصولاً الى إعادة إحياء الإنتاج والمهرجانات السينمائية.

نور الدين صايل حالة على حدة في الحياة الثقافية المغربية. حتى أعداؤه، وهم كثر منذ تسلم مقدرات المركز الوطني للسينما، يعترفون له بكل هذا، وإن كانوا يأخذون عليه الكثير من الأمور. هذا يجعل صايل في حروب دائمة. لكنه، كما يقول، لا يعبأ كثيراً بهذه الحروب. همه الأساس أن ينهض بالسينما المغربية وأن يكرّس نجاح المهرجانات في بلده، وفي مقدمها مهرجان مراكش الذي إذ ورثه قبل سنوات عن مؤسسيه الفرنسيين، أدخل إليه أبعاداً عربية سرعان ما تضاءلت... وربما بسبب أموال المهرجانات العربية الأخرى وتضارب المواعيد.

في دورة هذا العام من «مراكش» التي انتهت قبل أيام، ثارت في وجه نور الدين صايل أسئلة ومآخذ وانتقادات. واعتبر كثر أن الدورة هذه أتت أضعف من سابقاتها. وشجب آخرون الغياب العربي، واستنكر فريق ثالث اختيار الفيلم المغربي الذي شارك في المسابقة... كل هذا حملناه الى نور الدين صايل، طالبين منه ان يزاوج في ردوده بين تاريخه كناقد، وحاضره كمسؤول رسمي وفني... والحصيلة هنا:

أطفأ «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش» شمعته العاشرة في احتفال ضمّ نجوماً كباراً في عالم الفن السابع. ما الذي حققه المهرجان خلال تلك السنوات؟ وهل أنتم راضون عن مسيرته؟

- أظن أن مهرجان مراكش حقق الى الآن بعض المكتسبات التي لن يتراجع عنها. على رأس اللائحة أفلام ذات مستوى عالٍ للمسابقة. ولا شك في أن الاختيارات تتحسن سنة بعد سنة. وتبقى المرجعية الأساسية لانتقاء هذه الأفلام بحسب قيمتها الفنية. أي مرجعية سينمائية خالصة. فنحن نبتعد كل البعد من كل ما له علاقة بالتوازنات الجغرافية والسياسية. خصوصاً ان مراكش مهرجان دولي وليس مهرجاناً إقليمياً أو قارّياً. من هنا، فإن طموحنا اكبر من المناطقية، وهو يتبلور من خلال قدرتنا على اختيار منطقي مدروس للأفلام في المسابقة.

قد يفهم من جوابك وكأنك تردّ ضمنياً على جميع الذين انتقدوا غياب الأفلام العربية عن هذه الدورة.

- في الدورة الماضية، اخترنا فيلماً عربياً جيداً هو «هليوبوليس» (من مصر) ليشارك في المسابقة، من دون ان نثير ضجة من حوله. أما هذه السنة، فمن بين التسعة أو العشرة أفلام التي شاهدناها من عدد من البلدان العربية، لم نجد فيلماً عربياً واحداً قادراً على منافسة الأفلام الـ15 التي اخترناها للمسابقة. وبصراحة لا أدري لِمَ يثير هذا الأمر استنكار بعضهم ولا يستنكرون مثلاً غياب السينما الفرنسية عن المسابقة على رغم أننا نكرّمها في هذه الدورة.

غياب عربي

لكنّ غياب السينما العربية لا ينحصر فقط في أفلام المسابقة، إنما يطاول البرامج الأخرى الموازية.

- اعتدنا في الدورات الماضية ان يضمّ برنامج «نبضة قلب» أفلاماً عربية. لكن، الاحتفاء بالسينما الفرنسية حال دون إدراج هذا البرنامج خلال هذا الموسم، بعدما طلبنا من مخرجين كبار مثل مارتن سكورسيزي وفرانسيس فورد كوبولا والأخوان داردن أن يختار كل منهم فيلماً من الأفلام المهمة في تاريخ السينما الفرنسية لنعرضه على الجمهور المراكشي. عموماً، التوازنات لا تهمنا. ولا يهمنا ان يكون لدينا شبه مسابقة سنوية للفيلم العربي. بالنسبة إلينا لا تهمّ جنسية الفيلم. فالأهمية هي للقيمة الفنية التي يقدمها. بالتالي، لا وجود عندنا لسينما نعتبرها درجة ثانية. وحين نختار فيلماً عربياً أو أفريقياً عليه أن يكون قادراً على منافسة الفيلم الأميركي أو البولوني أو المكسيكي أو الفرنسي.

هل تغمز هنا من قناة المهرجانات العربية التي أخذت تتكاثر أخيراً، وتتنافس على استقطاب الأفلام العربية؟ وما رأيك بالمهرجانات الخليجية تحديداً، خصوصاً انها تقام في بلاد لا وجود للسينما فيها؟

- أحترم كل المهرجانات. وأرى أنها كلما كثرت في العالم العربي، كان في ذلك منفعة للثقافة السينمائية للبلد الذي ينظمها. كما انها، على المدى المتوسط أو البعيد، ستكون في مصلحة الصورة والصوت الخاصين بهذه البلدان، حتى وان كانت اليوم غير قادرة على الوصول الى صناعة سينمائية، لكن الحال سيتبدل مع مرور الوقت. ثم ان الهدف المتوخى من كل المهرجانات هو في قدرتها على خلق صورة حقيقية للبلد الذي ينظم مهرجاناً دولياً.

هدف سياحي إذاً؟

- كلا، نحن في المغرب أصبحنا ننتج الآن ما معدله 17 فيلماً في السنة. ومن المتوقع ان يصل الإنتاج العام المقبل الى 20 فيلماً روائياً طويلاً وأكثر من مئة فيلم قصير. هدفنا ان نستعمل الثقافة السينمائية والمهرجانات الكبرى لخدمة الإنتاج السينمائي وفتح عيون الناس على ما يحدث من حولهم. فالسينما لا تنحصر بالسينما الوطنية والمحلية. السينما أضحت متناً أساسياً في صنع العلاقات بين الناس وتوطيدها. من هنا، إذا كانت الدول التي تنظم مهرجانات دولية لديها طموح في ان تجعل العلاقات حقيقية بين الناس بواسطة الفيلم، ثم تدفع الناس للتعبير الفني الحرّ حول كل القضايا التي تهمّ البلد، تكون هذه المهرجانات قد صنعت الكثير. وفي رأيي إن المآل الطبيعي للدول التي تنظم مهرجانات هو في تحولها الى إنتاج الأفلام. ففي المغرب نحن ننتج أفلاماً، ونتعامل مع المهرجانات وكأنها تكملة لإنتاجاتنا والعكس صحيح. هذه هي الجدلية التي تجعل مهرجان مراكش ذا أهمية قصوى بالنسبة الى المغرب والمنطقة، بما انه أهم مهرجان في المنطقة. من هنا طموح المهرجان ان يدخل الى المستوى العالمي. وهذا لا يتحقق إلا إذا كان لدينا انتماء وطني إقليمي قوي. فكلما كنت منغمسة في بلدك وصلت بسرعة أكبر الى الكونية.

يتعارض هذا الكلام وما يقال عن الانتماء الفرنسي للمهرجان؟

- لا يمكن إنكار ان انطلاقة المهرجان كانت بمساعدة الفرنسيين. كما أنني لا آخذ هذه المسألة بكيفية عصبية، ولا أشعر بأي مركَّب نقص بالنسبة الى الفرنسيين الذين كانوا في بداية المهرجان ولا بالنسبة الى الذين اخترناهم ليعملوا معنا ابتداء من الدورة الرابعة. أشبّه ذلك بفريق كرة قدم محلي يختار في صفوفه لاعباً إنكليزياً لأنه قادر على تحقيق الأهداف للفريق. فمثلاً، عندما يشتري ريال مدريد لاعباً مثل زين الدين زيدان، تصبح عملية الجنسية عاملاً ثانوياً. بما ان القيمة المضافة للاعب هي التي تمنحه مكانته. نحن اخترنا المدير الفني للمهرجان برينو بارد معنا ابتداء من الدورة الرابعة، أي قبل موت توسكان دي بلانتيه، وهو صاحب تجربة كبيرة في هذا المجال، وأتى بفريق عمله لاختيار الأفلام والتنظيم. ولكن هذا لا يعني أنهم يقومون بكل أعمال المهرجان. وأؤكد ان 90 في المئة من الناس والأفكار والاستثمار من المغرب. ويبقى 10 في المئة من الخارج، ونحن بحاجة إليهم لتجربتهم في التخطيط وتنظيم حيثيات دقيقة جداً.

قضية الهوية

هنا يطرح سؤال الهوية: أهي فرنسية أم عربية؟

- المهرجان مهرجان دولي، ومرجعيته مرجعية القارة السينمائية. إذا احتفظنا بهذه الهوية سننجح في الانتقال الى مستوى المهرجان الدولي الذي سيُحترم من طرف المهنيين والنقاد. طبعاً، 10 سنوات ليست كافية لتحقيق كل أهدافنا، خصوصاً إذا عرفنا ان المهرجانات الكبرى لها تاريخ يتعدى الـ50 سنة. أما نحن فتطورنا خلال السنوات العشر. ونريد ألا نحيد عن هذا الدرب. فبالنسبة إلينا اختيار أفلام المسابقة مكسب لا رجوع عنه، وقيمة لجان التحكيم لا جدال فيها، خصوصاً في ما خصّ رئيس اللجنة، من جون مالكوفيتش في هذه الدورة الى عباس كياروستامي ورومان بولانسكي وميلوش فورمان في دورات سابقة. النقطة الثالثة التي لا نتراجع عنها هي تكريم دول أساسية في الثقافة السينمائية. كرمنا مثلاً إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا وكوريا الجنوبية ومصر. وأظن ان أحسن تكريم للسينما المصرية كان ذلك الذي خصها به مهرجان مراكش. أما هذه السنة فكرّمنا فرنسا. ولهذا التكريم رمزيته في العيد العاشر كونه يشكل اعترافاً بهذا البلد كمهد للسينما العالمية. وفي مجال التكريمات أيضاً، نحتفظ بتكريم أشخاص من العيار الثقيل في ميدان السينما. هذه الأبعاد الأربعة نضيف إليها عنصر التجريب كل سنة. فمثلاً منذ ثلاث سنوات حين جرّبنا برنامج «سينما المكفوفين»، وحقق نجاحاً، أعدنا الكرة في السنوات التالية. وفي هذه الدورة جرّبنا فكرة البحث عن الأفلام الأولى التي تنبثق من مدارس التكوين. وأرى اننا نجحنا فيها، لذا من الممكن ان نواصل هذا المشروع في الدورة المقبلة. باختصار نسعى كل سنة الى التفكير بأمور جديدة وإثارة الاهتمام حول بعض الحيثيات، وتحسين كل ما هو تنظيمي. ومن ثم نبدأ في اختيار الأفلام ابتداء من شباط (فبراير). هناك عشق لكل ما نفعله، ويتجلى هذا بوضوح في كل تفاصيل المهرجان.

في مقابل استقطاب هذه الدورة أسماء كبيرة في عالم السينما مثل سكورسيزي وكوبولا وكيانو ريفز وايفا مانديس وماريون كوتيار وكاترين دونوف وسواهم من النجوم، بدا وكأن هناك خللاً في ما خصّ الشق السينمائي، أي أن أفلام المسابقة لم تكن بالمستوى المطلوب؟

- وهل رأيت أفلاماً أخرى كان يمكن ان نختارها ولم نفعل؟ عموماً، المهرجانات السينمائية كثيرة، والجميع يريد أن يعثر على النادر والجيد. وبما اننا نصل في مرحلة نهاية السنة، بعد أن تكون الأفلام الجيدة قد جالت على المهرجانات، تصبح الصعوبة اكبر. ومع هذا، أرى ان مسابقتنا بمستوى عالٍ.

إذاً، يلعب توقيت مهرجان مراكش ضده، بما انه يأتي قبل مهرجان برلين وبعد عدد كبير من المهرجانات العربية، بمعنى ان الأفلام الجديدة تفضل ان تنتظر حظوظ العرض في المهرجان الألماني، والأفلام الأقدم التي سبق وعرضت في المهرجانات الأخرى. أمام هذا الواقع، لماذا لا تغيرون الموعد؟

- هذه واحدة من الصعوبات التي نعيشها. ولكن لو أخذت اي شهر من السنة، ستواجهين الصعوبة ذاتها لكثرة المهرجانات السينمائية. في البداية، حاولنا ان نحدد موعد المهرجان في أيلول (سبتمبر)، ولكن، بعد دراسة، وجدنا ان أفضل الشهور لإقامة المهرجانات لوجيستياً، تكون إما في بداية كانون الأول (ديسمبر)، وإما في نهاية شباط (فبراير). ففي هاتين الفترتين تكون حجوزات الفنادق والطائرات نسبياً في متناولنا. وقد اخترنا كانون الأول لأن له الأسبقية من الناحية المالية.

ولكن، ماذا عن تقاطع أيام المهرجان المراكشي مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

- ولم لا، خصوصاً اننا لم نعرض في هذه الدورة أي فيلم عربي، كما أننا لا نتنافس مع القاهرة، إنما نتنافس مع أنفسنا ومع القيمة المضافة التي نريد ان نعطيها للسينما كمبدأ وكإنتاج. المشكلة الوحيدة في الأمر، تكمن في كوني شخصياً لم أعد قادراً على حضور مهرجان أحبه مثل مهرجان القاهرة الذي فتح الطريق أمام كل المهرجانات العربية. ولكن في الحياة هناك اختيارات. ونحن اخترنا ان نصنع مهرجاناً دولياً من عيار محترم بأفلام لها قيمة ومناقشات ثرية.

انتقد كثر اختيار فيلم «أيام الوهم» في المسابقة معتبرين ان أفلاماً أخرى كان الأجدى بها ان تمثل المغرب. ما رأيك؟

- شاهدنا 9 أو 10 أفلام، منها ثلاثة لم تكن جاهزة بعد. ووقعت عملية الاختيار على هذا الفيلم بالذات لأنه فيلم أول لمخرجه ويتضمن أسلوباً خاصاً يتجه نحو الفانتازيا. وكان لا بد أن نحيي المخرج طلال السلهمي لخروجه من ميدان القضايا الاجتماعية الاقتصادية والفقر والبعد الواقعي ليقدم جديداً في السينما العربية.

ولكن واضح ان الفيلم يستنسخ أفلاماً معروفة في السينما الأميركية؟

- قد تعتبرينها استنساخاً، أما أنا فأقول انها تنمّ عن ثقافة سينمائية حقيقية وطموح. صحيح في الفيلم هفوات، لكنه فتح الباب أمام أمور لا نراها في السينما العربية. ثم ان إدارة الممثلين تدلّ على موهبة المخرج الذي لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره. من هنا فضلنا ان ندعم شاباً صغير السن، ونفتح أمامه الأبواب. خصوصاً ان الأفلام العربية التي رأيناها لم تخرج عن الإطار الكلاسيكي المعروف.

يقال ان الاختيار وقع عليه لأنه من إنتاج التلفزيون؟

- أبداً، لا علاقة لهذا الأمر باختيار الفيلم في المسابقة. وأؤكد انه حين اخترته لم يكن الـ “اس. ان. أر. تي” - شركة نبيل عيوش المهتمة بالإنتاج المشترك بين السينما والتلفزيون - على علم. إن أخطأنا في الاختيار فنحن نتحمل المسؤولية، وفي النهاية لكل شخص الحرية في تقويم اختياراتنا.

هل تخاف على مهرجان مراكش من الموازنات الضخمة التي ترصد لعدد من المهرجانات العربية التي تشتري الأفلام وتدفع لاستقطاب النجوم؟

- سمعتنا اننا لا ندفع أي مال للأفلام التي نعرضها ولا للنجوم الذين يأتون الى مراكش. وهذا في اعتقادي أقوى من المال. باختصار السينما هي الهوية الوحيدة التي نؤمن بها ونناضل من اجلها. من هنا، فإن كل من يحب هذا الفن لن يتردد في المجيء إلينا.