2012/07/04

   	هوامش فنية لقراءات مفتوحة في «دمشق المسرحي»
هوامش فنية لقراءات مفتوحة في «دمشق المسرحي»

جمال آدم - البيان

كان الطريق إلى العرض المسرحي التونسي «حقائب» مليئا بالصعاب في مهرجان دمشق المسرحي نتيجة الإقبال الكبير الذي حصل وقاد المشرفين على صالة العرض بدفع الناس الى المقاعد العلوية في صالة دار الأسد للثقافة نظرا لامتلائها عن آخرها من مختلف ضيوف المهرجان ومشاهدين كثر في المسرح السوري.

ولطالما كان للعرض التونسي حفاوة خاصة بين عروض مهرجان دمشق المسرحي في تاريخ هذا المهرجان نظرا للآفاق التغيرية التي يحملها العرض التونسي والتوجه الفني الراقي الذي تتضمنه أحداث العرض، وتحديا فيما يمكن ان نسميه لغة الجسد، فكيف إذا كان الموضوع على علاقة بعرض مسرحي حاصل على عدة جوائز من بينها جائزة مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الموسم الماضي وهذا بحد ذاته يعتبر عنصرا جاذبا لمشاهدة العرض في دورة المهرجان.

ولعل خروج بعض الأسماء المسرحية المهمة من بين مشاهدي العرض بعد نصف ساعة من بدايته ، العرض استمر ساعتين تقريبا ، كان مؤشرا خطرا وربما لم يكن في الحسبان والأمر تكرر بين الجمهور بحصول حالات انسحاب كثيرة بين أوساط الحضور وهذا مؤشر غير حسن بالنسبة للعرض الذي جاء محملا برموز ذات صلة بحركة الجسد، ولعل التناول الفني للعرض المسرحي «حقائب» حمل تمهيدا طويلا قبل البدء بالعرض وفي النهاية كانت حركات الجسد تطغى عليه بالإضافة إلى تكرار التشكيلات البصرية التي لم تقدم حلولا درامية على الرغم من أنها مفعمة بالجماليات التي جعلت من خشبة المسرح تضج بعالم من الجمال لا روح فيه..!

وانعكس هذا على إيقاع العمل الذي انعكس بدوره على المشاهد أصلا بحيث لم يكن بالإمكان التمتع بالجماليات المشهدية في ظل إيقاع متعب وحلول فنية مكرورة.ولأن أداء الممثل في المسرح التونسي عموما يقوم على إيجاد معادلات للأوضاع النفسية التي يمر بها من خلال تمكين الممثل من علاقته بجسده إلا أن حالة تقليدية مرّ بها العرض وهو يستعرض أداء بعض الممثلين الذين مروا بالمسرح التونسي وبقي العرض معلقا بأحلام تجديدية لم تنل حظا وافرا بأن تقارب الواقع بل الواقع الفني على الأقل وظلت المشهديات تسبح في فضاء لا حدود له.

عودة المحترفين للمسرح السوري

وفي الوقت الذي يسجل فيه الشباب في المشهد المسرحي السوري حضورا طيبا لهم على الخشبة ويتنافسون على الموقع الأفضل لهم لدى جمهور مهرجان دمشق المسرحي نجد أن نجوم الدراما التلفزيونية السورية يتركون مقاعدهم هناك ليحققوا بصمة لهم في المسرح ليتكامل المشهد بين المحترف والشاب، ولعل التجربة التي قدمها الفنان القدير أيمن زيدان بالعرض المسرحي «راجعين» يعيد للأذهان حضور فنانين كبار في المسرح السوري مثل دريد لحام وعمر حجو ويوسف حنا وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي أعطت المسرح بعدا استراتيجيا وحضورا لائقا به وسط الزحام الذي تفرضه الدراما التلفزيونية.

وشهد ضيوف المهرجان حالة إبداعية خاصة للفنان أيمن زيدان في عرضه المسرحي «راجعين» الذي سبق وقدمه المخرج الجزائري الزياني شريف عياد عام 1988 في مهرجان دمشق المسرحي باسم «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، والعرضان مأخوذان عن قصة قصيرة للكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار، غير أن «الزياني عياد» حافظ في عرضه على روح النص الأصلي واسمه ضمن الإعداد عن شهداء حرب التحرير في الجزائر بلد المليون شهيد، بينما استفاد أيمن زيدان في إعداده لهذا النص من موضوع الشهادة وسحبه على شهداء حرب تشرين 1973 ، محافظاً على السؤال الأساسي للعمل: ماذا يمكن أن يحصل لو عاد الشهداء إلى الحياة؟

حكاية العرض تبدأ مع عابد مسعود «محمد حداقي» والد الشهيد مصطفى من قرية الساقية، إذ زاره مصطفى في الحلم وأخبره أنه عائد هو ورفاقه إلى الضيعة، لكن أحدا في هذه الضيعة لم يصدق رواية أبو مصطفى، وإمعانا في المفارقة يذهب أبو مصطفى إلى مركز البريد حيث يتسلم رسالة ولده الشهيد! فهل ما نراه مجرد حلم؟ أم أنها لعبة الكاتب التي أرادت التباس الأمر ليس بالنسبة لعابد المسعود بل حتى بالنسبة لنا كمشاهدين؟

ويبرز العرض المسرحي «راجعين» اللعب على أوتار القضية الوطنية التي تأخذها الريح معها عرضا في حين تظل هناك أصوات تطالب بأن تظل وأن تبقى متشبثة بكل خطوة من خطا الحياة، هذا هو ايمن زيدان دخل في متن المسرح والحياة من خلال ثنائيات يبرز تفاصيلها وأبعادها مثل الحزن والفرح ، السخرية والبؤس، الموت والحياة ، الإنسان واللانسان، القتيل والشهيد، وكلها متناقضات قدمت للمشهد المسرحي السوري عرضا فيه الكثير من العناية بعناصر العرض المسرحي وبلعبة الممثل الذي يعتبر الجانب الأبرز في مسرح الفنان ايمن زيدان ولعله في كل الديكورات والاكسسورات والأغراض التي اعتمد عليها ظل وفيا لما يمكن ان نسميه حركة الممثل على خشبة المسرح في كل لحظة فبدت البطولة الجماعية عنده شكلا من أشكال التعلق بمسرح جديد يحمل توقيع أحد الذين قدموا سمعة عطرة للمسرح السوري.

لا نهاية لحكاية بلا نهاية

قدم الفنان الشاب لؤي شانا عرضا مسرحيا بعنوان «حكاية بلا نهاية» عن نص للفنان الكبير أسعد فضة وهو النص الوحيد الذي قدمه فضة في تاريخه المسرحي ويعتبر العرض الجديد لشانا أحد القراءات الكثيرة التي قدمت لهذا النص حيث سبق شانا لهذا الأمر كل من المخرج رضوان جاموس والمخرج عجاج سليم ، ويبدو لؤي شانا غير وفي للشكل الفني والفكري الذي بدأ فيه مسرحه محققا إنجازات طيبة للغاية ، ومنذ أن قدم مسرحية موت موظف ، إنه هنا شخص غريب عن حالته المسرحية الساخرة التي نشأ عليها وأمام تواضع في الرؤيا الإخراجية، ومن الجدير بنا هنا أن نشير إلى أن نص أسعد فضة يحمل الكثير من إشارات الاستفهام ومعالجة عالية لمستوى لواقع عربي ما زال يحتاج الى قراءة جديدة له عبر نص يقدم حكاية لا بداية فيها.

مهرجان دمشق المسرحي يتسم بتقديم قراءات مفتوحة لاقتراحات فنية مختلفة في المشهد المسرحي وفي كل الأحوال ثمة ما يشاهد ليلا وما يقال صباحا من خلال ندوات نقدية مفتوحة سيكون لـ«الحواس الخمس» وقفة مطول معها في أعداد مقبلة.