2013/05/29

الأعمال الاجتماعية في دراما 2012 بين التهميش الاجتماعي والفساد الإداري
الأعمال الاجتماعية في دراما 2012 بين التهميش الاجتماعي والفساد الإداري


علاء العالم – تشرين

كانت ولا تزال الدراما الاجتماعية هي النوع الأكثر متابعة بين أنواع الدراما التلفزيونية السورية، وذلك لما تحمله من مواقف حياتية تعكس مقاربات واقعية للواقع السوري،

وتصور هموم المواطن وتنقلها إلى الشاشة الصغيرة، من خلال بناء سردي شائق يصور الواقع ويصور حال المواطن السوري، وبظهور أعمال اجتماعية حفرت في ذاكرة المشاهد السوري، مثل «الانتظار، تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج الليث حجو» و«غزلان في غابة الذئاب لرشا شربتجي وفؤاد حميرة»، و«تخت شرقي» لشربتجي أيضا وللكاتبة يم مشهدي، بظهور أعمال كهذه وغيرها، تمكنت الدراما الاجتماعية من تكريس نفسها كأهم الأنواع الدرامية التلفزيونية. ليس هذا وحسب بل تفرعت عن الدراما الاجتماعية أنواع، منها على سبيل المثال «دراما العشوائيات، دراما الشباب....الخ»، واستطاعت هذه الأنواع تثبيت نفسها كأنواع درامية تندرج تحت إطار الدراما التلفزيونية الاجتماعية. انطلاقا من هذا الإرث الإبداعي الذي تركه النوع الاجتماعي في الدراما التلفزيونية السورية، صار مشاهدو الدراما السورية يترقبون جديد الدراما الاجتماعية، وما الطرح الجديد الذي ستنتقيه من واقعهم وتعكسه على شاشة التلفزيون، وما الموضوعات التي سيقاربها هذا العمل أوذاك.

«الولادة من الخاصرة، ساعات الجمر».. دراما الناس المهمشين


لعل العمل الاجتماعي الأبرز في موسم 2012 كان مسلسل «الولادة من الخاصرة -ساعات الجمر» تأليف سامر فهد رضوان، ومن إخراج رشا هشام شربتجي، تابع الولادة من الخاصرة في جزئه الثاني تسليط الضوء على الفئات المهمشة في المجتمع السوري من خلال تكملة قصص عائلة «جابر، قصي خولي» و«أم جابر، منى واصف»، وعائلة صديقه «أبو الزين، محمد حداقي» وزوجته «أم الزين، شكران مرتجى»، تضاف لهم عائلة «أبو حسام، عبد الهادي الصباغ» من هذه العوائل الثلاث انطلق العمل ليصور حياة المهمشين الذين أخرجوا من بيوتهم وتركوا لرياح القدر الهوجاء. يعمق الولادة من الخاصرة -ساعات الجمر، تصوير حياة الناس الفقراء من خلال الالتفات الى الفساد الإداري وأثره السلبي في هؤلاء البشر البسطاء، فيتعرض لفساد نائب المحافظ وكيف يخرج «أبو حسام» من بيته بسبب أن الأخير تجرأ عليه وتطاول على قامته، كذلك يسلط العمل الضوء على صراعات السلطة والمال وموقع هؤلاء المهمشين من هذه الصراعات وكيف أن الفقير يذهب (فرق حساب) بين صراعات المسؤولين ورجال الأعمال، ومثال هذه الحالة علاقة جابر مع «أبو نبال، باسم ياخور» ذاك الرجل الفاسد، والذي بدوره يعرفه على «أبو إياد، عبد الحكيم قطيفان» المسؤول صاحب الأموال الطائلة. من خلال هذا الثالوث المتناقض (سلطة، مال، فقر) نلمس في هذه العلاقة ذلك الرمق الإنساني الذي يبقى عند هؤلاء المهمشين، وهذا ما رأيناه عند جابر الذي انتعش ماديا بعد أن ربح ورقة يانصيب بافتعال أبو إياد، فعلى الرغم من هذا الانتعاش الاقتصادي لجابر فإنه يحافظ على تلك الإنسانية التي على الأغلب ما يتمتع بها الناس الفقراء المنسيون في غياهب الأزقة الضيقة، ويتوضح هذا الفعل الإنساني عند جابر عندما يرفض قيام أبو نبال باقتلاع كلية «انتصار، ناهد الحلبي». أما من ناحية البناء السردي للعمل فنلمس قدرة الكاتب سامر فهد رضوان على بناء معمار قصصي يعج بالأحداث المتتابعة التي تجذب المشاهد وتحقن العمل بجرعات من التشويق، لدرجة أنه لا تخلو حلقة من حلقات العمل من حدث أو حدثين يؤسسان لتحول في هذه الشخصية أو تلك، كذلك قدرته على بناء شخصيات خصبة تتفاعل مع هذا الكم الكبير من الأحداث، أما على صعيد الإخراج، فإن المخرجة شربتجي تمكنت من عكس كم العنف الموجود على الورق إلى صورة بصرية عنيفة ملأى بالقسوة، ومن ذلك مشهد قطع أبو نبال قدم «أبو مقداد، فادي صبيح» بمنشار الخشب، كذلك على صعيد الأداء فقد تمكن ممثلو الولادة من الخاصرة - ساعات الجمر، من الولوج الى دواخل شخصياتهم والتعايش معها، وتمكن ممثلو الجزء الأول من العمل «قصي خولي، محمد حداقي، منى واصف .....» تمكنوا من المحافظة على المستوى الرفيع الذي قدموه في الجزء الأول، والجدير ذكره هو الأداء اللافت للفنان «باسم ياخور» في تأديته شخصية أبو نبال، إذ نلمس مدى تعايش ياخور مع هذه الشخصية وتبنيه لها في العمل. وهكذا تمكن «الولادة من الخاصرة - ساعات الجمر» من التفوق على ما قدمه في جزئه الأول، واستطاع جذب أعين المشاهدين الذين صور واقعهم وعكس مشكلاتهم الاجتماعية في ظل هذا التهميش الذي يعيشونه.

المفتاح.. الفساد الإداري وأثره في العلاقات الاجتماعية


عالج الكثير من الأعمال الاجتماعية في الدراما التلفزيونية السورية قضايا الفساد وأثره في الدولة والمجتمع، لكن مسلسل «المفتاح» تأليف خالد خليفة واخراج هشام شربتجي، طرق باب الفساد من زاوية قلما رأيناها في أعمال الدراما التلفزيونية السورية، وهي مقاربته للفساد الإداري وأثره في العلاقات الاجتماعية في المجتمع السوري، حيث يسلط «المفتاح» الضوء على هذه العلاقة الإشكالية بين الفساد الإداري والمجتمع من خلال شخصيتي «مسعود، باسم ياخور» و«فراس، أحمد الأحمد» اللذين يتحولان بفعل الفساد من معقبي معاملات إلى رجال أعمال يملكون أموالاً طائلة، إن الفساد الإداري والقانوني هما اللذان يدفعان الشخصية الرئيسة «مسعود» لهذا التحول، فالفساد هو المسبب الذي دفع به لترك دراسة الحقوق في الجامعة والعمل كمعقب معاملات بسبب الفقر، كذلك الفساد هو من جعل منه إنساناً فقيراً يُستغل من قبل الرجل الفاسد الذي يعمل معه «أبو منير، علي كريم»، هذا الفقر الذي دفع بزوجة مسعود «ليلى، أمل عرفة» إلى إقامة علاقة مع «مراد، أحمد رافع»، وهذا ما دفع «مسعود» الى طلاق ليلى، وكرس عنده معادلة «الفقر مسبب للخيانة»، ولو بحثنا في فقر مسعود معقب المعاملات لوجدنا أن السبب الوحيد هو الفساد الذي حرمه من متابعة دراسته ودفع به للعمل عند رجل يستغله ولا يرضى أن يعطيه أجره الذي يستحق، وهكذا ينتقل مسعود عبر إحدى القضايا القانونية التي يستلمها، من رجل فقير إلى رجل غني فاسد، إن هذا التحول الذي يصيب شخصية مسعود يظهر مدى قدرة الفساد على تخريب تلك العلاقة الاجتماعية بين الناس، وتخريب النفوس بحيث يدفعها للقيام بأعمال غير قانونية لامتلاك المال المعادل للقيمة الاجتماعية في مجتمع يعمه الفساد الإداري والقانوني، حيث نلحظ اختلاف صيغة التعامل مع مسعود من قبل المجتمع بعد هذا التحول الذي يصيب شخصيته، وذاك الثراء الفاحش الذي يمتلكه على حين غرة، ومن أثر الفساد الإداري والقانوني في صفاء العلاقات الاجتماعية وتعكيرها، دفع أسرة «أبو زهير» بـ«لينا، ديمة قندلفت» لإقامة علاقة حب مع «فراس» في سبيل تخليصها من زوجها في أميركا. إن هذا الفعل هو فعل مزيف لم يكن من المتوقع أن تقوم به أسرة «أبو زهير» لو بقي «فراس» في موقعه كمعقب معاملات، وهنا يبرز كيف أن الفساد الإداري يساعد على إطلاق مواقف اجتماعية مزيفة. في الحلقات الأخيرة نرى مسعود يصل إلى مواقع في السلطة، وهذه إشارة جريئة من العمل لمدى تفشي الفساد وتسليط الضوء عليه في سبيل اقتلاعه من المجتمع.

من خلال هذه القراءة السريعة لمسلسل المفتاح نلمس مدى اقتراب العمل من الواقع السوري من خلال لفت الانتباه إلى ما وصلت إليه بعض المؤسسات الإدارية من فساد، وأثر هذا الفساد في تشظي وتفكك العلاقات الاسرية في المجتمع.

أرواح عارية.... دعوة جديدة لإنصاف الأنثى


لطالما تمكن الكاتب فادي قوشقجي من الولوج في المواضيع الحساسة وطرحها بقالب قصصي ممتع على الشاشة التلفزيونية، من ذلك تسليطه الضوء على الزواج المدني في مسلسله «ليس سرابا» إخراج المثنى صبح. يستمر قوشقجي في بحثه في الموضوعات الإشكالية في المجتمع هذا العام من خلال مسلسله «أرواح عارية» إخراج الليث حجو، ومن بطولة مجموعة من الممثلين منهم سلافة معمار، قصي خولي، عبد المنعم عمايري، ضحى الدبس، محمد قنوع، نجلاء خمري..... وغيرهم، يتعرض أرواح عارية للأنثى التي تخون زوجها وما العقوبات التي تفرض عليها في المجتمع الشرقي، والتي قد تصل حد القتل ذبحا، بينما يتعامل المجتمع ذاته مع خيانة الذكر على أنها نزوة عابرة، ويتسابق الذكور والإناث على تقديم المسوغات المتتالية لفعل الخيانة عند الرجل.. إن هذا التناقض في التعامل هو المحور الذي تدور حوله قصة مسلسل «أرواح عارية» من خلال قصة «ربى، سلافة معمار» التي تهرب من بيت زوجها «سامر، عبد المنعم عمايري» بعد أن يكتشف خيانتها، وتلتقي مصادفة مع «صلاح، قصي خولي» الذي يحتضنها ويسكنها منزله، ومن ثم تتصاعد الأحداث حتى تخلق قصة حب صادقة بين «ربى وصلاح»، يتناسى فيها صلاح الخيانة التي قامت بها «ربى»، وبذلك يمثل «صلاح» ذلك الرأي الذي يطالب به صناع «أرواح عارية» بالتساوي بين الذكر والأنثى في المجتمع، وكسر هذه النبرة الذكورية التي جعلت من مجتمعنا مجتمعاً ذكورياً بامتياز، مع الإشارة إلى أن هذا التساوي لا يسوغ فعل الخيانة غير الأخلاقي. إن هذا الطرح الجريء والذي يطرح أول مرة في الدراما السورية، دفع الأعمال الاجتماعية خطوة إلى الأمام من خلال الدخول إلى مناطق محظورة اجتماعيا، لكن هذا لا ينفي ضعف البناء القصصي للعمل، إذ حكم العمل طوال حلقاته التي تجاوزت الثلاثين حلقة، رتم بطيء يكاد يخلو من الأحداث الكبرى، والذي بدا واضحا للمشاهدين بالرغم من الحوار الهامس الذي اعتمده قوشقجي لتمرير هذه الأفكار التحررية التي ترقى بالمجتمع، ومثال تلك الحوارات الهامسة حوارات «ربى وصلاح» في بيتهم، والجدير بالإشارة أيضا هو أداء «قصي خولي، وسلافة معمار» المتميز، والذي بدا واضحاً في المشاهد الرومانسية التي جمعتهما، فرأينا قدرة «قصي خولي» على عكس الإحساسات الداخلية المتناقضة داخله بين حبه لـ«ربى» وموروثه الاجتماعي عن فعل خيانة الأنثى، عكسها من خلال نبرة الصوت الهادئة، واختلاف أدائه الذي اتسم في البداية بالنشاط والحيوية، وتحول بعد قصة الحب إلى أداء هادئ يحكمه الخوف من المجهول الذي ينتظر هذه العلاقة الجديدة عليه وعلى المجتمع. وبذلك كان «أرواح عارية» هو اللبنة الثالثة التي ارتقت بالدراما الاجتماعية في موسم 2012 إلى الأمام، وحفظت موقعها الرفيع في الدراما التلفزيونية السورية.