2013/05/29

 الأمّيمي ..بين الحامل المهني والصراع الطبقي
الأمّيمي ..بين الحامل المهني والصراع الطبقي


تشرين


حرص صناع مسلسل الأميمي على تقديم حكاية توثق لمرحلة تاريخية غير مطروقة في دراما البيئة الشامية، هي بعد خروج جيش إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا من دمشق عبر حامل مهني مدرسي وضح قيمة المهنة والمهنية في ذاك الزمان،

والأميمي كما شرح صناع العمل هو الشخصية التي تعمل في حمام السوق، وهي المسؤولة عن تغذية النار لتسخين مياه الحمام من خلال مايتم تجميعه من أغصان الاشجار وأكوام الخشب وروث الحيوانات. ومن خلال هذه الشخصية «الاميمي»، ينفتح العمل على حكاية الحارة التي تتحكم بها في كل أحياء الشام الحكمدارية والصوباشية، ويقود الجهتين الرسميتين الكيخي، وجهاز الولاية في الشام يتمم بالوالي في هذه الحالة .

إن هذه المؤسسات العصملية – العثمانية هي التي حكمت الشام لقرون طويلة قبل دخول إبراهيم باشا وجنده إلى الشام. وهذه الحكاية من المفترض أن تقوم خارج سور دمشق القديمة، لأن مكان توطن بقايا جند إبراهيم باشا خارج السور، ويقوم العمل بتقديم المؤسستين الحكمدارية والصوباشية وقيادة الحارة بالتحصلدار (فتحي بيك، جلال شموط)، وبرئيس الصوباشية (مراد بيك، سلوم حداد)، والراحل خالد تاجا الذي قدم مشهداً من العمل. ويضاف إلى ذلك مجموعة خطوط العمل  التي تتضح من خلال فتحي بيك وزجته (أم شريف،وفاء موصللي) وتسجيل الجد الورثة كاملة باسم الحفيد الذكر الأول، الذي أقدمت أم شريف على سرقته من سلفتها لحظة ولادتهما الاثنتين بالتواطئ مع الداية والدة (أم عبدو، شكران مرتجى)، التي كشفت هذا السر لابنتها قبل وفاتها، وفي الحارة أيضاً بيت (مراد بيك، وابنه، وزوجته)، وبيت (أبو عبدو،حسن عويتي) وزوجته الداية (أم عبدو، شكران مرتجى) وابنه (عبدو، راكان تحسين بيك) ويعمل الأب والابن في محل خضراوات بالحارة، وتتصف هذه العائلة بالبخل الشديد, يضاف إلى ذلك قهوة الحي، والحلاق والمختار وزبال الحارة (جواد،نضال سيجري) وزوجته (تولين بكري)،وابنه (جواد). والكندرجي (اندريه سكاف، فوزي)، والشخصيات التي تعمل في الصوباشية والحكمدارية مثل «محمد قنوع ،يزن السيد»، إضافة إلى (أحمد رافع الكيخي)، ومجموعة الحمام (أبو حسين،حسام تحسين بيك)، و(حسين ووالدته وزوجته)، والأميمي (عباس النوري، سلامة) وأسرته (أمانة والي، وابنتاه)، و(سيف الدين سبيعي، أبو سردة)، والأرملة (منور،كاريس بشار) وابنها ...الخ.

إن البناء التقليدي للنص البيئي الشامي أبقى العمل الدرامي(الأميمي) محافظاً عليه، لكنه أضاف إليه شيئاً من التوثيق التاريخي للمرحلة الزمنية، وكذلك أضاف إليه الحامل المهني في شخص (الأميمي)، وبقيت العلاقة مع الريف الدمشقي ورجاله الفلاحين موجودة في متن النص الحكائي, لكنه خالف هذا البناء التقليدي من زاوية الابتعاد عن التسمية الكلاسيكية ذات المفردات الشعبية (الزعيم، العكيد، القبضاي....الخ)، وأدخل مكانها, تسميات ذاك الزمان (الكيخي، التحصلدار، الأميمي)، وهذا يحسب لصناع العمل.

الصراع في الأميمي

ينقسم الصراع في الأميمي إلى قسمين أولا: الصراع المؤسساتي الموجود داخل جهاز حكم الولاية، والثاني الذي يتعلق بالصراع الطبقي – الاجتماعي، فالأول: يتوضح عبر صراع (فتحي بيك) و(مراد بيك) والانقسام بينهما حيث يظهر الكيخي مع فتحي بيك، ومن خلفهما الوالي، وهذا الطرف الذي يخفف عن السلطة مصاريف الولاية ويرسل لها الضرائب الفائضة عن المصاريف، بينما الطرف الآخر يسرق من أموال الولاية (المعاشات والرواتب الشهرية)، ويعتمد على الرشا في جعل الموظفين والعاملين يدبرون أمورهم اليومية والحياتية وأيضا بعد موت فتحي بيك وظهور (محمد قنوع، ويزن السيد) في الحكمدارية وصراعهم مع مراد بيك, وهذا ينعكس على الحارة الدمشقية. ويضاف إلى هذا الصراع مع الرباعي «الأميمي،جواد، أبو سردة، حنا، (محمد خير) جراح»، الذين ساهموا في تهريب وبيع السلاح قبل عودة العثمانيين للحكم في ولاية الشام, وعلى هذا الأساس تتم تصفية هؤلاء بهذه التهمة وشنقهم في الحارة.

أما الصراع الثاني فيتوضح بصراع الحارة مع أغنيائها (فتحي بيك وأولاده،ومراد بيك وابنه)، ويقابلهم فقراء الحارة (الأميمي، جواد ،أبو سردة، منور، الفلاحون). ويتجلى ذلك عندما يقوم فتحي بيك بزيادة الضرائب على أهل الشام والحارة منها حيث تصل الاحتجاجات ذروتها، ويتدخل مجلس الحارة (المختار، رجل الدين رياض نحاس، الحلاق.....)، ويتوسط عند فتحي بيك، ومراد بيك، ويصل الاحتجاج إلى الكيخي، لكن لا جدوى، فالضرائب ترفع ولايذهب أحد من الحارة ضحية هذا الصراع، ويظهر أيضاً بين ملاك الأراضي (فتحي وأبنائه)، والفلاحين حول المياه، ويصل إلى حد التشابك والضرب بين رجال وابن فتحي بيك،والفلاحين وينتصر في إحدى هذه المعارك الفلاحون, وأيضاً يحسب للنص هذه القراءة الطبقية الاجتماعية على عكس الكثير من الأعمال البيئية الشامية التي تستولد صراعات فنتازية لاعلاقة لها بالزمن والطبقات.

أخيراً جاء الإخراج الذي عمل عليه تامر اسحاق في خدمة رؤية العمل من اغلب زواياه، فهو أوضح مهنة الأميمي وكذلك الصراعات الموجودة داخل العمل، والصراع الاجتماعي داخل كل أسرة وخير مثل الصراع في أسرة «أبو عبدو» (بين الأب والابن والخالة) وسرق مالهم من داخلهم. وأيضاً تظهير الحارة بكل مؤسساتها.

إن الإحاطة بكل ما قدمه المخرج في العمل والجمالية البصرية التي أوضحها شغل المخرج تامر إسحاق جعل مسلسل «الأميمي» من الأعمال الدرامية البيئية المتابعة خلال شهر رمضان.