2012/07/04

الأوراق المتساقطة.. الأقرب إلى مجتمعنا وعاداتنا
الأوراق المتساقطة.. الأقرب إلى مجتمعنا وعاداتنا


مِلده شويكاني - البعث


تشغل الدراما التركية اليوم أغلب المحطات الفضائية، وما ساعد على انتشارها على امتداد الوطن العربي وبلاد الاغتراب دبلجتها باللهجة السورية، فلم تعد تستقطب النجوم الشباب فقط، وإنما بعض نجوم الصف الأول كما يقولون، وأصبحنا  نمضي من عمل إلى آخر،  ابتداء من «سنوات الضياع» الذي كان له وقع خاص على المشاهدين إلى نور .... إلى بائعة الورد إلى عشق وجزاء.

أغلب الأعمال كانت بعيدة عن  مجتمعنا، تصور عالم الجريمة والإدمان والقتل، والمحور الأساسي لها الترويج للسياحة التركية، باعتمادها على التصوير الخارجي  وتنقل الكاميرا بحرية لمساحات كبيرة،  إلا أن مسلسل «الأوراق المتساقطة» الذي بدأ عرض الجزء الثالث منه  منذ عدة أيام على قناة (mbc) بدا مختلفاً، كونه الأقرب إلى مجتمعنا وبيئتنا، لأنه ينطلق من محور اجتماعي مركزه عائلة (علي رضا بيك)، أسرة متوسطة تسكن في منزل تراثي كبير يلفت انتباه الناس، وكل ركن فيه يزيد من حميمة العلاقات الوجدانية التي تربط بين الأب والأم والأبناء تجاه أهلهم، وتعمل على التواصل القوي مع الجيران.

يتمسك الأب رضا بالأخلاقيات المثالية، ويعمل على حلّ المشاكل التي تعصف بأسرته بروية وحكمة، ويؤكد العمل بأن العلاقات الأسرية متجذرة  مهما كانت الأوضاع التي تغير هذه الحقيقة، وأن كل ما يحدث في حياتنا مجرد أوراق متساقطة، في حين يبقى الجذر قوياً، ومن خلال كل فرد من أفراد الأسرة، تتشعب الأحداث وتتداخل مع شرائح مختلفة من المجتمع.

ما يميّز العمل مضمونه الإنساني الذي يتجلى بوقوف الأب إلى جانب أسرته في وجه المشاكل التي تهز أركان المنزل، إذ تقع الفتاتان (نجلاء وليلى) ضحية حب رجل انتهازي، وفي المقابل ينحرف الابن شوكت وينجرف وراء السلوكيات الخاطئة، فيدمن على القمار ويسرق من حساب العملاء في البنك بحكم وظيفته، لتنتهي به الأحداث في السجن نتيجة طمع زوجته (فتون) التي تعيش طفولة قاسية، تؤثر في شخصيتها لتصبح مضطربة  متمردة، تثير المشاكل وتنتقل من قصة إلى أخرى.

ومما يعطي الأحداث سلاستها، صوت «مريم علي» الدافىء التي تجسد شخصية "فكرت" الابنة الكبرى للعائلة التي تتزوج زواجاً تقليدياً، لتهرب من الضغوط والأعباء التي أثقلت كاهلها، ومع مرور الزمن تقترب من زوجها وتحبه، وفي الوقت ذاته تقف مع أهلها في كل أزماتهم.

حقق العمل  نسبة مشاهدة عالية جداً من قبل المشاهدين لقربه من عالمنا وقضايانا، مثل الحب، الإحباط، القلق، الخوف من المجهول، كما أنه يركز على التفاصيل الحياتية التي تعيشها العائلة، إضافة إلى المؤثرات الفنية التي زادت من جمالية الصورة، لاسيما الموسيقى التصويرية التي تعبّر بتناغم ما بين الصوت والصورة عن مجريات الأحداث.

ومن الفنانين  المشاركين في دبلجة هذا العمل، "أحمد مللي" الذي يجسد دور صاحب المقهى، يقول عنه: "عمل اجتماعي متكامل الأبعاد، نرى فيه كثيراً من التقارب والتلاحم مع عاداتنا وقيمنا، ويبتعد عن المحاور التي تدور ضمنها الكاميرا، أجسد فيه شخصية رجل من الأكراد يتواصل مع الناس من خلال المقهى الذي يملكه، وهو محب لجيرانه وصادق في تعامله معهم، وقد أحببت الشخصية لطرافتها، ولأنني أتكلم بلهجة مختلفة، تضيف حالة من الجمالية للعمل.

ويجسد «جمال قبش» في العمل الذي بدأ تصويره منذ ثلاث سنوات ومازال مستمراً حتى الآن، شخصية الأب علي رضا، وعن دوره يقول: كنت سابقاً أرفض فكرة الدخول بتجربة الدوبلاج، ولكن بعد أن تابعت عدة حلقات من العمل، وافقت على العرض لأنني وجدته عملاً مختلفاً يجسد مشاكل الأسرة التي تنسحب على جميع الأسر في كثير من الدول التي تتشابه مجتمعاتها مع مجتمعنا، ويتعرض لهذه المسائل الحساسة بشكل مباشر ضمن إطار إنساني وأخلاقي، وهذا ما رأيناه في تصرف الأب تجاه الأزمات التي صادفت أسرته، وكيف يحاول أن يخلق حالة توازن بين الجميع.

برأيي هذا العمل أنموذج إيجابي للأسرة التركية التي هي صورة عن المجتمع الشرقي بكل معطياته الفكرية والإنسانية والثقافية، وأهم ما في العمل أنه يطرح حلولاً منطقية للمسائل الشائكة، ويفرض حالة من التسامح لا بد أن تتوفر في كل الأسر حتى تستمر الحياة.