2012/07/04

الابتذال ليس فستاناً وتنورة
الابتذال ليس فستاناً وتنورة


مارلين سلوم – دار الخليج


يبدو أن “زي الديمقراطية” فضفاض علينا نحن معشر العرب، نحتار كيف نرتديه، وندوس عليه فنسقط كلما مشينا فيه خطوة إلى الأمام، ويكاد يتمزق لكثرة ما يشد فيه كلٌّ من ناحيته، ولكثرة “الخياطين” الذين يريدون تعديله وإعادة تفصيله ليصبح على مقاسهم .

إذا كانت الديمقراطية مرتبطة أساساً بالحرية وخصوصاً حرية الرأي والفكر والإبداع، فمن المفترض أن يكون أهل الفكر والإبداع هم الأكثر فهماً لها، وبالتالي الأكثر تطبيقاً لمبادئها وأصولها، ومنهم يتعلم الباقون معنى احترام رأي الآخر وكيفية منحه مساحة من الحرية ليعبر بصوته عن أفكاره . لكن ما يصدر عن فئة من هؤلاء الفنانين و”المثقفين” العرب، تثبت أن بيننا وبين الديمقراطية وحرية الفكر مسافة غير قصيرة . هل لأننا “تقولبنا” داخل أنظمة لطالما حجبت عنا النور والهواء غالباً، وفتحت لنا طاقة نتنفس منها لنبقى أحياء ليس أكثر، فتواءمنا مع الحالة رغم رفضنا لها، وحين خرجنا لم ننتبه أننا تعودنا على السجن وأن النفس لم تعد تعرف كيف تحلق إلى البعيد بلا سلاسل وقضبان؟

لم يعد للرقابة أي حدود في بعض الدول العربية، فخرجت من إطارها الرسمي وحدود الأجهزة المخصصة لها، ليصبح الكل رقيباً على الكل، والبعض ينصِّب نفسه “ولي أمر الفن”، يمنع من يشاء من الغناء، ويوقف تصوير أي مشهد لا يعجبه . والمستغرب، أن تشهد تونس ومصر الآن هذه “الرجعية الفنية”، في الوقت الذي تسير فيه كل منهما نحو الديمقراطية التي لطالما نادتا بها، وأن تشهد كل بلد أنواعاً من أشكال حجب الرأي والتعبير والغناء، بدواع وتبريرات مختلفة، لكنها في النهاية تصب في خانة “الحجر على الفكر والإبداع والحرية” .

على صفحات المواقع الاجتماعية والالكترونية وفي مختلف الوسائل الإعلامية، تدور معركة بين وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك، ومجموعة من الفنانين العرب ولا سيما نانسي عجرم وإليسا وشيرين عبد الوهاب وتامر حسني، على خلفية تصريح الوزير بمنع هؤلاء من الغناء في مهرجان “قرطاج” بسبب تدني مستوياتهم وسعي الوزير نحو الارتقاء بالمهرجان . طبعاً التصريح أشعل ناراً لم تهدأ حتى الآن، وردوداً مستنكرة سواء من قبل المعجبين أو من نقابة الفنانين المحترفين في لبنان، إلى جانب الرد “الحائر” وغير الرسمي من الجانب المصري والذي جاء على لسان رئيس شعبة الموسيقيين المصريين وائل الطناحي عن أن النقابة تدرس الرد المناسب . ولعل الموقف غير الواضح هذا أشعل ناراً أخرى بين شيرين عبد الوهاب والنقيب إيمان البحر درويش، فزاد الطين بلة لتجد نفسها شيرين ممنوعة من الغناء داخل بلدها وفي تونس .

طبعاً للوزير مطلق الحرية في اختيار من يشاء من الفنانين العرب للمشاركة في مهرجان قرطاج، وله أن يرسم خريطة جديدة ونهجاً يسير عليه للارتقاء بالفن في بلده، لكن هذه الحرية أو الخطة لا يجب أن تأتي على حساب كرامات الآخرين والمساس بسمعة بعضهم والتقليل من قدر فنهم وموهبتهم، خصوصاً حين نتكلم عن شيرين عبد الوهاب، التي تملك صوتاً نادراً لا يشبه إلا نفسه، ويعجز عن تقليده أحد . أما نانسي، فقد برعت في خلق خط خاص بها، ولا يمكن لأحد اليوم أن ينكر مدى جماهيريتها ونجاحها، سواء أحب الوزير صوتها أم لم يحبه . ولا نفهم لماذا اختار وزير الثقافة هذه الأسماء بالتحديد، وهي نالت من الشهرة في العالم العربي ما لم ينله آخرون من أصحاب الأصوات الأوبرالية، وهي حقيقة لا يجب أن ننكرها وإن كنا نتمنى أن تتفوق كل الأصوات الجميلة والقوية لتقدم لنا فناً أكثر رقياً .

إذا كان مقصد وزير الثقافة أشكال الفنانين وملابسهم، وسعيه إلى منع “العاريات” من دخول تونس كما يُقال، فلا أعتقد أنه الكلام “المثقف” المناسب والذي يرتقي بالفكر نحو الأفضل . هل كان يصعب على الوزير أن يحدد الأسماء التي يرغب في حضورها ودعوتها، من دون ذكر المستبعدين من خريطته وأسباب استبعادهم؟ وهل القمع هو أول طريق الإبداع والرقي في الغناء والموسيقا؟

الفنان رامي عياش تلقى تهنئة من الوزير نفسه لمناسبة غنائه في تونس ليلة عيد الحب، وانتهزها فرصة وزير الثقافة ليعبر عن احترامه للفنانين اللبنانيين . لكننا لم نفهم لماذا لم يحجر الوزير على صوت رامي عياش بسبب العري في كليباته وبعض المشاهد الجريئة إلى حد الإباحية أحياناً؟ أم أن ربطة العنق الذكورية تستر خلفها الأفكار وتحمي أصحابها من عيون الرقابة الجديدة؟

الابتذال في كل شيء مرفوض، لكن من قال إن الابتذال هو فستان أو تنورة؟

للأسف هذا المشهد “الرقابي” يأتي بعد مشهد منع تصوير مسلسل “ذات” في جامعة عين شمس، من قبل بعض الطلبة الذين اعترضوا على ملابس الممثلات . ومنه نعود بالذاكرة إلى مشاهد من أفلام كونت ذاكرة السينما العربية، منها للجميلة شادية في فيلم “الزوجة 13” والذي ظهرت فيه في فساتين قصيرة ولكن بأداء لا يعرف الابتذال، هند رستم وصباح وسامية وهدى وتحية وميرفت ونجلاء وسعاد . . كلهن لبسن الفساتين والتنانير لكنهن قدمن من الفن أجمله، ومن الأداء أكمله، ووصلت عبقرية بعض مخرجي أفلامهن وكتاب قصصها والسيناريوهات إلى قمتها . وفي فيلم “القاهرة 30” مشهد تتقطع فيه ملابس سعاد حسني، لكن لا أحد يذكر هذا التفصيل أو يثيره حين يجد نفسه أمام مشهد من الإبداع الفني في فيلم يعتبر من روائع السينما المصرية ومن أهم ما أنتجته في تاريخها .

لذا نقول عيب أن تصبح قضيتنا في الفن فستاناً وتنورة، والأفضل أن نرفض الابتذال الحقيقي الذي تجسده بعض الفنانات في الفيديو كليب والأفلام، وفي الكلام أيضاً .

وعيب أيضاً أن تنتشر حركة “الحجب والمنع” هنا وهناك، في زمن انتصار الحرية، وآخرها ما صدر عن رئيس نقابة المهن الموسيقية إيمان البحر درويش، ضد شيرين عبد الوهاب أيضاً، بسبب تهجمها عليه بالكلام وفق ما جاء في بيانه . طبعاً معروف عن شيرين أنها بعفويتها تورط نفسها في مشاكل كثيرة، ومن حق من تخطئ بحقه أن يدافع عن نفسه ويحاسبها بالطرق القانونية، لكن من دون أن يصل الأمر إلى حد التحكم بأصوات النجوم وعملهم، خصوصاً أنهم لم يرتكبوا جرائم كبرى بحق الأوطان أو الأشخاص؟