2012/07/04

التتـفيه من أجل الترفيه
التتـفيه من أجل الترفيه

خاص بوسطة- حسان محمد محمود

حينما خاض و قاد يوسف العظمة (لا أعرف إن كنتم سمعتم به!) معركةً يعرف سلفاً اختلال موازينها المادية لصالح العدو بحكم اختصاصه ودراسته الأكاديمية للعلوم العسكرية فضلاً عن منصبه (وزيراً للحربية)؛ فإن فعله ذاك يكتنز من المعاني والقيم ما يتجاوز مجرد رغبته الشخصية في الخلود، و ذكره في برامج المسابقات.

لقد قام يوسف (بعظيمته) ميسلون عارفاً نتائجها الملموسة المباشرة، معولاً على نتائجها غير الملموسة (الروحية)، استثماراً في ذاكرة الأجيال القادمة، وحسها الوطني والإنساني، فأن لا يسجل التاريخ أن "غورو"  دخل دمشق دون مقاومةٍ؛ يعني أن يحفر ذلك الفعل التأسيسي في الروح و الثقافة... والذاكرة.

وهو ـ بالتأكيد ـ لم يقد معركة ميسلون كي يورد اسمه (باسم ياخور) في برنامج المسابقات الذي يقدمه بعد الإفطار الرمضاني في سؤالٍ يبغي المجيبون عليه ربح الذهب.

كان سؤالاً مهيناً.

سؤالٌ يدلّ، يؤشر، إلى أن موقع موقعة ميسلون ـ بمدلولاتها وأبطالها ـ في ذاكرة الأجيال الحالية يمكن أن يكون كمكانة أية ظاهرةٍ أجنبيةٍ غريبةٍ أو نادرةٍ غير لصيقةٍ بنا...و خاضعةً لآفة النسيان، الآفة التي يكرهها الميسلونيون، ولم يحسبوا أنها قد تصيب بعض أحفادهم.

ما معنى أن تسأل أحفاد و مواطني  يوسف ورفاقه عن اسم المعركة التي راهنوا عليها جذوةً متقدةً في صدورنا و رؤوسنا؟ وإلى ماذا يدل أن يورد السائل الاسم الصحيح (ميسلون) بين ثلاثة احتمالاتٍ تسهيلاً للراغبين بربح شاشات الـ( LCD ) و ليرات الذهب....؟!

كان سؤالاً مؤلماً.

مؤلمٌ حد الخشية أن يكون السبيل الإعلامي الوحيد لإحياء هذه الرموز في ذاكرتنا هو ذكرها في برامج الترفيه و المسابقات.

الألم والإهانة؟

لم ينقرض بعد المتألمون جراء جعل هذه القامات مادةً أو مناسبةً للربح؛ لأن في ذلك إعراضٌ عن تنزيهها، وإهمالٌ لرفعتها عبر مساواتها بما هو دونها، وزجها في أمكنةٍ لا تليق بها... وبنا.

تصوروا مثلاً أن يعقب السؤال عن ميسلون سؤالٌ عن أشهر عارضة أزياءٍ.. أو.. أو.. تعرفون أسئلة المسابقات!

هل لاحظتم كم كررتُ كلمة الذاكرة؟

إذن، ثمة من يكره النسيان، ويمقته، من غير الميسلونيين.

هناك من يفقد صوابه كلما سمع أطفالنا يذكرون أبا عصام و أبا حاتم وأبا شهاب بوصفهم أبطالاً فيما (آل منصور) لا يملكون هذا الضجيج (الدرامي) برغم أنهم قدموا لنا ـ نحن الجمهور ـ شهيدين طيارين (مأمون و فايز) وكاد الثالث (محمد) يلحق بأخويه.

ماذا أقول لكم؟

أليس الألم و الإهانة شعوران مبرران حين نبحث عن الدراما في الخيال فيما واقعنا الثرّ مليءٌ بما يكفي عشرات الأفلام و المسلسلات؟

لدينا الإمكانات، كل الإمكانات لتأليف مسلسلٍ (رابحٍ) و لو من جزءٍ واحدٍ ـ لن نطالب بخمسة أجزاءٍ ـ عن مأمون منصور الطيار الذي استشهد بتاريخ 18/9/1969 أثناء حرب الاستنزاف مع (إسرائيل) وأخيه فايز الذي استشهد بعده بثمانية أشهرٍ فقط (في 12/5/1970) بعد سيرةٍ حافلةٍ بالبطولات النادرة (انظر الهامش).

ألا تستحق أم الشهيدين المنصورين (فائز ومأمون) أن تشير إليها درامانا كما فعلت بكثيرٍ من التمحيص وعلى مدار خمس سنوات مع (أم عصام)؟

أليس ثمة صورةٌ دراميةٌ مغريةٌ فيما ذكره الطيار محمد منصور (شقيق الشهيدين) بخصوص مشاركته في المعركة الأخيرة التي استشهد فيها فائز، و تنفيذه بعض المهام الموكلة إليه فيها، و أنه تحادث مع (أخيه) الشهيد في الجو قبل لحظاتٍ من استشهاده؟!

وبدلاً عن (أم جوزيف) لم لا يتحدث مؤلفونا ومخرجونا عن (جول جمال) الشاب العربي السوري المسيحي الذي نفذ عمليةً استشهاديةً دفاعاً عن مصر في العدوان عليها سنة 1956؟ أليس في هذا المثال (الواقعي) دلالات (درامية) للوحدة الوطنية أكثر من (أم جوزيف)؟

الألم و الإهانة...لماذا؟

إقرأ الهامش، تعرف لماذا!!

إقرأ الهامش يا صديقي، إقرأه!!! عسانا نحول الهامش متناً درامياً في أقل تقديرٍ، وهذا أضعف الإيمان... والذاكرة.

الهامش:

فايز منصور:

تولد /1932/  انتسب إلى الكلية الجوية عام 1953 وتخرج منها برتبة ملازم عام /1954/.

ـ تصدى للطائرات الفرنسية و البريطانية في (بور سعيد) و (الكونتيلا) و(ممر مثلا) أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة /1956/.

ـ قصف مصفاة النفط في حيفا في حرب /1967/.

ـ في معركة الهامة في شباط من عام /1969/ استطاع تدمير /8/ طائرات للعدو، وعاد بطائرته المصابة وهبط بها بصعوبة في المطار، ويقال: أن السبب في ذلك هو رغبته في توفير ثمن الطائرة على الشعب، ورأي آخر يقول: لا .. بل السبب هو قيادة طائرة أخرى سليمة و العودة بأقصى سرعة ممكنة إلى الجو، لمتابعة المعركة.

ـ مجموع ما أسقطه من طائرات للعدو هو /14/ طائرة.

ـ لقب بثعلب الجو السوري، لكفاءاته العالية في المناورة وشجاعته في الاقتحام، و تغلبه على طائراتٍ أكثر تقدماً تقنياً من طائرته.

ـ في معركة العرقوب في 12/5/1970 استشهد، لحق بأخيه مأمون، فوق راشيا، في لبنان، فقد تمكن من إسقاط طائرة سكاي هوك، وأصيبت طائرته.

كالعادة؛ حاول إعادتها إلى المطار، فلحق به سرب طائراتٍ معاديةٍ و استطاعت (إسقاطه) بسبب فقدان طائرته القدرة على المناورة.

ـ في تل أبيب، وفي ذكرى قيام كيان العدو في 15/5/ 1970، بعد يومين من استشهاده؛ زفت ( إسرائيل ) بشرى تمكّنها من الثعلب، إلى (شعبها).

يوم استشهاده، كان لديه ستة أولاد، أصغرهم عمره سنة ونصف، و أكبرهم عمره /11/ أحد عشر عاماً.