2012/07/04

الثالوث المحرم (الدين، الجنس، السياسة) لم يعد كذلك!...
الثالوث المحرم (الدين، الجنس، السياسة) لم يعد كذلك!...

غيث حمور - القنديل

اخترقت الدراما السورية في السنوات الأربع الماضية العديد من التابوهات المحرمة، فالثالوث المحرم (الدين، الجنس، السياسة) أصبح أحد المكونات الأساسية لبعض الأعمال الدرامية التي وسمت بالجريئة، واستقطبت هذه الأعمال نسب مشاهدة عالية ليس في سورية فقط بل على امتداد الوطن العربي...

الثالوث المحرم

رغم أن صفة المحرم ما زالت ملتصقة بالثالوث، إلا أنها لم تعد محرمة على أرض الواقع، فالأعمال الدرامية منذ عام 2006 وحتى عام 2010، اخترقت هذه التابوهات بشكل كبير وواضح، ويمكن أن نذكر العديد من الأعمال ضمن هذا السياق منها، ثلاثية الكاتبة يم مشهدي: وشاء الهوى 2006 (إخراج زهير قنوع)، يوم ممطر آخر 2008 وتخت شرقي 2010 (إخراج رشا شربتجي)، ورباعية فادي قوشقجي: على طول الأيام 2006 (إخراج حاتم علي)، فجر آخر 2007 (إخراج فراس دهني)، ليس سراباً 2008 (إخراج المثنى الصبح)، عن الخوف العزلة 2009 (إخراج سيف سبيعي)، ويمكن أن يضاف إليهم ما ملكت أيمانكم لهالة دياب ونجدت أنزور، وبعض الأعمال الأخرى.

والموسم القادم سيشهد عدة أعمال تندرج ضمن نفس السياق وربما أهمها سيكون مسلسل (تعب المشوار) للكاتب فادي قوشقجي والمخرج سيف سبيعي.

مشهدي/ قوشقجي

ما يقدمه الكاتبان الدراميان الجديدان على الساحة السورية (يم مشهدي، وفادي قوشقجي) يندرج تحت بند الجرأة لدى معظم النقاد والمتابعين، وينطلق من الواقع المعاش، وملتصق كحبكة درامية بنبض الشارع، ويعتبره البعض فتحاً جديداً على مستوى الدراما في سورية والوطن العربي، فمناقشته للمشاكل الاجتماعية وخاصة الجنسية والدينية منها، غالباً ما يأتي من رؤية معمقة بعيدة عن السطحية، ويقدم طروحات خاصة وجديدة تعالج بطريقة متزنة ومتأنية، ولكن يغفل الكثيرون عن رؤية ما وراء النص، فالطروحات النهضوية ذات البعد التحرري هي أهم ما يميز كتابات (مشهدي/ قوشقجي)، إضافة إلى السعي الدائم لتجاوز العادات والقيم البالية التي تحكمها قوانين المجتمع المتخلفة والرجعية، فضلاً عن حالة التعمق الكبيرة في المشاكل الاجتماعية وأزمات المجتمع المزمنة المفروضة علينا في الوقت الحالي، فالأمر عند (مشهدي/ قوشقجي) يتعدى مفهوم الجرأة التي يتكلم عنها البعض، إلى مفهوم الواقع المعاش وطريقة عكسه على شكل قالب درامي محترم، ومقبول من قبل مختلف الأطياف والجهات بمختلف أعراقها وأديانها وإثنياتها وثقافاتها، وهو الأمر الذي نجح فيه (مشهدي/ قوشقجي) في معظم أعمالهما، رغم أن جمع الاسمين في خانة واحدة قد يراه البعض مجحفاً بحق أحدهما على الآخر، ولكن ما يقدماه من نصوص للدراما السورية ضمن سياق مشابه ولكن برؤى مختلفة يحتم استخدام هذه الثنائية والتي لا تنقص مما يقدماه بل تؤكد على أهميته وتزيده ثقة برأي الكثيرين، خاصة أن الجمهور أصبح يصف الكاتبين بالأفضل على مستوى الدراما الاجتماعية، والأمر يتعدى الجلسات العائلية إلى التعليقات على الإنترنت والمجاهرة بمشاهدة أعمالهما والاتفاق معهما في بعض الأفكار والطروحات وهو ما يعني أن ما يقدماه بدأ يأخذ طريقه إلى الجمهور ويؤدي المهمة التي كتب من أجلها.

الجنس

أحد أهم التابوهات التي تخترقها نصوص (مشهدي/ قوشقجي) هو الجنس بمختلف أنواعه (العلاقات خارج إطار المؤسسة الزوجية، الخيانة الزوجية، ممارسة الدعارة، الشذوذ الجنسي، وغيرها)، وهذه الاختراقات أثارت حفيظة العديد من النقاد والمشاهدين، ووصفها البعض بأنها تستفز مشاعر المشاهد، وتخدش حياءه، وذهب البعض الآخر لاعتبارها مسيئة إلى المعتقدات الدينية والأثنية، ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن ما يقدم مستمد من الواقع، وهو ليس إلا غيض من فيض، فالمجتمع السوري والعربي مليء بمثل هذه الحالات ولا تشكل هذه الحالات قلة قليلة، بل هي أحد مكونات المجتمع ومنتشرة بشكل واضح ومعلن وكبير، وبعيداً عن تقييم هذه الحالات والحكم على صحتها من عدمه، فتسليط الضوء عليها من قبل الدراما أمر جيد في المرتبة الأولى لأنه يدفع الكثيرين للتفكير فيما يقومون به، ويدفعهم للتصالح مع الذات ورؤية الأمر بشكل أوضح وأشمل، خاصة الجيل الشاب الذي يعاني في مجتمعاتنا من حالة الكبت على مختلف الأصعدة، وربما تكون هذه الأعمال المقدمة خطوة للمساهمة في تقويم دور الشباب ودفعهم للأفضل.

خطوة أولى

ما يقدم من نصوص على مستوى التابوهات الثلاثة في الدراما السورية لا يتعدى كونه خطوة أولى في طريق تقويم المجتمع ووضعه على المسار الصحيح، فالخطوات الأخرى طويلة وشاقة تبدأ بالشكل الدرامي الذي يظهر به العمل فنياً وتقنياً وتمثيلياً، وتستمر في متابعة المسيرة التي بدأها (مشهدي/ قوشقجي) عبر نصوصهما منذ عام 2006، ولا تنتهي أبداً، فإحدى مهام الدراما هي التثقيف والدعوة للتفكير وإعادة الحسابات، وهي من المهام الأساسية التي بدأت تأخذ دورها بشكل فاعل في المجتمع.