2012/07/04

الخوص: على المسرح طرح الأسئلة
الخوص: على المسرح طرح الأسئلة


مصطفى علوش – تشرين



قبل حين كتب الشاعر رائد وحش عن الحرب يقول: (تبرق الحرب فوق، تحت، يمين، يسار.. فما تجريب صفارات الإنذار إلا أنها واقعة.. وما اختفاء الخبز والماء والكهرباء إلا أنها واقعة..

وما الخوف والصمت واصفرار الوجوه والإسهال إلا أنها واقعة..) وطبعاً لم ينته النص الشعري لرائد وحش.. على خشبة القباني ثمة عرض يقدم هذه الأيام، فيه أيضاً صرخة ضد الحرب، عرض بعنوان (حكاية بلاد مافيها موت)، الموت حيث (كل خطوة في الحياة هي خطوة نحو الموت) حسب قول دي لافينييه، الموت الذي جعل الإنسان السوري يخلق أسطورة جلجامش، باحثاً عن الخلود وهارباً من الموت، الموت الذي جعل الفراعنة يخلقون وهم الخلود عبر الأهرامات..

كفاح الخوص، مؤلف ومخرج وممثل في هذا العرض، كتب هذا النص منذ عام 2007، وطبعه في دار ممدوح عدوان وظهر ضمن تظاهرة دمشق عاصمة الثقافة العربية، حسبما يقول الخوص نفسه، لكن أثناء التحضير والتدريب الذي استمر لمدة شهرين، حدث الكثير من النبش والتمحيص عليه، ومن موقعه كمخرج كان منحازاً للشغل على النص. منذ اللحظة الأولى في العرض يسأل كفاح الخوص المتفرجين وذلك ضمن اللعبة المسرحية عن الأسباب التي دعتهم للقدوم إلى المسرح، هكذا يبدأ الحكاية المسرحية التي استمرت طيلة العرض، حكاية مستمرة وبداخلها عدد من الحكايات الفرعية التي تمدها وتعيش على الفكرة الرئيسة فيها، حكاية مسرحية اعتمدت على السرد، بطلها السرد، لكنه سرد معتمد على ممثل يعرف أدواته، ويعرف ما عليه القيام به، لذلك جاءت الكوميديا المنثورة في هذا العرض، لطيفة قوامها الحب والضحكة وتدعيم السرد العام وتقويته، ومع الحكاية المسرحية، كان هناك الحكواتية الموسيقيون (ناريك عبجيان، مضر سلامة، قصي الدقر، عروة صالح، والحكواتية المغنون، حسان عمراني، نور عرقسوسي) وهؤلاء دعموا أيضاً الحكاية المسرحية التي اعتمدت على السجع كحالة جمالية ساهمت في توصيل المتعة المسرحية إلى متفرج ترك كل شيء وراءه وجاء إلى المسرح، أقصد ترك نشرات الأخبار، والهمّ المستمر منذعام ونيف..   دردشة آخر الليل مساء الأحد الفائت اتصلت هاتفياً بالمخرج كفاح الخوص، تحدثنا معاً عن العرض، فقال: (في هذا العرض أردت الانحياز للإنسان، للفن، للمسرح، لأنني من الأصل ضد فكرة الحرب، الحرب التي لا تترك على الأرض إلا الخراب والتخلف والخسائر) وعن العمل قال: (نحن أحببنا الاشتغال على ظاهرة الحكواتي، والحكاية الشعبية، والمسرح بالأساس اعتمد على الشعر والسجع، ويكفي أن نتذكر الزير سالم، وسيرة عنترة مثلاً) وحول الفريق التمثيلي الذي شاركه وهم: رغدا الشعراني، أسامة التيناوي، الفرزدق ديوب، شادي الصفدي، رنا كرم) قال نحن مجموعة متفاهمة، ومتفقون على أن أي فرد منا لديه مشروع فهذا يعني أن الكل سيشتغل معه، لذلك من كان مخرجاً في عرض سابق، هو ممثل الآن، وأنا المخرج في هذا العرض، قد أكون بعد فترة ممثلاً فقط..) وعن المسرح قال: (على المسرح توجيه الأسئلة، وأنا مع المسرح الذي يقف بجانب الإنسان..) وعن نصه قال: كل كلمة في هذا النص لها ذاكرة بصرية عندي، مع ذلك اشتغلنا على هذا النص خدمة لعملية الإخراج.. والمهم هو الاشتغال على تقنية الحكواتي..)  مشاركون أيضاً ثمة أسماء تشارك في هذا العرض، وغالباً ما نظلمها أثناء التغطية الإعلامية وهي: (تعاون فني: علاء الزعبي، دراماتورج: رانيا ريشة، مساعد مخرج: رامي عيسى، التأليف الموسيقي: ناريك عبجيان، مضر سلامة، قصي الدقر، عروة صالح، إضاءة: ماهر هربش، ديكور: عاصم الخيال، هندسة صوت: فؤاد عضيمي، تصميم ملابس: ربيع الحسيني، بروشور: علاء الزعبي، فوتوغراف: حسين صوفان، تقنيات: نصر الله سفر، مكياج: هناء برماوي، كوافير: شادي الزعبي، كريوغراف: يارا عيد، متابعة إعلامية: ألمى كفارنة، مدير منصة: جمال الشرع، تنفيذ إضاءة: عماد حنوش، تنفيذ ديكور: ريم أحمد، تقنيات: شادي ريا). كلمة المخرج كتب المخرج كفاح الخوص في البروشور: (إلى من أمسك بقدمي الصغيرتين لأعتلي ولأول مرة مكاناً مرتفعاً، إلى من صنع من اللاشيء خشبة مسرح، إلى من علمني حب المسرح، وإلى من علمتني الدخول عبر بوابة الحكايات ودهاليزها، أبي وجدتي، إلى روحيكما أهدي تجربتي الأولى).  ومازال البحث جارياً. (حكاية بلاد مافيها موت)، عرض طرح الحكاية، ومن خلالها طرح الأسئلة ولا أعتقد أنه تمكن من الحصول على أجوبة، فالموت لغز الحياة الأكبر سيبقى فتنة كل الحكايات، ونعتقد أن سحر الحكاية هو احتيال فني على الموت وتأجيل له لمصلحة الحياة، الحياة التي لا تعد حياة إذا خلت من قيم الحق والخير والجمال، والمسرح لا يعد مسرحاً إذا لم يدافع عن هذه القيم النبيلة، في هذا العرض جهود كبيرة وتعب إبداعي يستحق المشاهدة..