2012/07/04

الدراما الإخبارية
الدراما الإخبارية


باسم سليمان - البعث

مهما يكن الخبر بمفهومه المطلق حقيقياً أو كاذباً، لا يجد مكاناً له في أذن المستمع ما لم يخاطبه جسداً وروحاً وهذا لغير المختص،فالمختص  يتعامل مع الخبر معاملة الطبيب مع المريض بكثير من الحيادية العلمية أما الغير الذين قصدتهم سابقاً،فيبقى الخبر بالنسبة لهم حالة درامية بشكل ما. والمكنة الإعلامية الحالية لا تذيع خبراً دون تحضير السيناريو المناسب والصورة المرافقة وإعداد كواليس التحليل لدعم كلمة "action" التي تطلق لعبة "الدمينو" لتحصد أكبر عدد من ردود الأفعال الانفعالية وهي في ذلك لا تعول على صحة الخبر أو كذبه بل تعول على السياق الذي يخدمه إذاعة الخبر مادامت الغاية تبرر الوسيلة.

كان "غوبلز" يعتمد على استمرار الكذب وهذا ينجح في زمنه بحكم أن الميديا كانت قليلة التوصيل ولكن في زمننا، فهي عالية التوصيل بحيث تكاد تكون من الجسد كالشرايين التي تنقل الدم وبالتالي الكذب وحده لا ينفع بل يجب خلط الأوراق بين الصحيح والملفق من الأخبار كما يحدث في الدراما التلفزيونية التي هي شغف أهل هذا الزمان، فالدراما التي لا تقوم على ما يشعر المتلقي بأنها تستقي من واقعه أحداثها لا تثير اهتمامه ولا يبعده عنها حتى لو أوغلت بالخيال مادام العنصر الأساس الفاعل فيها يأخذ مفهوم الإنسان كما في أفلام الخيال العلمي، فهي تنبع من واقعه.

هذا الخلط ليس مرده ضعف المصادر التي تستقي منها الوسيلة الإعلامية أخبارها وليس لأن الكذب حبله قصير بل لأن المراد هو رمي حجرة في بحيرة القناعة الثابتة وعندما تبدأ الأمواج الدائرية بالتشكل يبدأ رمي الأحجار بالتتابع حتى تتقاطع الدوائر وتضطرب البحيرة ويختلط الحابل بالنابل وساعتها يصبح تأثير الخبر سواء أكان حقيقة أو تلفيقاً،مضاعفاً،بطريقة مجنونة ككرة الثلج وهنا يصبح المتلقي مرتهناً ومسرنماً لما تقوله هذه الوسيلة الإعلامية لأن المتلقي ينخفض لديه الوعي النقدي ويطفو على السطح الوعي العاطفي الذي يمكن التلاعب به كما الصلصال بيد الخزّاف ليشكل ما يريد من الفخار الذي يكسره أو يستبقيه تبعاً للغاية التي تخدمها حملتها الإعلامية أو الدراما الإخبارية.

ويدعم ما سبق، قوة الوسيلة الإعلامية ومصدريتها بالنسبة للأخبار كما يحدث عندما يقوم كاتب سيناريو ومخرج لهما النجاحات السابقة بتقديم دراما بسيطة وتافهة اعتماداً على نجاح سابق، هنا، نجد المتلقي منساقاً دون وعي منه لمتابعة هذه الدراما، بل يرفض حتى التشكيك بعدم أهميتها وعلى هذه القاعدة تلعب الوسائل الإعلامية لعبتها في تصويب أو تضليل المشاهد حسب الأجندة التي تخدمها وهذا ما رأيناه مؤخراً.

الدراما الإخبارية هي الشكل الجديد للخبر، فالخبر لم يعد يقال بكلمات بسيطة تنقل جوهره بل يصنع صناعة، تُنتقى الكلمة والتعبير الاصطلاحي ويُحدد الهدف ومن ثم يبث مع صورة هي أيضاً ممنتجة ولنذكر الدراما الإعلامية في التغير الذي حصل عندما يتم إذاعة خبر استشهاد أحد المقاومين مابين كلمة قتيل وكلمة شهيد حيث صارت تستخدم كلمة قتيل للطرفين حتى ولو كان الأول هو العدو والثاني هو المقاوم، هذا التميع هدفه المساواة بين الضحية والقاتل بحيث يستطيع بعدها القاتل التحدث عن دفاع مشروع له ونضيف مثلاً من الأحداث الأخيرة التي عصفت ببلدنا،قصة شاهد العيان أو غيره كالناشط الحقوقي،الذي يوحي اصطلاحه بموضوعيته واطلاعه على الأمور!؟.

أما شاهد العيان، فيمكن تبريره بغياب مراسل القناة المعنية بإظهاره والهدف من ذلك: إن المراسل ممكن أن يتهم بموالاته لقناته لكن شاهد العيان،فمصلحته نقل الحقيقة!؟. هذا التمثيل الإعلامي أشد قوة من المراسل المهني كما في تلفزيون الواقع الذي ذاع صيته لفترة وبدأت تخبو بعدما تكشفت كواليسه المزيفة وهذا ماحدث لشاهد عيان تلك القنوات.

وشاهد العيان/الواقع له الهدف الدرامي نفسه في سيناريو تلفزيون الواقع الإخباري، بحيث يمثل منبع الواقع لمنح المصداقية للتخيل/الكذب الإخباري وصبغ الخبر بالمصداقية بحيث تصبح القناة تدعي حياديتها، فهي لا تنقل إلا من شاهد العيان/الواقع . هذا التزييف للواقع،شاهدناه، بدءاً من شاهد العيان إلى الناشط الحقوقي إلى المعارض.

المكر الإعلامي الذي تعرضنا له والذي استطعنا فكّ أحبولته بإعلامنا الوطني بعدما قبّله الشعب السوري قبلة الواقع الحقيقية وليست المزيفة تجعلنا مطالبين بتسريع نهضة الإعلام لدينا،فصيغة خبر البارحة ليست كصيغة خبر اليوم ولن تكون كالغد.