2012/07/04

الدراما الاجتماعية أفق الانتظار أم استحقاقات الشرط الإنساني ؟!
الدراما الاجتماعية أفق الانتظار أم استحقاقات الشرط الإنساني ؟!


أحمد علي هلال – البعث


الدراما الاجتماعية تستدعي على الدوام أسئلة مُقاربة، ليس لجهة نسبة مشاهدتها، كما الحاجة لامتدادها على الخارطة الدرامية، بل لما ينطوي عليه خطابها الدرامي من موضوعاتٍ جاذبة، أو طاردة لما يمكن أن نسّميه هنا بثقافة المشاهدة، لعلّها تشكّل بعيداً عن نزعات الترف والاستهلاك، الحاجة لثقافة جمالية، لا تعوض بؤساً بعينه، بقدر ما ترتقي بالواقع وأسئلته، لتصوغ وعياً جمالياً ورؤيوياً، معادله صورة تعكس الواقع وتفارقه بآن معاً، دون أن تجعل من شخصياته أنماطاً جامدة لا سيما في الأعمال التي تمثل ألفة مع المتلقي ويلتقي معها مزاجه النفسي وأفقه الفكري.

وكثيراً ما يتساءل الجمهور عن نسبة الخيال في عمل درامي في مقابل ما يرجحونه من أن الواقع الدرامي لم يتطابق مع ما يعرفه، وبمعنى آخر لا يذهب الرأي هنا إلى ضرورة مطابقة الأعمال الدرامية الاجتماعية لما هو مألوف وسائد، بل بتوظيف معرفة تضيف لأسئلة المتلقي على اختلاف مستويات التلقي، فالواقع الاجتماعي في الحيّز الدرامي، هو واقع افتراضي، لكنه يشي وربما يحاكي ليبني منظوراً مختلفاً لإشكاليات وتناقضات، بما يعنيه من انتباه لشرط إنساني في واقع متغير، وقوفاً على ما يعنيه تأسيس "اللحظة الدرامية" التي تنفتح على إبداع الثقافة الدرامية وإبداع خصوصيتها، لطالما أصبحت الحاجة ملحة لئن تكون مساحة الأعمال الاجتماعية هي الأعلى نسبة في المشاهدة، بصرف النظر عن مفهوم الكم الإنتاجي، أو انحساره، فثمة ما يذهب بنا-كما هو مفترض-لحساسية ما يختار من موضوعات، كما حساسية المقاربات أو المعالجات في ضوء الاستفادة الممكنة من التقنيات السمعية-البصرية على سبيل المثال، ومعه ينتقل متلق تفاعلي من مستوى التأثير والانفعال-على أهمية ذلك، لمستوى وعي يجترح أسئلة إضافية من مثل انحسار البطولة بالمعنى الفردي، لتصبح في تعدديتها مفارقة لمستقر من مفاهيم معينة، فالنص الدرامي لم يعد لذاته، بقدر ما يذهب ليؤلف مع مشتركات أخرى حساسية تعبيرية تتكئ على الواقع، لكنها تفارقه لتقدم برهات ارتطاماته، كما تتبدى في المخيلة الدرامية، بالانطلاق من ما تمثله أعمال درامية هي قيد انتظار المتلقي، من استعادة معنى المغامرة الفنية، لا سيما ما انطوى منها على "تجريبية" واعية لأدواتها، وعلى الأخص الجانب التقني-السينمائي- استجابة لحداثة الشرط الفني المتغير.

فإذا كان العمل الدرامي الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر، "أرواح عارية" عن نص لفادي قوشقجي، وبتوقيع الليث حجو وبمشاركة نخبة من نجومنا السوريين، سيستعيد جدلية ومفهوم "الاجتماعي" في فضاءات مختلفة، بما سيشيره من أسئلة تمثل لدى المتلقي طريقة جديدة لتأويل قضاياه ومساحاته الحميمة، ولحظاته الإنسانية، مع التوغل في مقاربة المساحات النسوية، ومع ما ينتظر أيضاً من العمل الدرامي "بنات العيلة" وسواه من أعمال... وليس الأمر هنا محض معالجة لدواخل لشخصيات، يمتحنها "الشك" والارتياب، بقدر ما يستبطن-النص- حساسية الرؤية، سيما في الفضاءات الإنسانية المتعددة، التي يفضي تأويلها انتباهاً لتوتر النص الدرامي كما معالجته، بين لحظتين فارقتين: الدهشة والمعرفة، ومحصلتهما تلك الأعمال الدرامية بانكشاف عوالم داخلية "الذات والآخر" ورهانات خيال إنساني يصعد جماليات لغة بصرية، لعلها كثافة الواقع أو المتخيل في "أرواح عارية" أو كثافة المضامين الإنسانية، حيث الامتلاء الذي يأخذ من الحياة مؤثراتها الحكائية الإيحائية والدلالية. إذ إن ما تذهب إليه الدراما الاجتماعية-كما ينتظر-من الأعمال التي تتوالى عناوينها على الأقل، هو تقويض نمطية الحكايات واستعادة مقولة "الاجتماعي" في الفضاء الدرامي بالمعنى الحداثي والمعاصر أي غنى الصورة وعمق الطرح، وصولاً لحساسية لغة درامية تبث في مستوياتها لحظة معرفية أكثر انفتاحاً وتعددية في تأويلها الإنساني الثر..