2012/07/04

الدراما البدوية .. ضيفنا العائد بحلّته الجديدة
الدراما البدوية .. ضيفنا العائد بحلّته الجديدة


عباده تقلا - تشرين

«يتخرج الطالب من المعهد العالي للفنون المسرحية، ليصبح نجماً في مسلسلات بدويّة!»

عبارة أطلقها الموسيقي الراحل صلحي الوادي مطلع تسعينيات القرن الماضي، يوم كان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية. ‏

في ذلك الوقت كان المسلسل البدوي أحد العلامات المميزة لعطلة نهاية الأسبوع، مشكلاً مبعث ملل ونفور للبعض، و مادة دسمة للراغبين في استرجاع ذكريات الزمن الغابر، مع مفردات تتكرر في أغلبية تلك المسلسلات قوامها حسناء و فارس عاشق، وخسيس «بواق»، وغزو يهدد شرف القبيلة و أمنها الداخلي. ‏

«بطيحان» الذي أدى دوره ببراعة الممثل الأردني زهير النوباني، واحد من تلك الشخصيات الباقية في الذاكرة حتى الآن، والتي يقابلها «راكان» بفروسيته وأخلاقه وحكايات عشقه العذري، قبل أن يأتي زمن حسناء تدعى «شيما»، إن ابتليت بهواها فلا أمل لك بالحياة الهانئة بعد ذلك اليوم، ألا تذكرون ما كانت تقوله العرافة العجوز في المسلسل لكل من كان يضايقها: يبلاك بهوا شيما! ‏

ومع تلك النوعية من الأعمال كان هناك ممثلون وجدوا فرصة طيبة للعمل، إما بسبب إتقانهم اللهجة، أو حفاظ بعضهم على اللحية بشكل دائم. أحد أولئك الممثلين أضاف إلى الميزتين السابقتين ميزة الصوت الأجش، وهو ما جعله مطلوباً بقوة في تلك الأعمال، و مع مشاركاته المتواضعة في أعمال «المودرن» ظل محافظاً على لحيته و طبقة صوته، ربما لأن بصيرته أعلمته أنه سيستفيد منهما عندما تهب رياح الفانتازيا التاريخية، وهو ما كان. ‏

من طرائف تلك الأعمال أن أحداثها لم تكن تجري إلا في فصل واحد، أما الشتاء فكان فصلاً غائباً أو مغيباً نتيجة الميزانيات الضحلة المرصودة، و أمر الميزانيات نفسه كان يوقع تلك الأعمال بين يدي مخرجين محدودي الموهبة أو مفتقديها تماماً. ‏

غابت تلك الأعمال عن شاشتنا طويلاً، لتعود للظهور قبل عدة مواسم رمضانية مع إنتاج إماراتي سخي جداً في مسلسل «صراع على الرمال» من إخراج حاتم علي. و لقد قوبل العمل بفتور نقدي و جماهيري، ورأى الكثيرون أنه لم يحمل أكثر من صورة تجميلية باذخة، مع تصوير سياحي للبدو دون أي اقتراب من حياتهم الحقيقية. ‏

تبعه مسلسل «فنجان الدم» للمخرج الليث حجو والكاتب عدنان عودة، وهو العمل الذي قال صانعوه إنه يقدم مادة موثقة أخذت و قتاً طويلاً من البحث العلمي والتحليلي، وسموه ملحمة بدوية تمتد على قرن كامل، وترصد علاقة القبائل مع السلطة العثمانية القائمة في ذلك الوقت. ‏

غير أنه وبرغم النص المقبول و الأداء التمثيلي الجيد إلا أن العمل حافظ على عناصر الدراما البدوية الأساسية التي ذكرناها، و بقيت كاميرا الليث حجو أكثر ما ميز العمل عندما وجدت فضاء رحباً لإطلاق العنان لتنوعها وغناها، وهو الأمر الذي ذكرني بذلك الممثل الكبير الذي سأله البعض عن سبب قبوله المشاركة في عمل معاصر يعاني مشكلات كبيرة في نصه، فأجاب: لأنني أثق بكاميرا الليث حجو. ‏

أما الموسم الرمضاني الحالي فيشهد عرض مسلسل «توق»، قصة و حوار الأمير بندر بن عبد المحسن و سيناريو الكاتب عدنان عودة، و منذ الحلقات الأولى للعمل تسطع كاميرا المخرج شوقي الماجري فوق رمال الصحراء و بين بيوت القبائل، لتكون أكثر ما يلفت النظر في عمل أضاف ظهور الجن و حكاياتهم إلى مفردات الحكاية التقليدية. ‏

• أسئلة كثيرة تطرحها عودة الدراما البدوية بميزانياتها الضخمة، أسئلة تتعلق بنوعية الجمهور الذي تقدم له تلك الأعمال، و بمدى قدرتها على طرح أسئلة راهنة. أما ما يلفت النظر فهو وقوع تلك الأعمال تحت أيدي مخرجين متميزين بصورتهم، سمعنا أن أحدهم ينوي الاستفادة من مكاسب تلك الأعمال لصناعة مشاريعه السينمائية الخاصة. ‏