2012/07/04

الدراما البوليسية: أكثر من حاجة.. وأقل من عرض!
الدراما البوليسية: أكثر من حاجة.. وأقل من عرض!


أحمد علي هلال - البعث


إن أكثر ما يضيف لذائقة المتلقي، ليس نوعاً درامياً بعينه-على أهميته، بل تعدّد وثراء أنواع درامية مختلفة، بصرف النظر عن ازدحامها في لوحة مفتوحة، تتيح حيّزاً للاختيار بما تمنحه من خصوصية في سياق تعددها ذاته، لتحضر جدلية أثيرة لا تشبع حاجة المتلقي، بقدر ما تضاعف أسئلته المعرفية المتعلقة بأسئلة الفن ومساحات تأويله وكشفه.

ولعل الدراما البوليسية في خياراتها الفنية والأسلوبية وجدل نوعها، من شأنها أن تأخذنا لتلك المساحات الظليلة من الشغف والمعرفة ودهشة الاكتشاف، لا سيما في صيرورتها الدرامية، وعلى مستوى ما تبثه من فضاءات مشتركة مع متلقٍ تفاعلي، يعرف أين تضع "المغامرة" البوليسية أوزارها، سواء في نصوص مغلقة أو مفتوحة.

وعلى الرغم-من قلّتها- ما زالت الأعمال البوليسية تستقطب الجمهور وتفتح أفق توقعه. منذ ابتدأت تلك السلسلة الإذاعية اللافتة للكاتب المحامي المبدع الراحل هائل اليوسفي، وربما سبقتها إرهاصات ومؤشرات، تشظّت في أعمال بعينها.

ومع تواتر تلك الحلقات الإذاعية الأشهر من مسلسل حمل عنوان "حكم العدالة" وما صاحبه من متابعات على مستوى الشارع والنخب، أثيرت آنذاك أسئلة استبطنت مخاوف عدة من تقليد هنا، أو محاكاة هناك، بمعنى أنها ذهبت لمقاربة التأثير المحتمل على المجتمع سلبياً، ارتياب-إذن- من ضراوة الصورة الإذاعية، "متخيّل" الجريمة وأسلوبيتها، بالرغم من تميز النصوص الإذاعية على مستوى الموضوعات والأهداف والغايات بدّدها العمل التلفزيوني بعنوانه الدال "وجه العدالة" الذي أنتجه الفنان سامر المصري، وأخرجه سيف الشيخ نجيب بتجربة إخراجية أولى ولافتة، ليعبر العمل من الإذاعة كذاكرة سمعية إلى التلفزيون، كذاكرة سمعية وبصرية، إذ اعتمد العمل بحلقاته المتصلة-المنفصلة على بساط اللغة الدرامية وإيثاره الحبكة الدرامية المتنامية بأبعاد معرفية لا تتكئ على الإبهار البصري، وليس مستغرباً أن يحوز المركز الأول في استبيان الدراما البوليسية السورية.

وفي السياق ذاته كان مسلسل "كشف الأقنعة" بتوقيع الكاتب محمود الجعفوري وإخراج حسان داود وبمشاركة نخبة من ألمع نجوم الدراما السورية، وتميّز العمل بولوجه فضاءات إنسانية واجتماعية ابتعدت عن ثيمات الأعمال الدرامية البوليسية الغربية، واعتماده أسلوبية خاصة قائمة على "التحليل الواقعي" كما "التوثيق الجنائي البوليسي" ليحظى بمصداقية التلقي، لا سيما بدخول المتلقي على خط اللعبة الدرامية، ليؤول القضايا التي أثارها العمل على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي، مشاركة ترقى لأسئلة المتلقي وتحرير الوعي والمعنى من مقولات العمل في تأسيسها المعرفي والفني بآنٍ معاً.

وما ذهب إليه الكاتب محمود الجعفوري من التأكيد على المتلقي التفاعلي، يمنح العمل استحقاق المتابعة المنتجة، انطلاقاً مما يعنيه مفهوما الواقعية والمحلية في متون الأعمال  البوليسية-على ندرتها-والتأسيس لرؤية تتعلق بمحاكمات المتلقي المنطقية، فضلاً عما يكسر أفق توقعه بالمعنى النقدي.

والسؤال، إذا كان التعويل على حبكة درامية بطابع بوليسي يمكن أن يعتبر تعليلاً لنجاح العمل البوليسي، بمعنى معياراً نافلاً، فإن القيمة المضافة هنا ستذهب لطريقة تسليط الضوء على قضايا إشكالية، لا تبقي أعمال بعينها رهينة الطلب فقط واحتياجات السوق، ما يعني التجاوز المنشود لخلق جدلية مع أنواع درامية أخرى، لطالما بحثنا عن ألوان مختلفة في إمداد اللوحة الدرامية الشاملة.

ومن ثم يمكن القول: إذا تجاوزت درامانا البوليسية مآزق النمطية لتكسر السائد الذي فاض عن نصوص الدراما البوليسية الغربية، ذلك ما يضعها أمام استحقاق الاستمرار والاستجابة لذائقة متطلبة، أكثر انفتاحاً على جدلية الفنون جميعها.